الجمعة - 11 يوليو / تموز 2025

غـــــــــــزة

يــــــــــوم

لايف ستايل

لماذا نستمتع بمشاهدة برامج الجرائم الواقعية؟

تابع آخر الأخبار على واتساب

ما بين البودكاست والمسلسلات التلفزيونية وسلاسل الأفلام والبرامج الواقعية، اكتسبت أعمال الجريمة الواقعية شعبية متزايدة خلال العقود الأخيرة، وبحسب خبراء علم النفس والصحة العقلية، فإن استهلاك هذا النوع من المحتوى بصورة مستمرة قد يُعد من المؤشرات المقلقة التي تنذر بأنك تعاني من مشكلات نفسية عميقة.

لماذا نحب أعمال الجريمة الواقعية؟

تُعد أعمال الجرائم الواقعية من أكثر الأعمال مشاهدة واستهلاكا حول العالم، وقد يكون هوسنا بهذا المحتوى مرتبطا بعدة عوامل، منها مثلا أنها تُثير حاجتنا الفطرية لفهم العالم، خاصة فيما يتعلق بفهم التهديدات المحتملة في بيئاتنا.



كما أنها تمنحنا الفرصة لمعالجة مخاوفنا في بيئة آمنة. وفي النهاية، نحن نريد أن نرى الأشرار يُقدَّمون للعدالة، لذا نهتم بالنتيجة ومشاهدة هذا النوع من الأعمال دون مقاطعة.

وتشير الطبيبة النفسية الأميركية جين كيم إلى أن الناس قد يتابعون محتوى الجرائم الواقعية لأنه يُذكرهم بحظوظهم الجيدة وحياتهم الآمنة مقارنة بالضحايا، الأمر الذي يساعدهم على الشعور بالوعي الكافي لتجنب مواقف الجرائم المماثلة، ويُذكرهم بأخلاقهم وقِيَمهم الذاتية، ويجعلهم يشعرون بالتعاطف مع الضحايا، بل ويجعلهم يستمتعون بالفضول والرغبة في حل اللغز.

وبحسب الإحصائيات، فإن النساء يملن إلى الاهتمام بمحتوى الجرائم الحقيقية أكثر من الرجال. وتُظهر الأبحاث أن الجرائم التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام هي تلك التي تتضمن قاتلا ذكرا لضحايا إناث، وأن النساء ينجذبن أكثر إلى الحالات التي تكون فيها الضحية مشابهة لهن.

الاستنتاج في علم النفس للهوس بمتابعة قصة جريمة حقيقية قد يكون وسيلة للنساء للشعور بالخوف والقلق المرتبط بهذا التهديد ولكن في بيئة آمنة. فهن عندما يقرأن أو يشاهدن هذه القصص، يشعرن بتدفق الأدرينالين ويتخيلن أنهن في الموقف ذاته.

وعندما تختبر النساء هذا التفاعل الفسيولوجي وهن على يقين أنهن بأمان، تُتاح لهن فرصة معالجة تلك المخاوف العميقة لا شعوريا، ما يعزز من إحساسهن بالسيطرة.

تأثيرات طويلة المدى على رؤيتنا للعالم

من ناحية أخرى، تقول الدكتورة تشيفونا تشايلدز، الأخصائية النفسية الأميركية، إن نظرتنا للعالم يمكن أن تتغير بسهولة إذا كنا نتابع باستمرار قصص جرائم القتل المروعة.

ويرجع ذلك إلى أن الإفراط في مشاهدة هذا المحتوى العنيف قد يؤدي إلى الشعور بالحذر المفرط تجاه الآخرين – وحتى الأشخاص الذين نعرفهم ونثق بهم منذ زمن طويل، ونبدأ في تغيير سلوكياتنا ومفاهيمنا وقناعاتنا عن العالم من حولنا.

ومن خلال تتبع هذه القصص ومشاهدتها باستمرار، يمنحنا هذا التعرُّض المتواصل شعورًا مبالغًا فيه بمدى شيوع الجرائم العنيفة، واحتمالية الوقوع ضحية لها. وبالتالي، قد يصبح خوفنا غير متناسب مع المخاطر التي نتعرض لها.

ويخلص خبراء الصحة النفسية والعقلية إلى أن التعرض المفرط لهذه القصص يمكن أن يسبب التوتر والقلق والكوابيس والارتياب، إذ يتلقى متخصصو حل الجرائم والمحققون تدريبات دورية في الصحة النفسية لتجنب هذه المشكلات، ومع ذلك يواجهونها في كثير من الأحيان بالرغم من خبراتهم.

وتدريجيا، من الممكن لمشاعر القلق المتزايدة تلك أن تؤدي إلى العزلة والاكتئاب، وهو أمر مضر بصحتنا النفسية بشكل عام وقد يؤثر بصورة طويلة المدى على جودة الحياة.

لماذا نستمتع بمشاهدة برامج الجرائم الواقعية؟

مدخل للمعاناة من القلق والاكتئاب

في دراسة بعنوان "العلاقة بين الخوف من الجريمة والصحة النفسية والأداء البدني"، وجد باحثون في المعهد الدولي للمجتمع والصحة بقسم علم الأوبئة والصحة العامة في كلية لندن الجامعية أن الخوف من الجريمة يرتبط بتدهور الصحة النفسية، وتراجع الأداء البدني، وتراجع جودة الحياة بشكل عام، وهو ما يمكن ربطه بشكل مباشر بالمتابعة الكثيفة لأعمال تجسيد الجرائم الواقعية.

كما وجدت الدراسة أن الخوف من الجريمة قد يؤدي إلى تغيرات عاطفية وسلوكية، مثل تجنب الأنشطة الاجتماعية والأماكن الخارجية، وانعدام الثقة بالآخرين، والقلق، وجنون الارتياب وغيرها، وصولاً للاكتئاب الحاد.

معايشة التجارب الصادمة

لا تتوقف المؤشرات المقلقة لميل الكثيرين لاستهلاك أعمال الجرائم الواقعية عند هذا الحد، بل يمكنها أن تكون مؤشرا على صدمات نفسية وعقلية عميقة متجذرة في الماضي ولم يتم علاجها بعد.

وحول ذلك، تقول الدكتورة إليزابيث جيجليتش، أستاذة في كلية جون جاي للعدالة الجنائية، عن سبب انجذاب الناجين من الصدمات النفسية إلى قصص الجرائم الحقيقية إلى الرغبة في فهم أنفسهم وشفائها.

وأضافت "قد يستمتع الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الصدمات النفسية" بالجرائم الحقيقية حتى يتمكنوا من "إعادة تجربة تلك المواقف المؤلمة في بيئة آمنة حيث تكون لديهم سيطرة أكبر وقدرة في الحصول على العدالة والنهاية المرجوّة".

وبالرغم من كون هذه المحاولات بمثابة خطوات بسيطة للتعافي، فإن متابعة الجرائم الواقعية لا يكفي لكي يتم المضي قدما بالحياة بشكل فعال، خاصة إذا كانت التجارب السابقة قاسية ومؤلمة وتتضمن الكثير من العنف أو المعاناة، إذ قد تسبب استحضارا قاسيا للذكريات والخبرات المؤلمة، وتدفع الأشخاص لمزيد من المعاناة.

وختاما، ينصح خبراء الصحة النفسية والعقلية بالاعتدال في كل شيء، والانتباه للمؤشرات التي تدل على أنك بحاجة للاستراحة والانقطاع عن متابعة أعمال العنف والجرائم، مثل المعاناة من الخوف والقلق المتزايد، أو عدم الإحساس بالأمان وتخيل سيناريوهات التعرض لحوادث مماثلة، حينها قد يكون من الأنسب اختيار أحد الأعمال الكوميدية في أمسيتك الترفيهية المقبلة.