غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

تحليلات وتحقيقات

استطلاعات رأي العدوان على غزة.. كيف تحولت إسرائيل إلى عبء ثقيل على أمريكا؟

نتائج الثانوية العامة

تظهر استطلاعات الرأي تراجعاً ملحوظاً في شعبية إسرائيل بين الأمريكيين، فكيف تحولت تل أبيب من حليف لواشنطن إلى “عبء” على السياسة والسياسيين الأمريكيين منذ أن بدأت حربها على غزة؟

ورصد تحليل لصحيفة هآرتس الإسرائيلية كيف أن دعم إسرائيل، الذي كان أمراً محسوماً قبل الحرب على غزة، قد تراجع بشكل ملحوظ على مدى الأسابيع الماضية، وكيف أن السياسات الإسرائيلية أصبحت غير شعبية بشكل يستحيل إنكاره، لتتحول إسرائيل من حليف رئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط إلى عبء على واشنطن.

دعم إدارة بايدن وتراجع التأييد لإسرائيل

ومنذ اللحظة الأولى لبداية العدوان الإسرائيلي على غزة، أعلن جو بايدن دعمه المطلق لإسرائيل، وتولى ترويج روايتها المضللة بشأن الحرب في غزة، ووصل تبني الرئيس الأمريكي الرواية الإسرائيلية بحذافيرها إلى حد التشكيك في أعداد شهداء القصف الهمجي لقطاع غزة. لكن مع مرور الوقت، بدأت لهجة الخطاب الأمريكي تجاه العدوان الإسرائيلي تتغير بشكل لافت، دون أن يتغير مستوى الدعم العسكري واللوجستي، وهو ما يرجعه مراقبون إلى أسباب متعددة، أبرزها الانقسام الداخلي الحاد بشأن الموقف من إسرائيل والفلسطينيين.

كانت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، قد شنت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يوم عملية طوفان الأقصى العسكرية، عدواناً غاشماً وهمجياً ومنفلتاً على قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون فلسطيني، وفرضت إجراءات عقاب جماعي بحق سكان القطاع، فقطعت الكهرباء والمياه والغذاء بشكل كامل، وبدأت حملة قصف جوي وبحري وبري لا تزال مستمرة.

و”طوفان الأقصى” هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال الذي يفرض حصاراً خانقاً على القطاع منذ 17 عاماً. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي لفلسطين في ذلك اليوم، شنّت “حماس” اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، بعد أن اخترقوا الجدار الحديدي وسحقوا فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

استطلاعات رأي العدوان على غزة.. كيف تحولت إسرائيل إلى عبء ثقيل على أمريكا؟

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة، وإما تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها في حالة حرب”، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هجوم عسكري.

وتسبب العدوان الإسرائيلي في انقسام حاد بالمجتمع الأمريكي، حيث يؤيد 61% من الناخبين الأمريكيين وقف إطلاق النار في غزة، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، لكن في الوقت نفسه لا يزال الموقف الرسمي الأمريكي على حاله تقريباً، إذ لا يدعم وقف إطلاق النار الفوري والدائم سوى 14% من المشرعين في الكونغرس، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي يلقي الضوء على الانقسام المتزايد داخل أروقة السياسة الأمريكية.

وبحسب تحليل هآرتس، فإن تجاهل إسرائيل تلك التوجهات المقلقة في الشارع الأمريكي يمثل خطأً كبيراً من جانب المسؤولين الإسرائيليين. فعلى الرغم من أن إسرائيل لا تزال تتمتع بشعبية أكبر من تلك التي يتمتع بها الفلسطينيون، فإن نسبة الدعم لإسرائيل تراجعت بحدة مقابل ارتفاع نسبة التأييد للفلسطينيين.

ماذا يعني صعود التأييد الشعبي لقضية فلسطين؟

توقف تحليل الصحيفة الإسرائيلية عند الصعود اللافت للدعم لقضية فلسطين في الجامعات والمدارس الأمريكية بشكل خاص والمجتمع الأمريكي بشكل عام، وهو ما تعكسه المظاهرات الحاشدة والمستمرة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، إضافة إلى ما تؤكده استطلاعات الرأي المتعددة في هذا الخصوص.

إذا كان هذا التوجه منعكساً في استطلاع رأي واحد ربما يمكن تجاهله أو اعتباره مظهراً سلبياً مرتبطاً، بشكل مباشر بحدث مهيمن على الساحة السياسية، أما إذا كانت النتيجة نفسها تظهر في استطلاعي رأي فيجب أن تلفت الانتباه، وأما تكرار النتيجة نفسها في 3 استطلاعات فهو أمر جدير بالدراسة والتدقيق، لأنه ينم عن توجه عام في طور التشكل.

لكن عندما تُظهر مجموعة متنوعة من استطلاعات الرأي تجريها جهات متعددة ومتنوعة التوجهات والانتماءات دعماً متدنياً لإسرائيل ورفضاً حاسماً لطريقة تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الحرب على غزة، يصبح الأمر مدعاةً ليس فقط للتحليل الفردي لكل نتيجة، ولكن أيضاً لمحاولة استخلاص نتائج قد تكون غير ظاهرة في اللحظة الآنية، لكنها موجودة وتشكل رأياً عاماً غالباً، بحسب تحليل هآرتس.

استطلاعات رأي العدوان على غزة.. كيف تحولت إسرائيل إلى عبء ثقيل على أمريكا؟

المشهد الأمريكي والموقف هناك من إسرائيل يبدو معقداً، لأن غالبية استطلاعات الرأي خلال الأشهر الأخيرة كان تُظهر، منذ ما قبل العدوان الحالي على غزة، أن الدعم العام لإسرائيل وليس لحكومة نتنياهو وسياساتها اليمينية المتطرفة لا يزال سائداً في الولايات المتحدة.

لكن هذا الانطباع قد يكون مضللاً على المدى البعيد؛ وذلك بسبب عنصر واحد لكنه مهم للغاية، وهذا العنصر هو الأجيال الأصغر سناً من الناخبين الديمقراطيين الذين ينتقدون إسرائيل أو حتى يُظهرون العداء الواضح تجاهها، والأجيال الشابة هنا إشارة إلى الفئة العمرية بين 18 و34. وأدت الحرب على غزة بطبيعة الحال إلى زيادة الانتقادات والعداء تجاه إسرائيل بين تلك الفئة.

والأمر المؤكد في هذا الإطار، بحسب هآرتس، هو أن استطلاعات الرأي المشار إليها أجرتها هيئات متعددة وذات مصداقية عالية، وبوضع نتائج هذه الاستطلاعات معاً تعكس توجهاً عاماً داخل المجتمع الأمريكي منتقداً لإسرائيل ككل أو لسياسات حكومتها الحالية برئاسة نتنياهو.

هل جعل العدوان على غزة إسرائيل عبئاً على أمريكا؟

يشير التحليل الأعمق لاستطلاعات الرأي الأمريكية إلى توجه عام بين الشباب عموماً، والمسجلين كديمقراطيين أو مستقلين بصفة خاصة، وهو اعتبار إسرائيل دولة احتلال لا بد لها من أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية لإقامة دولة فلسطين المستقلة، والمؤكد أن هذا الرأي كان موجوداً على نطاق أقل قبل العدوان الحالي على غزة، لكن مشاهد الدمار الواسع والضحايا المدنيين قد عمقت هذا الرأي وحولته إلى ما يشبه الرأي العام.

وفي السياق ذاته، بدأت وسائل إعلام أمريكية كبرى مؤخراً في توجيه انتقادات لاذعة لنتنياهو وحكومته، وهو التوجه الذي يبدو مرشحاً لمزيد من التصعيد في ظل الخلاف العلني بين بايدن ونتنياهو بشأن مسار الحرب على غزة ومصير الأسرى والمحتجزين في القطاع، ومنهم من يحملون الجنسية الأمريكية.

النقطة الأخرى في هذا السياق تتعلق بالمصالح الأمريكية في المنطقة وحول العالم والتي باتت تتعرض لأضرار، من الصعب تجاهلها، بسبب موقف واشنطن الرسمي المنحاز إلى إسرائيل والداعم لها بشكل يجعل من الولايات المتحدة شريكاً في الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال من جهة، ويعرّض المصالح الأمريكية لمزيد من الأضرار من جهة أخرى.

ويأتي الموقف المتفجر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث يهاجم الحوثيون السفن والناقلات التي لها علاقة بإسرائيل وإعلان واشنطن عن تشكيل قوة بحرية لضمان حرية الملاحة هناك، ليمثل عنصراً آخر من عناصر الانقسام في الداخل الأمريكي، حيث يوجد رفض متصاعد لانخراط أمريكا في مزيد من الصراعات حول العالم. وهذا الموقف النابع بطبيعة الحال من عدوان إسرائيل على غزة يجعل من تل أبيب “عبئاً” على السياسة الأمريكية أكثر من كونها حليفاً استراتيجياً.

تشير هذه المعطيات التي تبرزها استطلاعات الرأي المرتبطة بالعدوان على غزة، إلى تزايد ملحوظ في انتقاد إسرائيل، لكن الفتور في العلاقات بين أمريكا وإسرائيل ليس وليد العدوان الحالي على غزة، فالحديث عن إنهاء المساعدات العسكرية لتل أبيب بات يحظى بشعبية متزايدة بعد أن كان من “المحرمات”.

صحيحٌ أن إسرائيل وأمريكا ترتبطان بعلاقات تحالف استراتيجية وقوية للغاية، لكن الخلافات بين تل أبيب وواشنطن كانت قد وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، كان يرجعها البعض إلى التوتر في العلاقات بين نتنياهو وبايدن.

فعلاقة بنيامين نتنياهو مع جو بايدن لم تكن جيدة بشكل عام، لكن الانقسام الضخم في إسرائيل بسبب الإصلاحات القضائية أو الانقلاب القضائي وتدخل واشنطن فيما يحدث ووصول الأمور إلى حد اتهامات بالتواطؤ ورسائل مبطنة، مفاده: “لا تأتِ لزيارتنا”، فهذه كلها سوابق تاريخية في العلاقات بين البلدين.

استطلاعات رأي العدوان على غزة.. كيف تحولت إسرائيل إلى عبء ثقيل على أمريكا؟

وكانت صحيفة Haaretz الإسرائيلية قد نشرت تقريراً قبل “طوفان الأقصى” بشهر ونصف الشهر يرصد كيف أن مناقشة إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل باتت تحظى بشعبية متزايدة، وهو تحول جذري بطبيعة الحال، فأي حديث يندرج تحت بند “الانتقاد” لتل أبيب كان يؤدي بصاحبه إلى “مقصلة” اللوبي اليهودي الأقوى في واشنطن على الإطلاق.

لكن الأسبوع الأخير من أغسطس/آب الماضي شهد مناظرة أذاعتها محطة الشبكة التلفزيونية الأمريكية PBS بين سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل ومسؤول كبير في البيت الأبيض تندرج تحت “تحطيم المحرمات”، وكانت غير متصورة على الإطلاق من قبل. إذ ناقشا خلالها ما إذا كان الوقت قد حان لوقف الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل. وباتت القضية التي كان يُعتقد في السابق أنها تحظى بإجماع شامل في السياسة الأمريكية، موضوعاً مثيراً للجدل في واشنطن.

وفي المناظرة، أعرب دان كيرتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل بين عامي 2001 و2005 إبان إدارة الرئيس جورج بوش الابن، عن دعمه للفكرة. وقال إن إسرائيل لا تشترك مع الولايات المتحدة في القيم الديمقراطية، وهي مستقرة بما يكفي وقادرة على الاعتناء بنفسها.

ولم يعارض دينيس روس، الذي كان مسؤولاً عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية بعهد إدارة كلينتون في التسعينيات، وقف هذه المساعدة صراحة، لكنه نبّه إلى أن الوقت ليس مناسباً لذلك، وقد يشجع ما وصفهم بأنهم “أعداء” إسرائيل على مهاجمتها إذا رأوا ضعفاً في الدعم الأمريكي المقدم لها. لكن حتى اللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل في أمريكا لم يعد يتمتع بالنفوذ والتأثير ذاتهما كما كانا قبل الحرب الحالية على غزة، بحسب تقارير إعلامية أمريكية.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة