على بعد أقل من شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية يبدو الناخبون الأمريكيون منقسمين بشكل كبير، وهو ما يجعل من مهمة المرشحين دونالد ترامب وكاميلا هاريس صعبة في تحقيق وصول سهل إلى البيت الأبيض يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
آخر استطلاعات الرأي التي أعقبت أول مناظرة بين المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أظهرت تفوقاً طفيفا للمرشحة الديمقراطية هاريس، ولكنه من السابق لأوانه الحديث عن حسم الأمور في ظل وجود عناصر أخرى تتدخل في رسم ملامح الرئيس المقبل لأمريكا.
حيث يبرز دور جماعات الضغط المعروفة بـ”اللوبيات” في تحديد الخريطة السياسية الأمريكية، وتخصص كل جماعة أموالاً ضخمة من أجل دعم المرشح الذي سيحافظ على مصالحها ويمكنها من تحقيق مكاسب أكثر خلال السنوات المقبلة.
فما هي أبرز جماعات الضغط التي تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ وكيف تعمل على توجيه السياسات العامة الأمريكية داخلياً وخارجياً؟ وما قيمة الأموال التي تخصصها من أجل دعم مرشح على حساب الآخر؟
لوبي السلاح ودعم دونالد ترامب
من أقوى جماعات الضغط “اللوبيات” في الولايات المتحدة نجد الشركات المتخصصة في صناعة السلاح، فهي تخصص أموالاً ضخمة من أجل توجيه الرأي العام والناخبين الكبار في الكونغرس وبالتالي التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية حماية لمصالحها ومكاسبها المالية.
من بين لوبيات السلاح في أمريكا نجد “الرابطة الوطنية للبنادق” التي تضم في صفوفها نحو 5 ملايين عضو، وخلال انتخابات 2016 التي عرفت فوز دونالد ترامب، أنفقت الرابطة 31 مليون دولار لصالح حملة المرشح الجمهوري.
لكن تقارير إعلامية أمريكية كشفت عن مشاكل داخلية أثرت على عملها منذ عام 2019، هذه المشاكل لم تمنع ترامب من التعبير مجددا عن دعمه للرابطة، وحدث ذلك خلال الاجتماع السنوي للرابطة الذي حضره الرئيس الأمريكي السابق في شهر مايو/أيار 2024.
أعضاء الرابطة عبروا عن دعمهم القوي للمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بينما تعهد ترامب بالدفاع عن مصالح أعضاء الرابطة وتعهد أنه إذا فاز في الانتخابات: “لن يضع أحد إصبعه على أسلحتك النارية”.

تعيش أمريكا منذ عقود انقساماً كبيرا بشأن موضوع السلاح الذي يعتبر من الملفات الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويمتلك المدنيون في الولايات المتحدة أكثر من 390 مليون بندقية. وفي عام 2020 وحده، توفي أكثر من 45 ألف أمريكي بإصابات مرتبطة بالأسلحة النارية، بما في ذلك جرائم قتل وانتحار.
كما برزت مجموعة ضغط أخرى في صناعة الأسلحة، ويتعلق الأمر برابطة تجارة صناعة الأسلحة النارية “NSSF”، والتي بدأت تحشد أنصارها وخصصت أموالا ضخمة لتشجيع الناخبين على التصويت لصالح دونالد ترامب.
نجد أيضا مجموعة “مالكي الأسلحة النارية من أجل ترامب”، والتي تضم صناع الأسلحة النارية ودعاة الحق في امتلاك الأسلحة النارية في أمريكا، وحسب ما ذكرته المجموعة على موقعها الرسمي فإن ترامب “يعتقد أن كل أمريكي لديه الحق الإلهي في حماية نفسه وأسرته وقد أثبت من خلال أفعاله أنه سيدافع عن مالكي الأسلحة الملتزمين بالقانون”.
كما أضافت أن مالكي الأسلحة في جميع أنحاء البلاد يعملون على منح الرئيس ترامب فترة ولاية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ووقف “نهج عدم التسوية” الذي ينتهجه الرئيس الحالي جو بايدن لتفكيك قوانين الأسلحة في أمريكا.
في المقابل هناك جماعة ضغط “Everytown for Gun Safety” التي تأسست عام 2013، وتضم في صفوفها 10 ملايين عضو، وتقوم بحملة من أجل ما وصفته بـ”إنهاء العنف المسلح” في أمريكا، وأكدت على دعمها لمرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
في المقابل هناك جماعة ضغط “Everytown for Gun Safety” التي تأسست عام 2013، وتضم في صفوفها 10 ملايين عضو، وتقوم بحملة من أجل ما وصفته بـ”إنهاء العنف المسلح” في أمريكا، وأكدت على دعمها لمرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وخلال شهر يونيو/حزيران حضر بايدن، قبل أن يعلن انسحابه من الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتعويضه بنائبته هاريس، تدريب أعضاء من المنظمة حيث استشهد بالعديد من الإنجازات الرئيسية، بما في ذلك إنشاء مكتب في البيت الأبيض يركز على الحد من العنف المسلح.
وحث بايدن على حظر الأسلحة الهجومية والتحقق الشامل من الخلفية عند شراء الأسلحة النارية، وهما الهدفان اللذان أكد عليهما من قبل. وقال بايدن “نحن بحاجة إليكم للتغلب على المعارضة المتواصلة من جانب جماعات الضغط المؤيدة لحقوق الأسلحة”.
اللوبي الإسرائيلي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
وفق الأرقام الرسمية التي نشرها موقع “”Open Secrets” الأمريكي، فإن الحكومة الإسرائيلية والمنظمات غير الحكومية الإسرائيلية أنفقت حوالي 3 ملايين دولار خلال النصف الأول من عام 2024 على جماعات الضغط السياسية في أمريكا.
ومن أبرز اللوبيات الإسرائيلية التي تؤثر في السياسة والرأي العام في أمريكا نجد لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “AIPAC”، التي تأسست عام 1953 خلال عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، بمبادرة من يشعيا كينن العضو السابق في اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة.
تعرف “أيباك” نفسها على موقعها الرسمي: “نحن أكثر من 4.5 ملايين أمريكي مؤيد لإسرائيل من كل منطقة انتخابية، نعمل على تعزيز الدعم الحزبي للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، والمنظمة معروفة على نطاق واسع بأنها إحدى مجموعات الضغط الأكثر تأثيرًا في أمريكا.
صحيفة “Politico” الأمريكية قالت في تقرير نشر شهر يونيو/حزيران 2024، إن أيباك أصبحت قوة هائلة في جمع التبرعات في السنوات الأخيرة، إذ جمعت أموالاً للمرشحين أكثر من أي منظمة مماثلة كجزء من مهمتها لدعم المرشحين الذين يدعمون إسرائيل.
وأكدت تقارير أن الجماعات المؤيدة لإسرائيل تخطط لإنفاق ملايين الدولارات في الانتخابات الرئاسية الأميركية بإشراف من AIPAC، وأشارت إلى أن الجديد هو أن اللوبي اليهودي بدأ يستهدف السياسيين الأقل ولاء لإسرائيل من أجل تغيير مواقفهم.
فقد كانت لجنة “أيباك” تؤيد تقليديًا المرشحين المتعاطفين مع إسرائيل كإشارة للآخرين لتمويل حملاتهم، ولكن في ديسمبر/كانون الأول 2021، انتقلت المجموعة لأول مرة في تاريخها الممتد 70 عامًا إلى الدعم المالي المباشر للحملات السياسية الفردية من خلال إطلاق لجنة عمل سياسية عظمى، وهي مشروع الديمقراطية المتحدة (UDP).
ويُسمح للجنة العمل السياسي العظمى بالإنفاق دون قيود لصالح أو ضد المرشحين، ولكن لا يجوز لها تقديم تبرعات مباشرة لحملاتهم، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة “The Guardian” البريطانية.
وتعمل المنظمة داخل الحزب الديمقراطي لتعزيز السياسات المؤيدة لإسرائيل، وتركز على الحفاظ على الدعم الثنائي لإسرائيل، ومواجهة الجهود لتقييد أو تقليل المساعدات الأمريكية، ومكافحة حركات مثل BDS (المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات).
حسب تقارير أمريكية فإن هذه المنظمة تتمتع بتأثير كبير، لأنها تقوم بالتبرع للحملات الانتخابية، والتأييد، والمناصرة السياسية، وهي ممولة جيدًا ومنظمة للغاية، وتتمتع بتأثير كبير لما تقوم به من خلال الضغط السياسي والمساهمات المالية، وهدفهم ضمان استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل.
لوبي الطاقة أنفق مئات ملايين الدولارات
بداية 2024 أعلن أكبر لوبي للطاقة في أمريكا، معهد البترول الأمريكي (API)، والذي يعتبر أيضًا أكبر مجموعة لصناعة الوقود الأحفوري في البلاد، حملة إعلانات وطنية ضخمة لإقناع الناخبين والسياسيين حول القضايا المتعلقة بسياسة الطاقة قبل انتخابات عام 2024.
وقال الرئيس التنفيذي لمعهد البترول الأمريكي، مايك سومرز، في مقابلة مع فوكس بيزنس:”القلق الحقيقي لدينا هو أن بعض القرارات السياسية التي اتخذتها هذه الإدارة ( بايدن) خلال السنوات القليلة الأولى قد تزرع بذور الأزمة الطاقوية القادمة إذا لم نتخذ القرارات الصحيحة خلال العام المقبل”.
إذ يعتبر لوبي النفط من أهم القوى الاقتصادية للولايات المتحدة، ويسعى للحفاظ على مصالحه في ظل التحولات الكبيرة نحو الطاقات المتجددة، وتمتعت هذه الشركات بدعم قوي من إدارة ترامب خلال فترة رئاسته، لكن هذا الدعم تراجع مع وصول بايدن للرئاسة.
فيما وعد ترامب في لقاء بكبار المسؤولين في مجال النفط في البلاد، خلال أبريل/نيسان 2024، ونشرت تفاصيله صحيفة “Washington Post”، بإلغاء سياسات الرئيس بايدن بشأن السيارات الكهربائية وطاقة الرياح، وطلب منهم في المقابل توجيه مليار دولار لحملته.
حسب الصحيفة الأمريكية فإن أحد المسؤولين التنفيذيين اشتكى خلال الاجتماع مع ترامب من استمرار مواجهتهم للوائح البيئية المُرهقة، على الرغم من إنفاق 400 مليون دولار أمريكي للضغط على إدارة بايدن عام 2023.
فيما دأبت صناعة النفط والغاز تاريخيًا على دعم المشرعين من الولايات الأمريكية المنتجة للوقود الأحفوري الذين يشاركونها وجهات نظرها بشأن أهمية خفض الضرائب واللوائح التنظيمية، وخصصت
مئات ملايين الدولارات
لدعم سياساتها.
وفق موقع “Open Secrets” أنفقت شركات صناعة النفط 128.69 مليون دولار على لوبيات الضغط في عام 2023، وأنفقت شركة “Occidental Petroleum’s Corp” أكبر مبلغ فاق 12 مليون دولار أمريكي.
بينما كانت شركة Koch Industries، وهي شركة ضغط معروفة، رابع أكبر منفق على الضغط في مجال النفط والغاز، حيث أنفقت ما مجموعه 7.78 مليون دولار في عام 2023. ومع ذلك، فإن شركة Koch Industries هي الأكثر إنفاقًا على التبرعات لحملات النفط والغاز.
بحلول فبراير/شباط 2024، أنفقت شركة Koch Industries بالفعل أكثر من 27 مليون دولار في التبرعات السياسية في دورة انتخابات 2024. أما ثاني أكبر شركة منفقة على التبرعات لحملات النفط والغاز، Crownquest Operating، فقد ساهمت بأكثر من 5 ملايين دولار في نفس الفترة.
لوبي الرعاية الصحية والأدوية
خلال فترة رئاسة ترامب، استفادت شركات تصنيع الأدوية الكبرى والتأمين الصحي وخفض الضرائب واللوائح التنظيمية التي ساهمت في زيادة أرباحها، لكن ذلك كلفها بالمقابل أكثر من 500 مليون دولار أنفقتها فقط خلال عام 2018، على اللوبيات من أجل حماية مصالحها.
مع وصول بايدن للسلطة، تزايدت المخاوف من إمكانية فرض قيود جديدة على أسعار الأدوية، مما جعل هذه الشركات تزيد من حجم إنفاقها على الحملات الانتخابية لدعم المرشحين الذين يتبنون سياسات صديقة لها، في ظل مخاوف من استمرار نفس سياسات بايدن مع هاريس.
غرفة التجارة “أكبر اتحاد تجاري في العالم”
تعد غرفة التجارة الأمريكية
أكبر مجموعة ضغط
في البلاد وتدعم عمومًا سياسات يمين الوسط، على الرغم من أنها انحازت بشكل متزايد إلى الديمقراطيين خلال إدارتي ترامب وبايدن. وغالبًا ما يُعتقد خطأً أن الغرفة التجارية هي وكالة حكومية، لكنها في الواقع عبارة عن اتحاد تجاري خاص غير ربحي.
خلال انتخابات 2020، قدمت الغرفة دعمًا غير عادي للديمقراطيين، ويرجع ذلك على الأرجح إلى العداء تجاه الرئيس السابق دونالد ترامب. ودعمت الغرفة محاولات إعادة انتخاب 23 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين الجدد في الولايات المتحدة.
لكن في خطاب حالة الاتحاد الأخير، أعلن الرئيس جو بايدن عن جملة من التشريعات التي سيدافع عنها، وتروم بالأساس إلى زيادة الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات والأثرياء، حيث دعا إلى رفع الحد الأدنى للضريبة إلى
21
%، وهو ما يجعل هذه المؤسسات تميل بشكل كبير إلى الجمهوريين.
في دورة انتخابات 2020، قدمت اللجان السياسية والأفراد المرتبطين بالمنظمة في الغرفة التجارية أكثر من 857 ألف دولارًا في المجموع، حيث ذهب 638 ألف دولار إلى لجان العمل السياسي، ووأكثر من 100 ألف دولار للأحزاب، و119 ألف دولار للمرشحين.
وكان أكبر متلقٍ هو لجنة العمل السياسي Standing with Conservatives، يليه السيناتور الأمريكي ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، والرئيس جو بايدن، ولم تساهم الغرفة التجارية أبدًا مع الرئيس ترامب أو لجان العمل السياسي التابعة له.
تغوّل لوبي شركات التكنولوجيا
بينما كان الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، مالك منصة “إكس” وشركة “سبايس إكس”، صريحًا بإعلان دعمه للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ودعا للتصويت له للعودة مجددًا إلى البيت الأبيض، فإن موقف الرؤساء التنفيذيين لعمالقة التكنولوجيا غير معروف.
حسب موقع “Open Secrets” ارتفعت المساهمات من الأفراد واللجان السياسية المرتبطة بقطاع الاتصالات والإلكترونيات بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، من 17.8 مليون دولار خلال دورة الحملة الانتخابية لعام 1990 إلى أكثر من 197 مليون دولار خلال دورة عام 2012.
وأوضح الموقع الأمريكي بناءً على المعطيات التي يتحصل عليها من وزارة العدل الأمريكية، أن قطاع التكنولوجيا “يميل إلى الحزب الديمقراطي، حيث قدم ما يقرب من 60% من مساهماته للديمقراطيين منذ عام 1990”.
وتعتبر غوغل تحت مظلة “ألفابيت إنك” أكثر الشركات إنفاقًا على أنشطة الضغط بنحو 21.7 مليار دولار سنويًا، وتستخدم نفوذها للتأثير على التشريعات المتعلقة بالخصوصية وحقوق النشر والابتكار وتنظيمات الإنترنت، وفق تقرير لموقع قناة “الجزيرة”.
” class=”wp-image-1242152 js-lazy-me” data-lazy-source=”https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2024/09/-17.jpg”>
وتتمتع شركات التكنولوجيا الكبرى، وأبرزها غوغل وأمازون وآبل وميتا ومايكروسوفت، بقدرة كبيرة على التأثير في السياسة الأمريكية، ليس فقط من خلال الإنفاق لكن أيضًا عبر السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي حيث يدور الجزء الأكبر من النقاش العام في البلاد.
لكن مع وجود أغلبيات حزبية ضئيلة في غرفتي الكونغرس، يكون مصير مشاريع القوانين التي تهدف إلى الحدّ من تغوّل هذه الشركات هو التجميد، بسبب عمق الانقسام بين المجتمع الأمريكي بين الليبراليين والمحافظين.