خلال الأشهر الأخيرة٬ وعلى وقع الحرب المدمرة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ٬ تصاعدت داخل أسوار الجامعات المغربية الاحتجاجات الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، بكافة أشكاله وأنواعه٬ بالإضافة إلى زيادة وتيرة النشاط المؤيد للشعب الفلسطيني.
خلال هذه الاحتجاجات التي خرجت في الأساس تضامناً مع غزة، طالب آلاف من الطلاب والأكاديميين والموظفين بوقف مسار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً الأكاديمي منه.
ويذكر تقرير لوكالة الأناضول٬ أن الاحتجاجات ضد التطبيع أخذت أشكالاً عدة، بما فيها تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية داخل أسوار الجامعات، أو إصدار بيانات ونداءات والتوقيع على عرائض وإرسالها إلى إدارات الجامعات، أو تسليط الضوء على مطلب وقف التطبيع عبر مؤتمرات ولقاءات فكرية نظمها الطلاب.
الجامعات المغربية تتصدى للتطبيع مع “إسرائيل”
منذ أشهر، ينظم طلاب في جامعات مدن عدة مثل الدار البيضاء (غرب)، وتطوان وفاس (شمال)، مظاهرات ووقفات احتجاجية حاشدة دعما لغزة بمواجهة الحرب الإسرائيلية. وخلال هذه المظاهرات والوقفات، كان وقف التطبيع مع إسرائيل، خصيصاً الأكاديمي، المطلب الحاضر دائماً في احتجاجات هؤلاء الطلاب.
كذلك، نظمت الاتحادات الطلابية بالجامعات المغربية مؤتمرات ولقاءات فكرية عدة ركزت على مطلب وقف التطبيع.
ويقول مصطفى العلوي رئيس منظمة “التجديد الطلابي”، وهي إحدى الحركات الطلابية بالمغرب، إن “جامعات المملكة عرفت احتجاجات داعمة لغزة على غرار مختلف مناطق البلاد٬ وهذه الفعاليات الاحتجاجية تعتبر بمثابة رسالة دعم وتضامن وتعاطف مع القضية الفلسطينية، وهي رسالة واجبة في الأساس”.
ويضيف العلوي للأناضول، أن “دعم القضية الفلسطينية ضرورة، والدفاع عنها دعم للأمن القومي المغربي، لأن المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين فقط، بل يستهدف المنطقة العربية والإسلامية برمتها في أمنها وثرواتها الطبيعية واستقرارها السياسي ونموها واستقرارها الاجتماعي”. مشيراً إلى أن “فلسطين، وغزة على وجه الخصوص هي جدار الدفاع الأول في وجه هذا المشروع الصهيوني”.
لذا فإن هذه الفعاليات في الجامعات، التي ترفع مطلب وقف التطبيع، لا تقتصر على الحراك الميداني، بل تتعداه إلى العرائض والنداءات والبيانات التي تقدم بها طلاب وأكاديميون وموظفون، كما حدث في جامعات بمدينتي تطوان، وابن جرير (وسط)، على سبيل المثال.
الطلبة المغاربة يطالبون بإلغاء اتفاقيات شراكة جامعات ومعاهد إسرائيلية
في يونيو/ حزيران الماضي، وقع مئات من طلاب وخريجي جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بمدينة ابن جرير، نداء موجها لرئاسة الجامعة، يطالبها بإلغاء اتفاقيات شراكة وقعتها مع 8 جامعات ومعاهد إسرائيلية.
موقعو هذا النداء الذين بلغ عددهم 1256 طالباً وخريجاً، حثوا رئاسة الجامعة على “قطع علاقاتها مع الإسرائيليين المتورطين في جرائم الحرب والإبادة ضد الشعب الفلسطيني”، وفقا لبيان صدر عنهم.
وقال الموقعون إنهم “تلقوا إثر ذلك دعوة للحوار، وجرى بالفعل لقاء مع ممثل عن رئاسة الجامعة”، لكنهم قالوا إن “الجامعة ترفض قطع العلاقات مع الشركاء الإسرائيليين”.
وفي مايو/ أيار الماضي٬ قدم أكثر من 700 أستاذ بجامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان، عريضة إلى إدارة الجامعة لتوقيف اتفاقية شراكة أبرمتها مع جامعة حيفا الإسرائيلية عام 2022. وبحسب بيان سابق للأكاديميين، تعهدت إدارة الجامعة بالتفاعل مع مطالبهم.
وسبق أن دعا عشرات الأكاديميين والموظفين والطلبة بكلية العلوم التابعة لجامعة محمد الأول في مدينة وجدة (شمال)، في فبراير/ شباط الماضي٬ رؤساء الجامعات المغربية جميعها إلى “قطع كل صلة بالجامعات الإسرائيلية وإيقاف كل تعاون معها”٬ حيث جاء ذلك في بيان تُلي خلال وقفة احتجاجية نظموها بمقر كليتهم آنذاك.
إدارة الجامعات لا تتجاوب مع دعوات وقف التطبيع وتحاول منع أنشطة مؤيدة لغزة
العلوي أعرب مع ذلك عن أسفه لكون هذه العرائض والنداءات والبيانات المطالبة بوقف التطبيع “لم تجد صدى كبيرا لدى إدارات الجامعات”، إذ “لم تدفع الجامعات المغربية لمراجعة علاقتها مع الجامعات الإسرائيلية”. وقال إن “قرار الجامعات المغربية ليس بيدها”، معتبرا أن “الفاعل الأكاديمي ليس هو الذي يقرر عملية التطبيع”٬ على حد تعبيره.
وانتقد رئيس منظمة التجديد الطلابي منع بعض الجامعات الطلاب من تنظيم أنشطة داعمة لغزة. وبينما تبدي أوساط رسمية مغربية استنكارها للمجازر الإسرائيلية المرتبكة بحق الفلسطينيين في غزة، وتطالب المجتمع الدولي بتدخل “حاسم وحازم” لوقف الحرب على القطاع، لم يصدر تعقيب منها على مطلب وقف التطبيع مع الاحتلال بعد.
لكن منذ بدء الحرب على القطاع، توقفت الزيارات المتكررة التي أجراها مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى إلى المملكة، منذ توقيع الرباط وتل أبيب اتفاقية لتطبيع العلاقات بينهما برعاية أمريكية، في ديسمبر/ كانون الأول 2020.
جامعات مغربية تلغي حفلات التخرج خشية تحويلها لفعاليات تضامنية مع غزة
في السياق٬ نشرت منظمة التجديد الطلابي في المغرب بياناً يوم 16 يونيو/تموز 2024 يستنكر “إلغاء عدد من الجامعات المغربية لحفلات التخرج السنوية بسبب أنها كانت ستتضمن رموزاً تضامنية مع القضية الفلسطينية”.
وأضافت المنظمة أنه “في الوقت الذي كان من المفروض أن تتخلى عدد من الجامعات المغربية عن تطبيعها مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي طالب به ولا يزال طلاب المغرب، إذ بها تعيد التردي إلى هذا المستوى المهين والمخزي، بمنع طلبتها من التضامن مع القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لم تبلغه حتى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول للكيان٬ التي كانت تتزين حفلات التخرج الخاصة بها٬ بالرموز الداعمة للقضية الفلسطينية”.
وجددت المنظمة دعوتها لهذه الجامعات ولوزارة التعليم العالي المغربية إلى “التحلل من عار الاتفاقيات المبرمة مع الكيان الصهيوني”. مؤكدة “عزمها على الاستمرار في الضغط بسائر الوسائل المشروعة حتى إسقاط التطبيع الأكاديمي مع الكيان”.
في السياق٬ أثار رفض عميد إحدى الكليات في المغرب تكريم طالبة متفوقة، بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط المدنية والسياسية في البلاد، يوم السبت 13 يونيو/تموز 2024 في حين كان لافتاً ارتفاع مطالب طلابية بفتح تحقيق في الواقعة واتخاذ الإجراءات لضمان عدم تكرار ما وقع.
وخلال حفل تسليم الجوائز للطلاب المتفوقين، في المدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة الحسن الثاني٬ بمدينة الدار البيضاء٬ رفض عميد كلية العلوم تسليم الجائزة لطالبة بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية بدعوى أنها “تمارس السياسة”، قبل أن يقدم بعد فشله في دفعها إلى نزعها على الانسحاب من الحفل، بعد موجة من الاستهجان والاستياء في صفوف الحاضرين، لا سيما أنه حضر بصفته ضيف شرف، في حين تمكنت إدارة المدرسة العليا للتكنولوجيا من تدارك الأمر، وتسليم الطالبة شهادتها من خلال مدير المؤسسة.
وتشهد العديد من المدن المغربية، من طنجة حتى العاصمة الرباط، وقفات تضامنية متكررة مع قطاع غزة الذي يتعرض لحرب طاحنة٬ طالب فيها المشاركون بقطع العلاقات مع تل أبيب ووقف الحرب وإدخال المساعدات على الفور٬ فيما حاولت السلطات قمع بعض الاحتجاجات.
وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حربا مدمرة بدعم أمريكي على غزة، خلفت أكثر من 127 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال. وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال إبادة جماعية وبتحسين ظروف الوضع الإنساني الكارثي.