“طرد المزيد من المهاجرين وتقليص نسبة من تُسوّى وضعيتهم” كان هذا الشعار الذي ردده وزير الداخلية الفرنسي الجديد، برونو روتايو، في أول خروج إعلامي له بعد تعيينه وزيرًا للداخلية، حيث تحدث عن خطته لمواجهة تدفق المهاجرين على فرنسا.
بعد أن وُجّهت انتقادات كثيرة لسلفه، جيرالد دارمانان، الذي جعل من المهاجرين أبرز ملفاته، أسند رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، ميشال بارنييه، وزارة الداخلية لوجه يُعتَبر جديدًا، هو برونو روتايو، الذي يُصنَّف في خانة اليمين المحافظ.
تعيين روتايو وزيرًا للداخلية أثار مخاوف بين أحزاب اليسار والنقابات بسبب مواقفه “المتشددة” من المهاجرين، ما يطرح أكثر من علامات استفهام حول مخطط روتايو للتعامل مع ملف المهاجرين، خاصة المنحدرين من دول المغرب العربي.
وزير الداخلية الفرنسي الجديد “عدو المهاجرين”
كشف رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، ميشال بارنييه، السبت 21 سبتمبر/أيلول 2024، عن أسماء الوزراء الجدد الذين سيعملون معه، من بينهم وزير الداخلية برونو روتايو، المنتمي لحزب الجمهوريين، وأحد أبرز المتشددين فيما يتعلق بملفي الهجرة والأمن.
تعيين روتايو سرعان ما خلف ردود أفعال منتقدة ومخاوف بحكم مواقفه المتشددة بحق المهاجرين والتي تصل إلى حد العنصرية، ففي 2022 صرّح: “للأسف، الهجرة لا تعتبر فرصة لفرنسا”، وفي 2017 قال: “الدفاع عن مجتمع متعدد الثقافات يعني الدفاع عن مجتمع متعدد المشاكل”.
ورغم أن وزير الداخلية الفرنسي الجديد من بين الشخصيات السياسية القليلة المعروفة لدى الجمهور التي وردت في الحكومة الجديدة، إلا أن تعيينه أثار مخاوف شديدة، خصوصًا في صفوف اليسار والنقابات، بسبب مواقفه التي تُعتَبر صارمة وأحيانًا عنصرية فيما يتعلق بالهجرة والأمن.
كما اشتهر وزير الداخلية الفرنسي من خلال دعوته الشهيرة لإحداث مراجعة جذرية لاتفاق مشترك موقع بين فرنسا والجزائر يعود إلى سنة 1968 ينظم مسائل الهجرة والعمل والدراسة ولمّ الشمل العائلي بالنسبة للجزائريين في فرنسا.
ولم يُخفِ روتايو، عندما كان رئيسًا لكتلة “الجمهوريين” في مجلس الشيوخ، معارضته للإبقاء على الاتفاق الفرنسي الجزائري الذي يعود إلى عام 1968، على أساس أنه يعوق إجراءات الحكومة الرامية للحد من موجات الهجرة إلى فرنسا.
وقدّم في شهر يونيو/حزيران 2023 اقتراحًا في مجلس الشيوخ، بصفته رئيس مجموعة الجمهوريين، يدعو إلى إلغاء الاتفاق. وكتب في مبررات الاقتراح أن “سلوك الجزائر اليوم يُشكّل عقبة أمام ضرورة وقف الهجرة الجماعية نحو فرنسا، فلا يوجد سبب يدفعنا للبقاء سلبيين تجاه دولة قليلة التعاون”.
كما أضاف وزير الداخلية الفرنسي الجديد أن فرضية إعادة التفاوض الشكلي للاتفاق “لا تبدو ممكنة اليوم، نظرًا لسوء النية المعلن والمتكرر من السلطات الجزائرية. نحن نوصي بالفعل بالرفض الأحادي لهذا الاتفاق من قبل السلطات الفرنسية”، على حد تعبيره.
وفي يوليو/تموز 2023، ربط روتايو بين أعمال الشغب التي أعقبت وفاة الشاب نائل والهجرة، وتحدث عن “فرنسيين من ورق”، وهي عبارة تعود جذورها إلى التيارات اليمينية المتطرفة في فترة ما بين الحربين، وكانت هذه العبارة تُستخدم آنذاك لوصف اليهود الذين تم تجنيسهم حديثًا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، شارك وزير الداخلية الفرنسي الجديد في صياغة النسخة المشددة من قانون الهجرة، الذي تم رفض العديد من مقترحاته من قبل المجلس الدستوري، لكنه لم يُخفِ نيته في تنفيذ أفكاره بصفته وزيرًا للداخلية.
وحسب وكالة رويترز، إن دعوات وزير الداخلية الفرنسي الجديد لاتخاذ إجراءات أشد صرامة فيما يتعلق باللجوء والعنف ضد الشرطة وعقوبات السجن والمتشددين الإسلاميين والاتجار بالمخدرات، “تُظهر تأثير حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان على الحكومة الجديدة”.
طرد أكثر للمهاجرين وتسوية وضعية أقل
مخاوف اليساريين والنقابات وحتى المهاجرين، سرعان ما ستتأكد بعد أول ظهور إعلامي لوزير الداخلية الفرنسي الجديد، إذ حلّ ضيفًا الإثنين 23 سبتمبر/أيلول 2024، على قناة “TF1” الفرنسية الرسمية حيث عرض خطته لمواجهة أزمة تدفق المهاجرين والأمن.
وزير الداخلية قال للإعلام الفرنسي إنه يريد “اتخاذ كل الوسائل من أجل تقليص الهجرة إلى فرنسا”، وأضاف: “مثل الملايين من الفرنسيين، أعتقد أن الهجرة الجماعية ليست فرصة لفرنسا ولا حتى فرصة لهؤلاء المهاجرين الذين يتم إرسالهم أحيانًا ليموتوا في عرض البحر”.
وزير الداخلية الفرنسي الذي خلف جيرالد دارمانان، أعرب عن نيته “طرد المزيد من المهاجرين وتسوية وضعية عدد أقل” فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، وأعرب عن رغبته “في استخدام سلطته التنظيمية للذهاب إلى أقصى ما يمكننا القيام به”.
روتايو أوضح أنه سيجتمع بعشرة محافظين من المناطق الفرنسية “التي تشهد أكبر قدر من الفوضى المرتبطة بالهجرة لأطلب منهم طرد المزيد وتنظيم أقل”، مؤكدًا أن “هناك إجراءات تشريعية يجب اتخاذها” فيما يتعلق بالهجرة.
وخلال حفل تسلم المهام من سلفه جيرالد دارمانان، وعد وزير الداخلية الفرنسي الجديد، اليميني المتشدد، بإعادة النظام وعدم “ترك أي شيء يمر”، على حد تعبيره.
كما قال إنه يريد “اتفاقيات مع دول المغرب العربي حتى يكون من الممكن استعادة مواطنيها المهاجرين، وإصلاح المساعدات الطبية الحكومية، لتجنب أن تكون “فرنسا الدولة الأكثر جاذبية في أوروبا لعدد معين من المهاجرين، للاستفادة من المزايا الاجتماعية”.
إذ دعا روتايو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقف أكثر صرامة مع المهاجرين، يتضمن تغييرات دستورية تسمح بخفض إعانات الرعاية الاجتماعية.
فيما لا تبدو مواقف وزير الداخلية الفرنسي الجديد مفاجئة، خاصة وأن برونو روتايو كان من الداعمين لتحالف “الجمهوريين” مع اليمين المتطرف في مشهد سياسي متزايد الاستقطاب، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الساخنة مثل الهجرة.
وقال عضو مجلس الشعب الجزائري، عبد الوهاب يعقوبي، إنه من المتوقع أن يواجه المهاجرون في فرنسا، وخاصة المهاجرين غير الشرعيين، تضييقًا أكبر مع توجهات الحكومة تحت قيادة وزير الداخلية برونو روتايو.
وأوضح يعقوبي في حوار لصحيفة “الخبر” الجزائرية أن وزير الداخلية الفرنسي الجديد “معروف بانتمائه إلى اليمين المحافظ، ويدعو إلى سياسة صارمة تجاه الهجرة، ويؤيد تشديد الرقابة وفرض المزيد من الضغوط على الدول التي لا تتعاون لاستعادة مواطنيها، مثل الجزائر”.
إعادة “جريمة الإقامة غير القانونية”
خلال أولى تصريحاته، أعرب برونو روتايو، وزير الداخلية الجديد، عن رغبته في إعادة العمل بـ”جريمة الإقامة غير النظامية”، والتي تم إيقافها في ديسمبر/كانون الأول 2012، من خلال “تعميم فالس” نسبة إلى وزير الداخلية الأسبق الذي أصدره مانويل فالس.
الرئيس السابق لمجموعة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، أكد خلال استضافته في قناة “CNEWS” الثلاثاء 24 سبتمبر/أيلول 2024، على رغبته في التراجع عن “تعميم فالس”، وقال روتايو: “الفرنسيون يريدون المزيد من الأمان وقلة الهجرة”.
ووفقًا لمرسوم تعميم “فالس” لعام 2012، يمكن للأجنبي الذي يعمل في وضع غير نظامي لدى شركة في فرنسا أن يقدم طلبًا للحصول على قبول استثنائي للإقامة في المحافظة التي يوجد بها.
ولتحقيق ذلك، يجب أن يتم إصدار وثيقة “سيرفا” (Cerfa) معبأة وموقعة من قبل صاحب العمل لإثبات نشاطه المهني، ثم يبقى القرار بيد المحافظ الذي سيختار بين تسوية وضع الأجنبي أو رفضه.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، خلال دراسة مشروع قانون الهجرة، أصر وزير الداخلية الفرنسي الجديد، الذي كان حينها عضوًا في مجلس الشيوخ، بشدة على ضرورة تعزيز شروط الحصول على تصريح إقامة.
وطالب روتايو بإلزام المحافظين بالتحقق من “طبيعة الأنشطة المهنية للأجنبي”، وكذلك “اندماجه الاجتماعي والأسري”، واحترامه “للنظام العام واندماجه في المجتمع الفرنسي، والتزامه بنمط الحياة وقيم المجتمع الوطني، وعدم وجود أي إدانة جنائية”.
فيما وعد وزير الداخلية الفرنسي الجديد بالكشف عن تفاصيل أكثر، وقال: “ستتاح لي فرصة في الأسابيع المقبلة لتقديم مقترحات جديدة”، وتابع قائلا “يتمتع وزير الداخلية بسلطات تنظيمية كبيرة. وسأنتفع بها لأقصى حد”.