الجمعة - 11 يوليو / تموز 2025

غـــــــــــزة

يــــــــــوم

سوشال ومشاهير

الفنان يحيى الفخراني يعود لـ “الملك لير” في عامه الثمانين

تابع آخر الأخبار على واتساب

للمرة الثالثة، تعود مسرحية "الملك لير" إلى خشبة المسرح في القاهرة، ببطولة الفنان الكبير يحيى الفخراني، في تجربة غير مسبوقة في تاريخ المسرح المصري، حيث تُعرض المسرحية للمرة الثالثة على التوالي بالبطل نفسه، ولكن بإخراج مختلف في كل مرة. فقد تعاقب على إخراج المسرحية ثلاثة مخرجين، هم: الدكتور أحمد عبدالحليم على المسرح القومي، ثم تامر كرم على خشبة المسرح الخاص، وأخيرًا شادي سرور في العودة الحالية على المسرح القومي.

انطلقت العروض الجديدة من "الملك لير"، رائعة الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير، مساء الثلاثاء الماضي، بمشاركة نخبة من نجوم المسرح، من بينهم طارق دسوقي، حسن يوسف، أحمد عثمان، تامر الكاشف، أمل عبد الله، إيمان رجائي، ريم عبدالحليم، طارق شرف، محمد العزايزي، عادل خلف، ومحمد حسن. المسرحية من ترجمة فاطمة موسى، وإخراج شادي سرور، وتُعرض أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع.

عبّر المخرج شادي سرور عن انبهاره بتجربة العمل مع يحيى الفخراني، قائلا: "أظن أنه حدث استثنائي في تاريخ المسرح العربي والعالمي، أن يقف فنان تجاوز الثمانين عامًا على الخشبة بحيوية ممثل شاب، فما إن يبدأ التنفيذ حتى يتحوّل إلى شخصية أخرى تمامًا. نقف جميعًا، أنا والفريق، مدهوشين من اندماجه وروعة أدائه".

وأضاف سرور: "في مشاهد الحزن، يتحوّل إلى شيخ منكسر لا يقوى على حمل ألمه، وفي لحظات الفرح يغدو شابا يملأ الخشبة حيوية وصخبا وجمالا. هذا هو يحيى الفخراني في (الملك لير).

الفنان يحيى الفخراني يعود لـ "الملك لير" في عامه الثمانين

العائلة والعرش

تدور أحداث مسرحية "الملك لير" حول ملك مسنّ يقرر، بعد تقدمه في العمر، أن يُقسّم ملكه بين بناته الثلاث، بناءً على مدى تعبير كل واحدة منهن عن حبها له. لكن ابنته الصغرى، كورديليا، ترفض أن تجامل أو تنافق، وتصرّ على أن حبها له لا يحتاج إلى كلمات منمّقة، بل هو ببساطة حب ابنة لأبيها. يُغضب هذا الرد الأب الملك، فيقصيها ويحرمها من نصيبها.

في المقابل، تُبالغ الشقيقتان الكبريان، غونريل وريغان، في التصريح بحبهما لأبيهما، مستغلّتين حاجته الدائمة إلى المديح والإعجاب، ما يجعله يمنحهما الملك. وبعد أن تضعا يديهما على السلطة، تنقلبان عليه، وتتآمران مع زوجيهما لطرده، فلا يجد ملاذًا إلا عند ابنته الصغرى كورديليا، التي أحبته بصدق ورفضت التزييف.

لكن المصير لا يكون رحيمًا، إذ تُدان كورديليا وتحكم عليها السلطات بالموت، فيما يُنتزع بوحشية بصر الوزير غلوستر، ويُقهر الملك لير الذي ينتهي به الحال مكسورًا، حزينًا، يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط المأساة. ولا ينجو أحد، فحتى بناته ينلن في النهاية نفس العقاب المؤلم.

المسرحية ليست مجرد قصة عائلية، بل مأساة إنسانية خالدة تتشابك فيها كل نوازع النفس البشرية: من الطمع والطموح، إلى الحب والكراهية، ومن الحسد والنفاق، إلى الجحود والخيانة وعقوق الأبناء.

"الملك لير" برؤية عربية

خلال المؤتمر الصحفي الخاص بمسرحية الملك لير، وردًا على سؤال حول الجديد الذي سيقدمه في العمل رغم تقديمه للمرة الثالثة، قال الفنان يحيى الفخراني في كلمة مقتضبة: "في كل مرة أقترب من (الملك لير) أكتشف شيئا جديدًا في النص، وسعادتي لا توصف بالعودة إلى المسرح القومي، هذا الصرح العريق الذي يحمل مكانة خاصة لدي، والوقوف على خشبته شرف ومسؤولية كبرى."

في حديث خاص، أكد الدكتور أيمن الشيوي، مدير المسرح القومي وعميد كلية العلوم السينمائية والمسرحية بجامعة بدر، أن إعادة تقديم الملك لير ببطولة الفنان الكبير يحيى الفخراني يُعد حدثًا استثنائيًا يليق بتاريخ المسرح القومي، ويعكس رمزيته الثقافية.

وتابع، هذا العرض يمثل فخرًا لكل أعضاء الفرقة والعاملين فيه، مشيرًا إلى أن المسرحية صُممت لتكون ذات طابع عربي خالص، وأنه حتى الآن وردت عروض من خمس دول عربية لاستضافة العرض خارج مصر.

أما الفنان طارق الدسوقي، فأعرب في حديثه مع الجزيرة نت عن سعادته بالمشاركة في هذا العمل، واصفًا إياها بأنها محطة مهمة في مشواره الفني. وقال: "أشعر بالفخر للعودة إلى خشبة المسرح القومي والعمل إلى جانب الفنان الكبير يحيى الفخراني في عمل بهذه القيمة إنتاجا وأداء وإخراجا".

وأضاف أن العمل تحت إشراف المخرج شادي سرور، ووسط نخبة من الفنانين، هو تجربة استثنائية، وأن الملك لير، كأحد النصوص المسرحية الخالدة، لا تزال تُعرض على مسارح العالم، متوقعًا أن يحصد العرض الجديد نجاحا كبيرا.

الفنان يحيى الفخراني يعود لـ "الملك لير" في عامه الثمانين

الفخراني في السن الحقيقية للملك لير

في حديث خاص لـ الجزيرة نت، تحدّث المخرج شادي سرور عن تجربته في إخراج الملك لير، وتحديدا عن تعاونه مع الفنان يحيى الفخراني، الذي يجسّد دور الملك الشهير وقد بلغ من العمر ما يُقارب سنّ الشخصية نفسها، في تماهٍ نادر بين النص والواقع.

قال سرور: "لا أخفيك، كنت متهيبا من خوض هذه التجربة في البداية، أعلم جيدا من هو يحيى الفخراني وما يمثّله فنيًا، وكنت أتساءل: كيف سأواجه وحشا بهذا الحجم؟ لكن المفاجأة كانت في التواضع والانضباط. وجدت أمامي فنانًا في غاية الالتزام والمسؤولية، يستمع، يتفاعل، ويُنفّذ التوجيهات بحرفية واقتدار. ومنذ اللحظة التي تطأ قدمه خشبة المسرح، يتحول المشهد إلى حالة خاصة، ويقف الجميع منبهرين بأدائه الراقي."

وأضاف سرور أن علاقته بنص الملك لير تعود إلى أيام دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث كان يشعر بشغف خاص تجاه هذا النص تحديدا. وفي إخراجه الحالي، حاول أن يقدّم رؤية مختلفة ترتكز على حقيقة المشاعر والشخصيات والأحداث، مؤكدًا أن هدفه كان نقل تلك الحقائق إلى المتفرج بصريا وليس فقط عبر الحوار.

وأوضح قائلا: "في نسخ سابقة، كان الممثلون يتحدثون عن أحداث نسمع بها ولا نراها. ما فعلته هنا أنني جعلت الجمهور يرى خلفية الحدث، من خلال المزج بين الصورة والموسيقى والديكور والغرافيك، بحيث يشعر المشاهد أنه داخل قلب اللحظة المسرحية. الإبهار لا يأتي من المبالغة، بل من التوازن بين الشكل والمضمون، ومن خلق تأثير صادق في قلب المتفرج

أكثر صدقا واقناعا

يرى المخرج شادي سرور أن الفنان يحيى الفخراني يُقدّم في هذه النسخة من الملك لير أداءً أكثر صدقًا وعمقًا من أي مرة سابقة، مؤكدًا أن وصول الفخراني إلى سنّ الثمانين يمنحه تقاطعا حقيقيا مع الشخصية التي كتبها شكسبير. "لير"، كما صاغه النص، هو ملك مُتقدّم في العمر أرهقته السلطة، وسئم من أعباء الحكم، فاختار أن يوزع ملكه على بناته ويتفرّغ للراحة، قبل أن تبدأ مأساة الانهيار.

في هذا السياق، يعتقد سرور أن سنّ الفخراني يمنحه مصداقية طبيعية، تجعل أداؤه أكثر إقناعًا، خاصة في المشاهد التي تتطلب مشاعر متناقضة من القوة والانكسار، مثل مشهد العاصفة الشهير. ورغم المتطلبات الحركية الصعبة في العرض، من وقوف وصراخ وتنقل بين المشاهد، فإن الفخراني – كما يؤكد سرور – يتعامل معها بطاقة مذهلة وانضباط احترافي، يجعله يتفوق على نفسه وعلى كل تجاربه السابقة مع النص ذاته.

وعن الفرق بين أداء يحيى الفخراني في المسرح والسينما والتلفزيون، يؤكد شادي سرور أن الفخراني من القلائل الذين فهموا خصوصية كل وسيلة من وسائل التعبير الفني. فقد نجح في أن يوازن بين أدواته كممثل على الخشبة، حيث يكون الأداء أكثر فخامة وعلانية، وبين أدواته في السينما، حيث يلعب على التفاصيل الدقيقة والانفعالات الصامتة وتعابير الوجه، وصولا إلى التلفزيون، الذي يتطلب تواصلا مباشرا وحميما مع المشاهد.

يقول سرور إن الفخراني يشبه في هذا الاتساع الفني النادر الفنان عادل إمام، فهما من القلائل الذين امتلكوا مهارة التأقلم والتكيّف مع طبيعة كل وسيط فني، مع الحفاظ على الهوية والروح والأثر.

الفنان يحيى الفخراني يعود لـ "الملك لير" في عامه الثمانين

نص يغوص في النفس البشرية

يؤكد المخرج شادي سرور أن تقديم الملك لير في العالم العربي لا يمكن أن ينفصل عن السياق الثقافي والاجتماعي المحلي، فالمسرحية تُعرض عالميًا، لكن لكل مجتمع طريقته في طرحها بما يعكس قضاياه الخاصة. في العالم العربي، حيث تحكمنا عواطف جياشة وموروثات وتقاليد عميقة، تم تقديم النص بروح تتلاءم مع مشاعر الجمهور، خاصة فيما يتعلق بالخيانة، والسلطة، والحب الأبوي، والانهيار النفسي. ويرى سرور أن تقديم المسرحية للمرة الثالثة ببطولة يحيى الفخراني ليس تكرارًا، بل هو قراءة جديدة تعبّر عن اللحظة الراهنة، وتعيد طرح أسئلة شكسبير الخالدة من داخل وجدان الإنسان العربي المعاصر