بدأ نهب الممتلكات الفلسطينية من قِبل عصابات الكيان الصهيوني منذ عام 1948، فإلى جانب المجازر وعمليات الطرد ومصادرة الأراضي في النكبة، قام الإسرائيليون- الجنود والمدنيون على حدٍّ سواء- بسرقة ونهب الممتلكات المنقولة الفلسطينية، وهي الممتلكات التي يمكن تحميلها ونقلها في الحقائب والسيارات، من أغراض شخصية، وماشية، وآلات زراعية، ومحتويات المتاجر والمكتبات، بحسب ما ذكره المؤرخ الإسرائيلي آدم راز في كتابه “نهب الممتلكات العربية في حرب 1948”.
وقد انتشر النهب كالنار في الهشيم بين الجمهور اليهودي، وفي مدن فلسطينية مختلفة، بغرض تفريغ البلاد من كل ما يمتّ للوجود الفلسطيني بصلة. وقد كان ذلك بتغطية شبه كاملة من القيادات العسكرية والسياسية، على رأسهم وزير الدفاع في اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية دافيد بن غوريون.
نكبة 1948 الشرارة الأولى لتدمير القرى ونهب ممتلكات السكان
لا يخفى على أحد اليوم الجرائم التي اقترفتها الميليشيات الصهيونية قبل وأثناء وبعد إنشاء إسرائيل، في مايو/أيار 1948، وذلك في عملية تطهير عرقي ممنهجة، شملت ارتكاب المجازر وتدمير المدن والقرى الفلسطينية، ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين.
وبحلول الوقت الذي وقَّعت فيه إسرائيل اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية المجاورة، في عام 1949، كان هناك ما يقدر بنحو 750 ألف لاجئ فلسطيني (حوالي 75% من السكان الفلسطينيين الذين يعيشون على الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل)، بعد أن هدمت إسرائيل ما بين 400 و500 قرية وبلدة ومدينة فلسطينية، بحسب موقع INSTITUE FOR MIDDLE EAST.
خطة دالت لنهب ممتلكات السكان الأصليين
وفي مارس/آذار 1948، وافق القادة الصهاينة برئاسة دافيد بن غوريون، الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس وزراء لإسرائيل، على خطة دالت Plan Dalet، وهي خطة من وضع منظمة الهاجاناه في فلسطين، تهدف إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض على جميع الأطراف، وهو ما يتطلب تدمير القرى، بإشعال النيران ونهب ممتلكات سكانها الأصليين، لطمس معالمها تماماً، وتغييب وجودها.
تدمير القرى والاستيلاء على الممتلكات
بدأت إثر تشريع هذه الخطة هجمات الميليشيات الصهيونية على المدن الفلسطينية الكبرى؛ القدس وحيفا ويافا وطبريا، والقرى، وحملات قصف تستهدف المدنيين، ومجازر في قرى مثل دير ياسين، وبلغ عدد القرى والمدن التي شهدت عمليات تهجير جماعية نحو 1300 قرية ومدينة فلسطينية، حيث سيطرت إسرائيل في تلك الفترة على نحو 774 قرية ومدينة فلسطينية، من بينها 531 تم تدميرها بالكامل، بحسب وكالة “الأونروا”.
ويقدر أنه بعام 1948 هاجر وشُرِّد نحو 800 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم، من أصل 1.4 مليون شخص كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية، هرباً من “مذابح ارتكبتها عصابات صهيونية”، بحسب مراجع تاريخية، فيما تقول “أونروا” إن العدد كان 750 ألفاً، وقد تم طرد هؤلاء الفلسطينيين من منازلهم، ومصادرة ممتلكاتهم أيضاً، ورغم بقائهم داخل حدود ما أصبح فيما بعد إسرائيل، وحصلوا على جنسية الدولة، فإن إسرائيل لم تسمح لهم أبداً بالعودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم.
دافيد بن غوريون يعترف: “اتَّضح لي أن معظم اليهود لصوص”
يمثل ما قاله وزير الدفاع في اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، دافيد بن غوريون، في 24 يوليو/تموز 1948، على ما قام به الإسرائيليون خلال تلك النكبة، دليلاً قاطعاً على أكبر عملية سطو مسلح ربما في التاريخ، ورد ذلك في وثيقة داخل أرشيف حزب “العمل”، توثِّق إحدى جلسات حزب “مباي”، بحسب المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، حيث يعترف بن غوريون في هذه الوثائق بسلب الإسرائيليين ممتلكات الفلسطينيين، دون ذكرهم بالاسم: “اتضح لي أن معظم اليهود لصوص، وأنا أقول ذلك ببساطة وعن قصد، لأن هذه هي الحقيقة للأسف”.
ويضيف بن غوريون: “رجالنا الجنود في مرج بن عامر شاركوا شعبهم في السلب والنهب..”
فيما قال يتسحاق بن تسفي، ثاني رئيس لدولة إسرائيل بعد النكبة، في رسالة وجَّهها لبن غوريون، إنه شارك في عمليات السرقة والنهب “يهود محترمون يعتبرون عمليات السرقة أمراً طبيعياً ومسموحاً، لقد تحوّلت هذه السرقات للعرض العام، الكل يوافق على الرأي بأن لصوصنا سينقضّون على الأحياء المتروكة، كالجراد في الحقل أو البيارات”.
وهو ما يُثبت تورّط قيادات عسكرية وسياسية إسرائيلية في عمليات السرقة، ومعرفة الجميع بها وسكوتهم عنها.
ويذكر آدم راز أنه بعد الانتهاء من احتلال كل المدن الفلسطينية بلغ عدد الجنود الذين جرى تقديمهم للمحاكمة بتهم حيازة ممتلكات مهجورة 175 جندياً فقط. ويشير إلى أن مراجعة المصادر تُظهر أن معظم قادة البلماح (حركة المستوطنات التعاونية الزراعية الصناعية التابعة للتيارات العمالية والهستدروت)، اعتبروا مصادرة الممتلكات بشكل جماعي (النهب العام) أمراً مشروعاً، يختلف قانونه اختلافاً جوهرياً عن النهب الشخصي.. وأن السرقات والسطو من أجل النهوض بالصهيونية أو تحقيقها أمر متاح.
طبريا أول مدينة فلسطينية يتعرض سكانها للسرقة والنهب
في التاسع عشر من أبريل/نيسان 1948، تمكَّنت العصابات الصهيونية من احتلال طبريا والسيطرة عليها بالكامل، بمساعدة الجيش البريطاني وانسحابه، تاركاً إياها لليهود.
وتم إعلان إقامة سلطة إسرائيلية على أرض طبريا من قبل “الهاغاناه”، وهو ما أعطى لليهود “شرعية” دولية للانقضاض على ممتلكات سكان طبريا العرب، ليقوم اليهود بعد هذا الإعلان بهدم وتدمير 500 منزل تقريباً في الأحياء الفلسطينية، بهدف تهويد معالم المدينة، فمثلاً طوّرت مستعمرة “قريات شموئيل” التي أُنشئت عام 1920، كما أنشأت سلطات الاحتلال حياً سكنياً جديداً على المرتفعات الغربية المطلة على حمامات طبريا المعدنية.
وفاق عدد يهود طبريا عشية نكبة 1948 أكثر من 6000 نسمة، بينما كان عدد سكانها العرب حوالي 5500 نسمة، وسيطر اليهود بعد ذلك على أغلب المحال التجارية التي كان يمتلكها السكان الفلسطينيون، وفق الموسوعة الفلسطينية.
ويذكر المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، في كتابه “التطهير العرقي”، أن ثقة القيادة اليهودية، في أوائل أبريل/نيسان، لم تكن بقدرتها على الاستيلاء على المناطق التي منحتها الأمم المتحدة للدولة اليهودية فحسب، بل أيضاً على تطهيرها.
حيث وجهت اهتمامها إلى المراكز الحضرية الرئيسية في فلسطين، وقد هوجمت هذه المراكز بصورة منهجية، بينما “كان موظفو الأمم المتحدة والموظفون البريطانيون يراقبون ما يجري بلامبالاة ومن دون أن يحركوا ساكناً”.
قانون أملاك الغائبين لتشريع تجريد الفلسطينيين من أملاكهم
قامت إسرائيل عام 1950 بسنّ “قانون أملاك الغائبين”، الذي يضمن سلب أملاك الفلسطينيين في الأراضي التي سيطرت عليها من جهة، ويشكل الأرضية المناسبة لاستمرارية المشروع الاستعماري، الذي يهدف في جوهره إلى التوسع والتمدد، من جهة أخرى.
ويعرّف القانون الإسرائيلي “الغائب” بأنه الشخص الموجود في دولة عدو، أي أنه يُطبق على الفلسطينيين فقط، فاليهودي الذي يسكن القدس لا يفقد أملاكه في حال غادر إلى أوروبا، في حين أن المقدسي الفلسطيني يفقد أملاكه في حال تواجد في دولة عربية، ووفق مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، فإن الحكومة الإسرائيلية ما زالت تطبق هذا القانون في القدس الشرقية منذ ضمها العام 1967، أما في المرحلة اللاحقة فبات وجود هذه القوانين يشرعن عملية السلب قبل وقوعها، كما يشرعن استخدام النفوذ والقوة لتهجير الفلسطينيين من أملاكهم ومنازلهم.
وفي عدوانه الأخير على قطاع غزة، المستمرّ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بالقصف والتدمير الذي يشنه على المدنيين الفلسطينيين، بل قام كذلك بما يمكن وصفه بالسرقة الممنهجة لأموال الغزِّيين.
وقد أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي استولى على 5 ملايين شيكل، تم تحويلها إلى القسم المالي بوزارة الدفاع، وذلك منذ بداية اجتياحه البري للقطاع.
ولم يكتفِ جنود الاحتلال بسرقة أموال الفلسطينيين فحسب، بل دأبوا على اقتحام منازلهم والعبث بها، والاستيلاء على ما يمكنهم الاستيلاء عليه من ممتلكاتهم وحاجياتهم، كما أظهرت ذلك مقاطع فيديو تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي لحسابات إسرائيليين، نشروها وتفاخروا بها.