يُصادفُ اليوم 24 يوليو/تموز 2024 تاريخ بداية الحملة الفرنسية على مصر، التي بدأت في عام 1798 وكانت واحدةً من الأحداث البارزة في التاريخ الحديث للمنطقة حيثُ أنّها تُعتبر أول عملية عسكرية يشنها الغرب على دولة في الشرق الأوسط منذ الحروب الصليبية التي بدأت فعلياً في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1095، وقاد الحملة نابليون بونابرت، الذي كان آنذاك قائداً عسكرياً طموحاً.
وجاءت هذه الحملة في إطار الثورة الفرنسية، وكانت تهدف إلى تعزيز النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط والتأثير على التجارة البريطانية في الهند.
ورغم تحقيق الحملة لبعض الانتصارات والنجاحات في بدايتها، اضطر نابليون في النهاية إلى سحب جيشه لأسباب متعددة، منها الاضطرابات السياسية في فرنسا، النزاعات المستمرة في أوروبا حيثُ استمرت الحملة 3 سنوات، وانتهت عام 1801 بهزيمة الفرنسيين وانسحابهم.
لماذا شنّ نابليون بونابرت حملة على مصر؟
كانت لمصر أهمية خاصة لأنها وفرت أقصر طريق إلى ثروات الشرق، حيثُ أنّها وُصفت بحسب موقع NATIONAL ARMY MUSEUM بأنها “المفتاح الرئيسي لجميع الأمم التجارية على وجه الأرض”، وأصبحت مسرحاً للمعركة خلال حروب الثورة الفرنسية (1792-1802). كانت هذه سلسلة من الصراعات التي وضعت فرنسا ما بعد الثورة ضد بريطانيا وروسيا والنمسا وممالك أوروبية أخرى.
أما على الصعيد الاقتصادي فقد سعت فرنسا إلى تحقيق مصالح اقتصادية، تتمثل في السيطرة على الطرق التجارية البحرية القادمة من الهند إلى الشرق الأوسط، وفتح الطريق أمام أسواق جديدة لتصريف البضائع والسلع الفرنسية.
دخول نابليون بونابرت إلى القاهرة
وفقاً لما حدثنا موقع WORLD HISTORY وصل الأسطول الفرنسي قبالة ساحل الإسكندرية في 1 يوليو/تموز 1798 حيثُ هاجم الفرنسيون الإسكندرية في صباح اليوم التالي وكانت المدينة في أيدي الفرنسيين بحلول منتصف النهار.
بقي بونابرت في الإسكندرية لمدة أسبوع قبل أن يتوجه إلى القاهرة في 7 يوليو/تموز 1798، تاركاً الأسطول راسياً في خليج أبو قير و2000 رجل خلفه كحامية.
معركة شبراخيت
في 13 يوليو، التقى بونابرت بالجيش المملوكي بقيادة مراد بك وهزمه في معركة شبرا خيت الصغيرة.
وفي إشارة إلى الهرم الأكبر في الجيزة، الذي يمكن رؤيته بوضوح من الميدان، قال بونابرت لرجاله: “أيّها الجنود، من أعالي هذه الأهرامات، التي تنظر إليكم أربعون قرناً من التاريخ!”.
معركة إمبابة (معركة الأهرام)
وقعت معركة إمبابة، المعروفة أيضًا بمعركة الأهرام، في 21 يوليو/تموزعام 1798 خلال الحملة الفرنسية على مصر. جرت المعركة بالقرب من قرية إمبابة، عند نهر النيل شمال القاهرة، وسمّاها نابليون “معركة الأهرام” نظراً لوجود هرم الجيزة الأكبر الذي يمكن رؤيته من مسافة حوالي 9 أميال.
قاد الجنرال نابليون بونابرت الجيش الفرنسي إلى انتصار حاسم على جيش المماليك المحليين، بعد الاستيلاء على الإسكندرية وعبور الصحراء. وكانت هذه المعركة الأولى التي ابتكر فيها بونابرت شخصياً تشكيل مربع المشاة، وهو تشكيل أثبت فعاليته في صد هجمات فرسان المماليك.
أسفر انتصار الفرنسيين عن سيطرتهم الفعلية على مصر، حيث فرّ مراد بك صحبة ما بقي من جيشه إلى صعيد مصر بشكل فوضوي.
بعد المعركة، دخل نابليون القاهرة وأقام إدارةً محليةً جديدةً تحت إشرافه. كانت هذه المعركة، إلى جانب معركة النيل، جزءاً من الصراع العالمي بين فرنسا وبريطانيا، حيث كان الهدف الفرنسي إنشاء قاعدة لشن حملة على الهند البريطانية.
السيطرة على القاهرة
بعد وقوع جزء كبير من مصر تحت سيطرته، سعى نابليون بونابرت إلى كسب تأييد الشعب المصري. في القاهرة، شارك بونابرت المشايخ المحليين في نقاشات دينية، مُظهراً معرفته بالقرآن الكريم، وأعطى انطباعاً بأنه يعتزم اعتناق الإسلام.
وكما أورد عبد الرحمن الجبرتى في كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” فقد جاء في بيان بونابرت: “بسم الله الرحمن الرحيم، على أهالي مصر جميعهم، أن يعرفوا انني ما نزلت بهذا الطرف بقصد إزالة دينكم، وقولوا للمفترين أنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه والقرآن العظيم”
في اليوم الأخير من الاحتفالات، افتتح بونابرت المعهد المصري برئاسة العالم الفرنسي جان باتيست مونج، في محاولة لإبراز التقدم العلمي والعقل التنويري، ولإبهار سكان القاهرة بجهود الفرنسيين في مجال العلم والمعرفة.
ثورة القاهرة الأولى
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1798، ثار الشعب المصري ضد الجيش الفرنسي لأسباب عديدة. بعد تحطم الأسطول البحري الفرنسي وانقطاع الإمدادات عنه، فرض الفرنسيون ضرائب عالية على المصريين لتأمين إمدادات الجيش بالمؤن والأموال، كما قام الجيش الفرنسي بهدم الجوامع والمآذن والاعتداء على الحريات العامة، وقتل حاكم الإسكندرية بتهمة معارضة فرنسا.
هذه الأفعال دفعت المصريين إلى الخروج في انتفاضة كبيرة تجمعت حول جامع الأزهر. انضم إلى الانتفاضة المشايخ والعلماء والأئمة، واتسعت لتشمل أحياء القاهرة في وقت قصير. اشتبك الثوار مع الجنود الفرنسيين وقتلوا عدداً منهم. وبحسب ما جاء في موقع l’histoire par l’image فإنه في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1798، توافد سكان الريف على المدينة ودار قتال عنيف مع الجيش الفرنسي، ما أدى إلى مقتل رئيس أركانه.
رداً على ذلك، بدأت المدفعية الفرنسية بقصف المدينة، مستهدفةً الثوار والجامع الأزهر والأحياء المجاورة له، ما أسفر عن مقتل أكثر من 4000 من أهالي مصر.
أمام هذه الخسائر الفادحة، طلب مشايخ الأزهر الهدنة، فقبل نابليون وتم الاتفاق على إلقاء السلاح ورفع المتاريس. إلا أن نابليون انقلب على الثوار بعد ذلك، فأمرت قواته باقتحام الجامع الأزهر وتدميره، كما أمر بإعدام عدد من الثوار والعلماء وقطع رؤوس بعضهم.
ثورة القاهرة الثانية
بعد فشل حصار عكّا، عاد نابليون بونابرت سراً إلى فرنسا، تاركاً الجنرال جان بابتيست كليبر قائداً للحملة الفرنسية على مصر. في هذه الأثناء، تصاعدت أطماع البريطانيين والمماليك في البلاد. وسط هذا النزاع المتعدد، انتهز المصريون الفرصة للثورة ضد الفرنسيين، فاندلعت ثورة القاهرة الثانية في 20 مارس/آذار 1800، حيث هاجم المصريون معسكرات الجيش الفرنسي كما ذكر لنا موقع britannica.
رغب جان بابتيست كليب مثل العديد من الجنود في العودة إلى مسرح الحرب في أوروبا. لذلك، دخل كليبر في مفاوضات مع العثمانيين، وبموجب اتفاقية العريش الموقعة في 24 يناير/كانون الثاني 1800 وافق على إخلاء مصر.
نهاية الحملة الفرنسية على مصر
بعد سلسلة من الصراعات والمعارك، بدأت الحملة الفرنسية على مصر تصل إلى نهايتها. في عام 1801، قادت العمليات العسكرية المتواصلة إلى زيادة الضغوط على الفرنسيين، الذين كانوا محاطين بقوات متعددة.
بدأت الحملة الثلاثية ضد الفرنسيين، حيث هبطت القوات البريطانية في أبو قير في مارس/آذار عام 1801، بينما تقدم العثمانيون من سوريا. بعد فترة قصيرة، نزلت القوات الهندية البريطانية في القصير على ساحل البحر الأحمر. هذا التقدم المتزامن شكل تهديداً كبيراً للوجود الفرنسي في مصر.
في يونيو 1801، بعد مقاومة شديدة وصراعات متكررة، استسلم الاحتلال الفرنسي في القاهرة، هذا الاستسلام كان بمثابة نهاية فعالة للوجود الفرنسي في مصر ومع انتهاء الحملة الفرنسية، عادت مصر إلى السيطرة العثمانية، واستعادت سلطاتها التقليدية.