يوم الأربعاء، 25 سبتمبر/ أيلول، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تصريحاته إلى أن “توضيحات” تم اقتراحها بشأن العقيدة الروسية لاستخدام الأسلحة النووية، وهو أمر كان قد توعد به مرارًا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما حذر بوتين من أن روسيا قد تنظر في “الإمكان” لاستخدام الأسلحة النووية ردًا على “إطلاق كثيف” للطائرات أو الصواريخ أو الطائرات المسيرة على أراضيها.
هل هو تهديد مكرر؟
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع مع مستشاريه نقل التلفزيون الروسي وقائعه الأربعاء “تم اقتراح اعتبار شن دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية، عدوانا على روسيا، بمثابة هجوم مشترك على الاتحاد الروسي”.
في إشارة كما يبدو إلى أوكرانيا وحلفائها الغربيين الذين يزودونها بالأسلحة ويمولونها.
إذ يأتي هذا التصريح في ظل مساعي لأوكرانيا، للحصول على إذن باستخدام صواريخ طويلة المدى ضد روسيا.
فقد سبق و حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس، 12 سبتمبر/أيلول، من أن سماح الغرب لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي سيغير “طبيعة ونطاق” الصراع.
وأكد بوتين أن هذا التصعيد يعني تورط الغرب في “قتال مباشر” مع روسيا، ما يزيد من احتمالات المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف الناتو.
فعلى مدى الشهور الماضية، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارًا من حلفائه الغربيين السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ متطورة مثل أنظمة “أتاكمز” الأمريكية وصواريخ “ستورم شادوز” البريطانية لضرب أهداف داخل روسيا، وذلك بهدف تقليص قدرة موسكو على شن هجمات.
وفي واحدة من أشد تعليقاته حدة في هذا الشأن حتى الآن، قال بوتين إن مثل هذه الخطوة ستجر البلدان التي تمد كييف بصواريخ بعيدة المدى مباشرة إلى الحرب، خاصة وأن بيانات تحديد الأهداف عبر الأقمار الصناعية والبرمجة الفعلية لمسارات تحليق الصواريخ لابد أن يقوم بها عسكريون من حلف شمال الأطلسي في ضوء افتقار كييف للقدرات اللازمة لتنفيذ ذلك بمفردها.
وأفادت صحيفة كوميرسانت حينها : “في السابق، قال المسؤولون الروس، بما في ذلك فلاديمير بوتن نفسه، مرارًا وتكرارًا أن دول حلف شمال الأطلسي متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، لكن هذه هي المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا الموضوع بهذا القدر من الوضوح والحزم، حيث شددت على أن بوتين أرسل رسالة قاسية لا لبس فيها حول خطورة الأمر.”
ما هي العقيدة النووية الروسية؟ وماذا يعني تعديلها؟
منذ بدء النزاع في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، كان بوتين غامضا بشأن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية.
في بداية الشهر الجاري، يوم الأحد 1 سبتمبر / أيلول، نقلت وكالة تاس للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف القول، بإن روسيا ستدخل تعديلات على عقيدتها النووية ردا على تصرفات الغرب بشأن الصراع في أوكرانيا.
فخلال الشهر الماضي، باغتت أوكرانيا موسكو باختراق حدودها الغربية في توغل لآلاف القوات التي لا تزال روسيا تكافح لصدها.
ولم يوضح ريابكوف ما الذي سيترتب على هذه التغييرات.
ورغم إعلان روسيا أكثر من مرة أنها تعتبر الأسلحة النووية وسيلة ردع ودفاع فقط، إلا أن بنود عقيدتها النووية -وفي أحدث تعديل عليها جرى 2020 وفقا لمرسوم أصدره الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تضمنت عدة أمثلة- ستدفعها لاستخدام ترسانتها من الأسلحة غير التقليدية في وجه أي خطر يتهدد سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وحماية مصالحها ومصالح حلفائها أيضاً.
ويوضح الخبير الاستراتيجي الروسي، أندريه مورتازين، أن العقيدة النووية الروسية تنص على استخدام السلاح النووي في حالتين.
والحالة الأولى هي تعرض روسيا لـ”هجوم نووي”، ما يستدعي “الرد الجوابي”، والحالة الثانية تعرض كيان الدولة الروسية لـ”خطر وجودي”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ولا يوجد “تفسير محدد” لمعنى تعرض الدولة لـ”خطر وجودي”، ولا يتم تحديد ماهية تلك التهديدات الوجودية، حسبما يضيف الخبير الاستراتيجي الروسي.
وقد أشار العديد من المحللين، أن هناك عدة سيناريوهات التي في حال حدوثها فإن الرئيس الروسي لن يتردد بالضغط على الزر النووي:
السيناريو الأول: إذا حصلت روسيا على معلومات موثوقة تؤكد عزم أي جهة على إطلاق صواريخ باليستية تجاه أراضيها أو أراضي حلفائها.
السيناريو الثاني: في حالة تعرض روسيا أو أي من حلفائها لهجوم بأسلحة الدمار الشامل، سواء كانت نووية، كيميائية، أو بيولوجية، فإن ردة فعل روسيا قد تتضمن اللجوء إلى ترسانتها النووية.
السيناريو الثالث: روسيا قد تلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية حتى في مواجهة هجمات تقليدية، إذا كان هذا الاستهداف يُهدد الوجود الفعلي للدولة، مثلما قد يحدث في حالات الغزو الكبير أو الهجمات الواسعة النطاق.
السيناريو الرابع: الهجمات التي تستهدف مواقع حكومية أو عسكرية حساسة، والتي قد تُعتبر عمليات تهديد مباشر للأمن القومي الروسي، قد تُعطي روسيا الضوء الأخضر لاستخدام السلاح النووي للرد.
في فبراير/شباط الماضي، أبرزت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية تفاصيل مهمة عندما كشفت عن وثائق روسية مسربة تحدد المعايير المتعلقة باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في المراحل الأولى من أي نزاع محتمل مع قوة كبرى، بما في ذلك الصين، التي تُعتبر حليفًا مقربًا لموسكو.
وأوضحت تلك الوثائق المسربة، التي تشمل 29 ملفًا عسكريًا روسيًا سريًا تم إعدادها بين عامي 2008 و2014، بالتفصيل مبادئ التشغيل لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
وجدير بالذكر، أن الرؤوس الحربية التكتيكية الحديثة، تفوق بكثير في قوتها القنابل التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي خلال الحرب العالمية الثانية.
ورغم أن الوثائق المسربة التي تتناول استخدام هذه الأسلحة تعود إلى عشر سنوات أو أكثر، يؤكد الخبراء على أن هذه المعلومات “لا تزال ذات صلة بالعقيدة العسكرية الروسية الحالية”.
فقد نشرت روسيا أسلحة نووية تكتيكية خلال صيف 2023 في بيلاروسيا، أقرب حليف لها، والتي أعلنت أيضا في أيار/مايو الماضي عن تدريب متزامن مع موسكو للتحقق من قاذفات أسلحتها النووية التكتيكية.
و تتهم موسكو الغرب باستغلال أوكرانيا لشن حرب عليها بالوكالة بهدف إنزال “هزيمة استراتيجية” بروسيا وتفكيكها.
ما موقف الغرب من هذه التهديدات وهل سيسمح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ؟
أشارت بريطانيا بالفعل إلى رغبتها في السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ “ستورم شادو” بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية روسية بعيدة عن الحدود الأوكرانية، لكنها تسعى للحصول على إذن صريح من الرئيس الأميركي جو بايدن.
والهدف هو تنسيق استراتيجية موحدة مع الولايات المتحدة وفرنسا، التي تصنع صواريخ مماثلة. بينما لم يتخذ بايدن قرارًا نهائيًا بعد.
أما بالنسبة لموافقه الرئيس الأمريكي جو بايدن، فوفقًا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال هذا الشهر، أن الولايات المتحدة تدرس رفع القيود على تسليح أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، وقال: “نحن نعمل على ذلك الآن”.
تتزايد النقاشات داخل الإدارة الأميركية بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى لاستهداف عمق روسيا، وهي قضية قيد المناقشة منذ فترة طويلة ولكنها بلغت ذروتها منتصف الشهر الجاري، خاصة مع أول زيارة رسمية لرئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، إلى البيت الأبيض، والتي لم تفضِ إلى أي قرار بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب أهداف داخل روسيا.