إذا كنت تعاني من توتر دائم، أو وضعية جسدية غير سليمة، أو آلام مزمنة، فقد يكون من الضروري أن تراجع طريقة تنفسك. هذا ما أشارت إليه دانا سانتاس، الخبيرة الأميركية المعروفة بلقب "صانعة الحركة"، في حديثها لموقع "سي إن إن".
ونظرا لأن التنفس يعد من أكثر أنماط الحركة الأساسية تكرارا في الجسم -حيث يحدث أكثر من 23 ألف مرة يوميا- أوضحت سانتاس أن الطريقة التي نتنفس بها، سواء كانت فعّالة أم غير صحيحة، تنعكس بشكل مباشر على حالتنا الصحية العامة، ووضعية أجسامنا، وقدرتنا على الحركة، بل وحتى شعورنا بالألم.
وتؤكد سانتاس أن التنفس العميق والمنضبط -من خلال التهدئة، والشهيق العميق، والزفير الكامل- يمثل وظيفة أساسية للحياة، كما أنه مؤشر على كفاءة الحركة الجسدية، وأداة فعالة للخروج من حالات التوتر، والاختلال، والإرهاق الجسدي.
أما في حال كان التنفس سطحيا وسريعا، فإنه قد يُعيق وظائف الجسم الحيوية، ويؤدي إلى تقييد الحركة، واضطرابات في الوضعية، وألم مزمن، بل ويزيد من احتمالية التعرض للإصابات.
ورغم أن أنماط التنفس الخاطئة أصبحت شائعة في حياة يسودها التوتر والتركيز على الشاشات، توضح سانتاس أنه يمكننا معالجة التنفس الخاطئ من خلال "التحلي بمزيد من الوعي للوصول لأنماط تنفس أفضل، والتنفس بالطريقة الصحيحة دائما".

كيف يؤثر نمط الحياة على تنفسك؟
تقول سانتاس: تحت ضغط نمط الحياة الحافل بالتوتر والإجهاد، يتحول الجسم بشكل تلقائي إلى وضع القتال أو الهروب، مما يؤدي إلى أنفاس أسرع وأقل عمقا من أعلى الصدر". وبمرور الوقت، ومع التوتر المزمن، "يصبح هذا هو نمط التنفس الافتراضي، الذي يكون عموديا في الصدر والرقبة، بدلا من التمدد أفقيا في الرئتين والقفص الصدري"؛ مما يؤدي إلي هذه المشاكل الخمس:
- إجبار عضلات الرقبة والكتفين على تولي مهمة الشهيق، عندما لا يعمل الحجاب الحاجز بشكل صحيح، ولا يستطيع أداء دوره كمُثبِّت لوضعية الجسم، بسبب غياب الدعم من عضلات البطن العميقة وقاع الحوض.
- ضعف الدعم المقدم من الحجاب الحاجز (المُتصل بالقفص الصدري والعمود الفقري)، وما يُسببه من عدم استقرار الجذع، وتغيير وضعية القفص الصدري.
- عندما يتحرك القفص الصدري عن محاذاة الجسم، يتبعه العمود الفقري والرأس، كما تتأثر وضعية الكتف ووظيفته.
- يتغير وضع الرأس للأمام مع تمدد الرقبة وارتفاع القفص الصدري، وتقل حركة الأضلاع؛ مما يُقيّد دوران منتصف الظهر، الذي يعد ضروريا للحركة الصحيحة.
- تتأثر الحركة ويزداد خطر الإصابة، بزيادة عدم استقرار الجذع وإجهاد أسفل الظهر، مما يخلق حلقة مفرغة من "تنفس خطأ يؤثر على وضعية الجسم، ووضعية خطأ تؤثر على التنفس"، وكلاهما يؤثر على الحياة والحركة.
وفي الوقت الذي تحاول فيه معالجة هذه المشاكل بالتمدد أو تمارين القوة وحدها، تؤكد سانتاس أنه "بدون تغيير طريقة تنفسك، ستبقى عالقا في أنماط تنفس خاطئة".

"التنفس البطني" مصطلح مُضلّل
ما يسمى بـ"التنفس البطني"، هو مصطلح يُستخدم غالبا للحصول على الاسترخاء، لكن سانتاس تقول إنه "مضلل من الناحية الميكانيكية الحيوية"؛ وتنصح بدلا من ذلك "بالتركيز على حركة الضلوع ووظيفة الحجاب الحاجز".
وتوضح سانتاس أن "التمدد الطفيف لبطنك ناتج عن زيادة الضغط داخل البطن، وليس عن امتلاء البطن بالهواء"، وتحذر من أن المبالغة في حركة البطن "قد تعيق تمدد القفص الصدري، وحركة الحجاب الحاجز مع مرور الوقت".
كيفية تقييم تنفسك وتحسينه
تنصح سانتاس بهذه الخطوات لتقييم تنفسك:
- استلق على ظهرك مع ثني ركبتيك وقدميك على الأرض.
- ضع يديك على جانبي ضلوعك السفلية، حيث ينقسم القفص الصدري أسفل عظمة القص.
- خذ بضع لحظات في التقاط بعض الأنفاس العميقة، ولاحظ مكان حدوث الحركة.
- إذا شعرت بشد أو حركة في رقبتك أو أعلى صدرك أو كتفيك، أو أن ضلوعك بالكاد تتحرك؛ فهذه علامات على أنك تتنفس بشكل سطحي، ولا تستخدم الحجاب الحاجز بشكل فعال.

ولتحسين تنفسك، تقول سانتاس:
- حاول أخذ بضع أنفاس إضافية، موجها نَفَسك نحو تجويف الرئة أسفل أضلاعك السفلية.
- مع كل شهيق، حاول أن تشعر بالتمدد الجانبي لأضلاعك تحت يديك.
- مع كل زفير، حاول أن تشعر بتحرك قفصك الصدري للأسفل وتحرك أضلاعك السفلية للداخل؛ لتعزيز مشاركة الجذع الطبيعية في دعم الحركة.
لماذا تُعد إطالة الزفير مهمة؟
تقول سانتاس، "إذا لاحظت وجود مشاكل محتملة في نمط تنفسك، فإن الخطوة التالية هي تعلم إعادة ضبطه"؛ فبينما يركز الكثيرون على أخذ شهيق أعمق لتحسين التنفس، فإن "المفتاح الحقيقي للتخلص من التنفس الخاطئ، يكمن في كيفية الزفير"، حيث يلعب الزفير البطيء والكامل دورا محوريا في:
- تنظيم الجهاز العصبي المسؤول عن تهدئة الجسم وتعزيز التعافي.
- استعادة وظيفة الحجاب الحاجز، مما يسمح له بالانقباض بشكل أكثر فعالية في النفس التالي.
- تحسين تحمل التوتر الجسدي والنفسي.
وعلى الرغم من أن الأكسجين يحظى بالقدر الأكبر من الاهتمام، إلا أن عملية الزفير ترتبط ارتباطا وثيقا بقدرة الجسم على "تحمل ثاني أكسيد الكربون، الذي يُحفز الرغبة في التنفس".
لذلك، عندما تُفرط في التنفس دائما، واستنشاق كمية من الأكسجين تفوق قدرة جسمك على الاستفادة منها، فإنك تُقلّل مستويات ثاني أكسيد الكربون بسرعة كبيرة؛ "مما قد يُسبب ضيق التنفس، حتى عندما تكون مستويات الأكسجين كافية".
لذا تؤكد سانتاس أن تدريب نفسك على تحمل مستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة قليلا، من خلال زفير طويل وبطيء، "يمكن أن يُحسّن كفاءة تنفسك، ويزيد من قدرتك على تحمل التوتر".

تقنية الزفير البطيء المُمتد
هذه تقنية للمساعدة على استعادة وظيفة الحجاب الحاجز، ومرونة الأضلاع، مع إعادة تدريب الجهاز العصبي على البقاء هادئا تحت الضغط؛ "مما يجعل حركتك أكثر سلاسة وترابطا وكفاءة"؛ ويمكن القيام بها كالتالي:
- اجلس بشكل مريح، مع وضع يديك على ضلوعك السفلية لمراقبة الحركة وتوجيهها.
- استنشق من أنفك لمدة 4 عدات.
- أخرج الزفير ببطء من أنفك أو فمك (أيهما يُناسبك) لمدة 8 عدات.
- توقف لفترة وجيزة لمدة عدتين في نهاية الزفير.
- كرر هذا النمط بمقدار 10 إلى 12 نفسا، مع الحفاظ على استرخاء وجهك وفكك ورقبتك وكتفيك.
- مارس هذا يوميا، وزده تدريجيا لبناء قدرتك على التحمل.
-
كيفية الاستفادة من التنفس للحصول على نوم عميق
للمساعدة على تحقيق حالة ذهنية هادئة والاسترخاء قبل النوم:
فكر في الزفير على أنه تنهدات ارتياح، واجلس بشكل مريح على سريرك، ثم أغمض عينيك وقم بإطالة وتعميق تنفسك تدريجيا بهذه الوتيرة:
- 5 عدات للشهيق.
- 7 عدات للزفير.
- 5 عدات للتوقف بعد الزفير.
- تهجئة حروف كلمة "سلام" في ذهنك قبل الانتقال إلى الشهيق التالي.