الثلاثاء - 22 يوليو / تموز 2025

غـــــــــــزة

يــــــــــوم

أخبار
أخبار

حملة تبييض لإسرائيل.. كيف استثمرت تل أبيب زيارة “أئمة أوروبيين” لخدمة دعايتها؟

تابع آخر الأخبار على واتساب

في الثامن من يوليو/تموز الجاري، استقبلت إسرائيل وفدا من "أئمة مسلمين من أوروبا" في زيارة نظمتها منظمة "إيلنت" (ELNET)، شملت معالم دينية إسرائيلية، ولقاء مع عائلات أسرى إسرائيليين، وزيارة لمناطق قرب "غلاف غزة"، إلى جانب اجتماع بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في القدس المحتلة.

وحظيت الزيارة باهتمام إعلامي إسرائيلي واسع، واحتفاء رسمي على المنصات الناطقة بالعربية والإنجليزية، فيما بدا جزءا من حملة دعائية تهدف إلى تلميع صورة إسرائيل أمام المجتمعات المسلمة في أوروبا، وتقديم الأئمة الزائرين كممثلين عن "الإسلام المعتدل"، بل "صوت الأغلبية الصامتة" في الشرق الأوسط، وفق تعبير الرئيس الإسرائيلي.



منظمة "إيلنت" (European Leadership Network)، وهي شبكة ضغط إسرائيلية أوروبية أُسّست عام 2007 بهدف "التصدي للانتقادات المتزايدة لإسرائيل في أوروبا"، وفق ما تُعرّف به نفسها، هي التي تولّت تنظيم الزيارة ضمن سياق دعائي أوسع، تسعى خلاله إسرائيل إلى استقطاب شخصيات إسلامية مثيرة للجدل، وتوظيفها في حملات تواصل عام موجهة إلى الداخل الأوروبي.

في هذا التقرير، تتبعت وكالة "سند" المعنية بالتحقق في شبكة الجزيرة، التفاعل الرقمي مع الزيارة، كما حللت شبكة الحسابات الداعمة، ورصدت الخلفيات المثيرة للجدل لعدد من الأئمة المشاركين، وانتهت إلى خلاصات حول الترويج الإسرائيلي للوفد، وردود الفعل الإسلامية الرافضة.

من يروّج للرواية؟

وقد رصدت وكالة "سند" عينة من التفاعل على منصة "إكس" بلغ عددها أكثر من 6600 حساب، وما يزيد على 8 آلاف تفاعل، وأظهر التحليل تشكّل تكتلات رقمية تولّت ترويج الرواية الرسمية المرتبطة بالوفد.

وتبيّن الشبكة الرقمية بروز مجموعات داعمة تدور حول وسائل إعلام إسرائيلية مثل "آي 24 نيوز" (i24news)، إلى جانب حسابات معادية للإسلام كـ"islamienfrance". كما ظهرت حسابات إعلامية أوروبية محايدة اكتفت بنقل أخبار الزيارة دون تعليق.

وبرز أيضا تفاعل مباشر مع حساب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي نشر صورا من اللقاء مرفقة بتعليقات دينية وصف خلالها الأئمة بأنهم "قادة الجالية المسلمة" و"صوت الإنسانية والأخوّة".

في المقابل، أظهرت الشبكة تكتلات أصغر تبنّت مواقف ناقدة، عبّرت عن رفض واسع للزيارة، ووصفتها بأنها "حملة تلميع" لا تمثّل المسلمين في أوروبا.

وقد تركز النشر الرقمي حول الحملة على حسابات الجهة المنظمة (إيلنت)، إضافة إلى حسابات الأئمة المشاركين الذين نشروا بشكل مكثّف مقاطع وصورا من الزيارة.

حملة تبييض لإسرائيل.. كيف استثمرت تل أبيب زيارة "أئمة أوروبيين" لخدمة دعايتها؟

منظمة"إيلنت" واللوبي الصهيوني

وفق الموقع الإلكتروني الرسمي للمنظمة التي تولت تنظيم الزيارة، فإنها تركز على تعزيز العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية بين الحكومات الأوروبية وتل أبيب، وترتبط بعلاقات وثيقة مع مسؤولين ونواب أوروبيين، إلى جانب ارتباطها المباشر بلوبيات صهيونية كبرى، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك).

حملة تبييض لإسرائيل.. كيف استثمرت تل أبيب زيارة "أئمة أوروبيين" لخدمة دعايتها؟

وبتتبع أنشطة الشبكة، يتضح انخراطها المستمر في تنظيم زيارات ودورات تثقيفية لمسؤولين غربيين إلى إسرائيل، وتنسيق لقاءات مع قادة سياسيين وأمنيين إسرائيليين.

وفي مايو/أيار الماضي، نظمت المنظمة مؤتمر "إيلنت الدولي للسياسات" في تل أبيب، بحضور شخصيات إسرائيلية رسمية وغير رسمية، من بينها ريتشارد كيمب، وهو ضابط بريطاني سابق خدم في العراق وأفغانستان، ويُعرف بمواقفه الداعمة لإسرائيل، وهو أيضا أحد المديرين التنفيذيين لمؤسسة المساعدات الأميركية في قطاع غزة.

وكشفت تحقيقات إعلامية وحقوقية سابقة، عن تمويل "إيلنت" رحلات مماثلة لنواب أوروبيين وشخصيات سياسية، ضمن ما يُعرف بحملات "تأهيل النخبة" لتمثيل وجهة النظر الإسرائيلية في النقاشات البرلمانية الأوروبية.

أبرز الأئمة المشاركين في زيارة إسرائيل

حسن الشلغومي 

يُعد الإمام التونسي المقيم في فرنسا، حسن الشلغومي، أبرز الوجوه المشاركة في الوفد، ويشغل منصب إمام مسجد بلدية درانسي شمال باريس، إضافة إلى رئاسته لـ"المؤتمر الوطني للأئمة" في فرنسا، وهو كيان محل جدل داخل الجالية المسلمة هناك.

عرف الشلغومي منذ سنوات بعلاقاته الوثيقة مع جماعات الضغط الصهيونية والمؤسسات اليهودية في فرنسا، وعلى رأسها المجلس التمثيلي لليهود "كريف" (CRIF)، الذي شارك في عدد من مؤتمراته منذ عام 2010، بوصفه "داعية مسلما منفتحا على الحوار".

وفي الإعلام الإسرائيلي، يُلقب بـ"إمام اليهود"، وهو لقب لم يرفضه، بل صرّح في مقابلات متكررة بأنه "لا يرى فيه مشكلة"، وقد استُخدم خلال الزيارة الأخيرة على نطاق واسع.

وسبق للشلغومي لقاء عدد من الشخصيات الإسرائيلية البارزة، من بينها الرئيس الراحل شمعون بيريز عام 2013، والرئيس الحالي إسحاق هرتسوغ عام 2019، وقد نال دعما علنيا من حسابات إسرائيلية رسمية مثل "إسرائيل بالعربية"، والمتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، اللذين قدّماه كأحد رموز "الإسلام المعتدل" في أوروبا، كما كرّمته منظمة "مكافحة معاداة السامية"، في منشور رسمي وصفته فيه بأنه "بطل حقيقي يخاطر بشجاعة لتعزيز السلام بين المسلمين واليهود".

في المقابل، يواجه الشلغومي رفضا واسعا داخل الأوساط التونسية والجالية المسلمة في فرنسا، إذ صدرت دعوات قانونية تطالب بمحاكمته بتهمة "الخيانة العظمى" وسحب الجنسية التونسية منه، خاصة بعد ظهوره في مقطع مصوّر يحاول فيه تقبيل يد وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل.

نور دهري

يُعد الإمام البريطاني من أصول باكستانية نور دهري من أبرز الأسماء التي برزت رقميا خلال الزيارة، حيث لعب دورا نشطا في الترويج لرواية إسرائيل، وواصل نشر المحتوى المرتبط بها حتى بعد انتهاء الجولة.

ويرتكز الخطاب العام لدهري على التحوّل من ماضٍ تحدّث فيه عن "الجهاد" وانتمى لخطاب ديني محافظ، إلى مرحلة يقدم فيها نفسه كخبير في "مكافحة الإرهاب" وشريك لإسرائيل في مواجهة "التطرف"، وهو ما جعله أداة دعائية فاعلة في مخاطبة المجتمعات المسلمة.

ويتجاوز نشاط دهري اللقاءات الرمزية، إذ عبّر علنا عن دعمه للجيش الإسرائيلي، وظهر خلال الزيارة الأخيرة إلى جانب المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، كما سبق أن شارك عام 2017 في مؤتمر أمني حول "مكافحة الإرهاب" بجامعة رايخمان الإسرائيلية الخاصة.

يشغل دهري منصب المدير المؤسس لـ"مركز اللاهوت الإسلامي لمكافحة الإرهاب" في لندن، ويُعد من أبرز أعضاء "مجلس المسلمين ضد معاداة السامية" (CMAA)، وهو كيان تربطه علاقات شراكة تقنية وأمنية مع شركات إسرائيلية، أبرزها "سايبيورو" (Cybureau) التي يديرها الأكاديمي الإسرائيلي طال بافيل.

إضافة إلى ذلك، عمل دهري مستشارا لشركة "كوفينتس" (Covints) الهندية المتخصصة في الأمن السيبراني، والتي نظمت في فبراير/شباط 2023 معرضا للتقنيات الدفاعية في نيودلهي بالتعاون مع جهات إسرائيلية.

The #UK government should ban the teaching of one of the Hadiths against Jews in Mosque and Islamic institutions because this type of teachings generate hateful atmosphere against the peaceful Jewish community.

“𝙏𝙝𝙚 𝙇𝙖𝙨𝙩 𝘿𝙖𝙮 𝙬𝙞𝙡𝙡 𝙣𝙤𝙩 𝙘𝙤𝙢𝙚 𝙪𝙣𝙩𝙞𝙡 𝙩𝙝𝙚…

— Noor Dahri – نور ڈاہری ‎ 🇬🇧 (@dahrinoor2) April 30, 2023

علي العرجا

شارك في الوفد الإمام المغربي المقيم في إيطاليا علي العرجا، الذي يُقدَّم إعلاميا بوصفه رئيسا لـ"الاتحاد الإسلامي الإيطالي الجديد"، وعضوا في "الكونفدرالية الإسلامية الإيطالية".

وفي تصريح نقله موقع "تايمز أوف إسرائيل" خلال تغطيته للزيارة، قال العرجا: "نحن هنا لنرسل رسالة سلام، لإخواننا الفلسطينيين والإسرائيليين، لا نريد حربا، ونأمل أن نعود إلى الحوار".

وقد أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا التصريح ضمن حملتها الدعائية المصاحبة للزيارة، مستخدمة إياه للترويج لصورة الوفد على أنه يمثل صوتا إسلاميا يؤيد "التعايش مع إسرائيل" ويعزل القضية الفلسطينية عن بعدها السياسي والحقوقي.

يوسف مصباح

في مشهد أثار جدلا واسعا، ظهر الإمام الهولندي من أصل مغربي يوسف مصباح، المعروف بإمامته في مسجد "بلال" بمدينة ألكمار الهولندية، وهو يؤدي مقتطفا بالعربية من النشيد الوطني الإسرائيلي "هاتيكفا"، خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، داعيا الحضور للغناء والرقص معه.

وقد تداولت وسائل إعلام إسرائيلية المشهد بوصفه لحظة رمزية تعبّر عن "الحياة المشتركة" و"السلام الديني"، مستغلّة الموقف في الترويج للزيارة على أنها "انفتاح تاريخي" من شخصيات إسلامية على الرواية الإسرائيلية.

لكن رد الفعل داخل هولندا كان سريعا وحاسما، إذ أعلن مجلس إدارة مسجد "بلال" في بيان رسمي أن الإمام لم يعد يرتبط بأي علاقة رسمية مع المسجد، مؤكدا أن تصرفه كان "فرديا ولا يمثل المؤسسة"، وأن جميع أنشطته الدعوية توقفت فورا.

رفض إسلامي دولي وعربي

وأثارت الزيارة ردود فعل غاضبة في عدد من المؤسسات الدينية الإسلامية والمجتمعات المسلمة داخل أوروبا والعالم العربي، وسط إدانات حادة وتشكيك في هوية المشاركين ومرجعيتهم الدينية.

فقد وصف المجلس الأوروبي للأئمة الوفد الزائر بأنه "أئمة مزعومون"، واعتبر أن زيارتهم تمثل "خيانة للمبادئ الإسلامية الأساسية"، مشددا على أنهم "غير معروفين لدى مسلمي أوروبا"، وأن جولتهم "صُممت لتخدم أجندات مشبوهة". ودعا المجلس العلماء والدعاة إلى "تكثيف جهودهم دعما للشعب الفلسطيني"، في مواجهة ما اعتبره "حرب إبادة" تشهدها غزة.

وفي السياق ذاته، أصدرت الكونفدرالية الإسلامية الإيطالية بيانا نفت فيه أي علاقة بالوفد، وأكدت أن "من شارك لا يمثلها"، وشددت على أن مثل هذه الزيارات "لا تخدم المسلمين ولا تعكس القيم الإسلامية في أوروبا".

وفي العالم العربي، جاء الرد من مؤسسة الأزهر الشريف التي وصفت الوفد بأنه "مجموعة من الأشخاص الذين عميت أبصارهم عن معاناة شعبنا"، مؤكدة أن ما فعلوه "لا يمثل الإسلام ولا المسلمين ولا رسالة العلماء الدينية"، كما أدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الزيارة، ووصفها بأنها "واجهة تُستخدم لتبييض صورة الاحتلال"، معتبرا إياها "فعلا يفضح منظميه ويخدم أجندات مشبوهة".

أما على المستوى الشعبي، فقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملات تنديد ومطالبات بعزل المشاركين من مواقعهم الدينية، مع وسمهم بأنهم "انتحلوا صفة الأئمة"، وانخرطوا في الترويج للسردية الصهيونية تحت غطاء "الحوار".

وفي المقابل، أصدرت منظمة إيلنت- فرع فرنسا، الجهة المنظمة للزيارة، بيانا دعائيا وصفت فيه المشاركين بأنهم "اتخذوا خيارا نادرا وشجاعا يتمثل في الحوار والأخوّة"، زاعمة أن الانتقادات التي وُجهت لهم تمثل "تحريضا أيديولوجيا".

وذهبت المنظمة أبعد من ذلك حين اتهمت الأزهر الشريف بإصدار "فتوى تكفيرية" ضد الوفد، وقالت إن هذه الفتوى "جرّدت المشاركين رمزيا من صفتهم كمسلمين وعرّضتهم للخطر"، قبل أن تشبّهها بـ"حكم بالإعدام المعنوي"، داعية الحكومة الفرنسية والمجتمع الدولي إلى "التدخل العاجل لحماية أئمة السلام".

دعاية إسرائيلية على وقع الحرب

رافقت زيارة الوفد الإسلامي إلى إسرائيل حملة إعلامية وترويجية واسعة، ركّزت على تصوير الزيارة بوصفها "اختراقا تاريخيا" لمسار ما يُسمى بـ"السلام الديني" بين المسلمين واليهود.

وقدمت وسائل الإعلام العبرية، مثل تايمز أوف إسرائيل، وجيروزاليم بوست، المشاركين في الوفد، وعلى رأسهم نور دهري وحسن الشلغومي، كـ"رموز للاعتدال الإسلامي"، تزعم أنهم "ينبذون العنف ويتبنون السلام"، في وقت يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

كما نشرت منصات أخرى مثل يسرائيل هيوم، وجي إن إس، ومجلة موزاييك، مقالات تتناول الزيارة باعتبارها "علامة نادرة على التقارب الإسلامي الإسرائيلي"، وسعت إلى توظيف تصريحات المشاركين لإبراز ما تصفه بـ"شجاعة الحوار" في وجه ما تُسميه "التحريض الإسلامي التقليدي".

على الجانب الرقمي، نشّطت إسرائيل حساباتها الرسمية الناطقة بالعربية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل حساب "إسرائيل بالعربية"، و"إيدي كوهين"، لتسويق الزيارة للجمهور العربي، مع التركيز على عبارات مثل "الإسلام المعتدل"، و"أئمة يمثلون الأغلبية الصامتة"، و"صوت الإنسانية".