بعلبك مدينة تقع شمال سهل البقاع وشرق نهر الليطاني في لبنان، هي إحدى أبرز المواقع التاريخية. تحيط بها جبال لبنان، وتبعد 85 كلم عن العاصمة اللبنانية بيروت، وكانت قديما نقطة التقاء للقوافل التجارية.
موقع مدينة بعلبك
تقع مدينة بعلبك شمال سهل البقاع وشرق نهر الليطاني، تحيط بها سلسلة جبال لبنان الغربية والشرقية. وقد أسهم ذلك في حمايتها من الغزاة والنهب والسلب.
توجد على بعد 85 كلم من شرق مدينة بيروت، وعلى بعد 45 كلم من مدينة زحلة، وتبعد 56 كلم من العاصمة السورية دمشق.
عُرفت قديما بأنها نقطة التقاء القوافل القادمة من روما والأناضول وسوريا نحو فلسطين وساحل البحر الأبيض المتوسط.
كانت فيها محطة قطار تصلها بأوروبا مرورا بحمص وحلب، كما وصلتها بالشام وبغداد وصولا إلى الحجاز.
تسمية مدينة بعلبك
اختلف المؤرخون على أصل تسمية مدينة بعلبك، فقيل إن أصل الاسم يعود إلى كلمتي "بعل" و"بك"، وبعل هو أحد آلهة السوريانيين والكنعانيين، أما كلمة "بك" فتعني مدينة أي أنها "مدينة بعل"، وقد ذكر أنيس فريحة في كتابه "أسماء المدن والقرى اللبنانية" أن أصل تسمية المدينة يعود إلى كلمة "بعل" وتعني مالك أو سيد أو رب، وكلمة "بق" وتعني البقاع، وبهذا قد يكون معنى "بعلبك" أيضا "إله وادي البقاع".
وقد ذُكر "الإله" بعل في القرآن الكريم، في قصة النبي إلياس عليه السلام حين قال لقومه: "أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ".
وخلال الغزو الروماني للمدينة عام 332 ق.م أطلق عليها الرومان اسم "هليوبوليس" أي "مدينة الشمس"، وسموها كذلك "إهراءات روما" (إهراءات تعني مخازن الحبوب) لوفرة محاصيلها الزراعية.
التاريخ
تشير بعض الروايات إلى أن أول من أنشأ مدينة بعلبك هو قابيل، وتعدّ أول مدينة في العالم وقد أسماها قابيل على اسم ابنه "أخنوع"، وذهبت بعد المعتقدات إلى أنها المدينة الوحيدة التي نجت من الطوفان على عهد نبي الله نوح عليه السلام، وقيل إنها شيدت قبله.
ويعتقد كذلك أن "جبل سعيد" في المدينة هو الجبل الذي كان النبي إبراهيم عليه السلام سيذبح فيه ابنه إسماعيل، وهناك اعتقادات تقول إن بعض الآثار في المدينة تعود إلى قصر النبي سليمان عليه السلام، وكذلك دير النبي إلياس عليه السلام.
وأشار بعض المؤرخين إلى أن النقوش المحفورة على جدران المعابد القديمة في بعلبك تشير إلى وجود حياة في المدينة قبل أكثر من 10 آلاف عام، فيما يشير مؤرخون آخرون إلى أن المدينة تعود إلى أكثر من خمسة قرون قبل الميلاد، وقد ذكر بعضهم أن المدينة بنيت على يد الفينيقيين عام 2000 ق.م، وإليهم يعود بناء أول هيكل لعبادة إله الشمس "بعل".
احتل الإغريق مدينة بعلبك عام 331 قبل الميلاد. وبعد وفاة الإسكندر الأكبر سقطت المنطقة في أيدي البطالمة، وغيروا اسم المدينة إلى "هيليوبوليس" أو "مدينة الشمس".
في عام 200 ق.م، غزا السلوقيون بعلبك وظلت تحت سيطرتهم حتى استولى عليها الرومان عام 64 ق.م. وفي عهد الإمبراطورية الرومانية، وصلت المدينة إلى ذروة عظمتها، واستمرت كذلك حتى انقسام الإمبراطورية في عهد ثيودوسيوس الكبير أواخر القرن الرابع الميلادي، حين أصبحت بعلبك جزءا من الإمبراطورية البيزنطية، وغدت المسيحية الدين الرسمي فيها، وأغلق الإمبراطور البيزنطي قسطنطين المعابد الرومانية في المدينة.
فتح المسلمون بعلبك عام 23هـ/634م، وتوالت عليها الخلافة فانتقلت من الأمويين إلى العباسيين، ثم الطولونيين فالفاطميين فالأيوبيين، حتى تعرضت للنهب على يد المغول. واستعادها المماليك منهم عام 659هـ/1260م.
بعد الحرب العالمية الأولى، ضمت سلطات الانتداب الفرنسي بعلبك إلى لبنان، بعدما كانت تتبع حكم سوريا.
شهدت المدينة فترة الانتداب عدة مشاريع تطويرية في البنية التحتية، إضافة لاهتمام خاص بآثارها التاريخية التي تعكس غنى تراثها الحضاري.
بعد استقلال لبنان عام 1943، شهدت بعلبك فترة من الاستقرار، فأصبحت مركزا للزراعة والتجارة وازدهرت ثقافيا واقتصاديا، وشهدت نشاطا سياحيا بسبب آثارها الرومانية.
تأثرت بعلبك بشكل كبير بالحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) فقد كانت مركزا للنزاعات المسلحة، وبعد انتهاء الحرب والإعمار عادت وجهة سياحية وثقافية، وباتت تستضيف مهرجانات ثقافية وفنية.
أبرز المعالم
- الجامع الأموي الكبير
أحد أقدم وأكبر مساجد بعلبك، يقع قرب قلعة بعلبك على بعد 67 كيلومترا شمال شرق بيروت، بناه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أواخر القرن الأول الهجري، حوالي عام 96 هـ، يجمع تصميمه بين العمارتين البيزنطية والإسلامية، ويتشابه إلى حد كبير مع المسجد الأموي في دمشق وسميّه في حلب.
يحتوي المسجد أيضا مدخل النورية، الذي سمي نسبة إلى نور الدين زنكي، ويقال إنه درس فيه صلاح الدين الأيوبي.
تعلو في ساحة المسجد مئذنة مربعة التصميم تشبه في شكلها برجا حربيا، شيدت باستخدام حجارة كبيرة تتناغم مع باقي البناء، وتمتد ساحة واسعة خارج المسجد تتميز بأروقتها المحاطة بأعمدة، وتضم نافورة مياه صغيرة.
تعرض المسجد للدمار عام 1318 نتيجة سيل ضرب المدينة، وأعيد ترميمه في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 837 هـ 1383م.
دُمر مرة أخرى بزلزال كبير ضرب بعلبك، وتعرّض للإهمال على مرّ السنين حتى سمي "الجامع الخربان"، وفي 1996 بدأ فريق مركز إحياء تراث العمارة الإسلامية ترميمه وانتهى عام 1998.
- قلعة بعلبك
هي إحدى الآثار الرومانية وأقدمها، يعود تاريخها إلى أكثر من 5 آلاف سنة. وتقع فوق مرتفعات سهل البقاع وترتفع عن الأرض 1130م وتبعد عن بيروت 80 كيلومترا إلى الشمال الشرقي.
وبنيت القلعة على يد الفينيقيين أوائل عام 2000 قبل الميلاد، وبنوا فيها أول هيكل لعبادة "إله" الشمس "بعل"، وفي داخلها المجمع الأثري الذي يضم المعابد الرومانية وآثارا لبعض الحضارات الإسلامية القديمة.
- معبد باخوس
أحد المعابد القديمة التي تنتمي للعصر الروماني، يقع داخل المجمع الأثري في بعلبك. يعود تاريخ بنائه للقرن الثاني الميلادي يتميز بنقوشه الحجرية المتقنة وأعمدته الضخمة والخبرة المعمارية العميقة للرومان.
يبلغ طوله 66 مترا وعرضه 35 مترا وارتفاعه نحو 31 مترا، يتميز بتصميمه الكورنثي، يحتوي على 42 عمودا مزخرفا، ارتفاع كل منها 20 مترا، يعد هذا التصميم جزءا من الطراز المعماري الروماني.
- معبد جوبيتر
بُني المعبد في القرن الأول الميلادي، وهو أحد أكبر المعالم الرومانية، كان يحتوي على 54 عمودا من الطراز الكورنثي طول الواحد منها 22 مترا، لكن لم يتبق منها سوى 6 أعمدة.
بني المعبد من الحجر الجيري المحلي، وتتميز جدرانه بالزخارف والنقوش التي تمثل مشاهد من الأساطير الرومانية.
- معبد فينوس المستدير
بُني في القرن الأول الميلادي، يتميز عن المعابد الأخرى بتصميمه الدائري. يحتوي على سلسلة من الأعمدة الغرانيتية المنحوتة بحرفية، وهو أحد المعابد الأصغر حجما في مجمع بعلبك الأثري.
- البهو المسدس
فناء مكشوف للشمس يقع داخل القلعة، تحيط به ستة أروقة يدعمها ثلاثون عمودا من الغرانيت. يبلغ طول البهو الكبير 134 مترا وعرضه 112 مترا.
مهرجان بعلبك الدولي
ظهرت فكرة المهرجانات في مدينة بعلبك أثناء فترة الانتداب الفرنسي، وكانت على نحو غير رسمي، وبعد استقلال لبنان ظهر أول مهرجان في المدينة في منتصف خمسينيات القرن العشرين، ثم توالت المهرجانات الدولية فيها لتشكل جزءا مهما من ذاكرتها الفنية والحضارية.
مهرجان بعلبك الدولي يُقام عادة بين أواخر يوليو/تموز وأوائل أغسطس/آب، وهو أحد أقدم المهرجانات في الشرق الأوسط، ويقدم مجموعة متنوعة من العروض بما فيها الموسيقى الكلاسيكية والرقص الفلكلوري والمسرح والأوبرا.