تقول اختصاصية التغذية المُعتمدة آبي تشان، لصحيفة"هاف بوست" الأميركية، "لقد حان الوقت لإعادة النظر في اعتبار البروتين هو الخيار الأمثل للصحة، وإثارة المخاوف بشأن الكربوهيدرات، مع أنها من المغذيات الكبرى الضرورية لوظائف الجسم، حيث تتحلل إلى الغلوكوز الذي هو مصدر الطاقة الأساسي للخلايا والأنسجة والدماغ والعضلات والأعضاء الأخرى".
فقد نُشرت في مايو/أيار الماضي دراسة بحثية، وصفها موقع "هيلث لاين" بأنها "الأكبر في إظهار عوامل الخطر المؤدية للإصابة بالأمراض المزمنة الرئيسية لدى النساء". قام بها باحثون بمركز أبحاث تابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة "تافتس"، وكلية "تي إتش تشان" للصحة العامة بجامعة هارفارد، شملت أكثر من 47 ألف امرأة، وأظهرت أن "النساء اللواتي أفدن بتناول كميات أكبر من الكربوهيدرات المُعقدة والألياف الغذائية في منتصف العمر، زادت لديهن فرصة العيش حياة أطول وأكثر صحة بنسبة تصل إلى 37%"، (مع مراعاة عدم إهمال عوامل أخرى، مثل النشاط البدني والنوم الجيد).
وقالت آبي تشان: "إن هذا البحث يُضاف ببساطة إلى قائمة متزايدة من الدراسات التي تُظهر أن الألياف الغذائية -وهي نوع من الكربوهيدرات- هي الأساس في التغذية".

جودة الكربوهيدرات تضمن التمتع بعمر صحي
في بيان صحفي، قال الدكتور أندريس أرديسون كورات، الباحث الرئيسي في الدراسة: "لطالما سمعنا جميعا أن الكربوهيدرات يمكن أن تؤثر على الصحة بشكل مختلف، سواء على مستوى الوزن أو الطاقة أو مستويات السكر في الدم، لكننا أردنا البحث في فائدة الكربوهيدرات عالية الجودة للصحة الجيدة بعد 30 عاما من الحرص على تناولها، وأشارت نتائجنا إلى أن "جودة الكربوهيدرات، قد تكون عاملا مهما في التمتع بشيخوخة صحية".
فقد تابعت الدراسة، التي نُشرت نتائجها في 16 مايو/أيار الماضي، الأنظمة الغذائية والحالة الصحية لأكثر من 47 ألف امرأة في منتصف العمر، منذ ثمانينيات القرن الماضي ولمدة 30 عاما.
وأشار الباحثون إلى أن تعريف "الشيخوخة الصحية"، (بمعنى العيش حتى سن السبعين، حياة خالية من 11 مرضا مُزمنا خطيرا، مع عدم المعاناة من أي ضعف في الذاكرة أو الوظائف الجسدية، والتمتع بصحة نفسية جيدة)؛ قد انطبق على 3706 فقط من المشاركات (بنسبة 7.8%).
كما أن استهلاك المزيد من الكربوهيدرات "عالية الجودة" (مثل الحبوب الكاملة والفواكه والخضروات والبقوليات) خلال منتصف العمر، قد ارتبط ارتباطا إيجابيا بالوصول إلى الشيخوخة الصحية.
وفي المقابل، ارتبط استهلاك المزيد من الكربوهيدرات "المكررة" (مثل الخبز الأبيض والمعكرونة البيضاء والأرز الأبيض أو الأطعمة التي تحتوي على سكريات مضافة)، بانخفاض احتمالات التمتع بشيخوخة صحية خالية من الأمراض المزمنة.

قوة الألياف الغذائية تعزز صحتكِ
تقول آبي تشان "إن أبحاث التغذية والمقارنة بين الأنظمة الغذائية، يعتمدان دائما على محتوى الألياف الغذائية"، لأنها العنصر الأهم لتعزيز الصحة العامة، "وخصوصا لفائدة التمثيل الغذائي، وصحة القلب، وانتظام حركة الأمعاء، وتغذية البكتيريا النافعة (البروبيوتيك)".
وتوضح كاري كروتزر، أستاذة طب الشيخوخة بجامعة جنوب كاليفورنيا، أن "الألياف الغذائية، ترتبط بانخفاض أمراض القلب وسرطان القولون، وتحسين الوظائف الإدراكية".
كما تحذر تشان من أننا "إذا لم نتناول الألياف، فسنفقد الكثير من هذه الفوائد الهائلة"، وتشير إلى أن الحصول على كربوهيدرات كافية من الحبوب الكاملة الغنية بالألياف، والفواكه والخضروات، والفاصوليا والبقوليات، والمكسرات والبذور، معناه "الحصول على الفيتامينات والمعادن الأساسية، مثل الحديد وفيتامينات (بي)، المهمة لتعزيز الصحة".
فبالرغم من الفوائد الموثوقة للألياف، والتي تجعل لها الأولوية في نظامنا الغذائي، يحصل أقل من 10% من الأميركيين على الكمية الموصى بها من الألياف يوميا، (14 غراما لكل 1000 سعر حراري).
لذا، تنصح تشان بالحرص على "إضافة بعض الفاكهة إلى فطورك، أو الخضروات إلى وجبتك الخفيفة في منتصف النهار، أو الحبوب الكاملة إلى عشائك".
وتقترح كروتزر اتباع نظام غذائي متنوع، "من خلال دمج مزيج من الأطعمة النباتية الملونة في وجباتك، لتوفير الكربوهيدرات والألياف، وقراءة ملصقات الطعام لتكوين فكرة أفضل عن كمية الألياف التي يمكن الحصول عليها يوميا".

الكربوهيدرات الجيدة تُحسّن الوظائف البدنية والإدراكية
استندت الدراسة إلى أدلة تربط استهلاك الكربوهيدرات عالية الجودة بـ"صحة طويلة الأمد"، وقال تشي صن، أستاذ التغذية وعلم الأوبئة المساعد في كلية هارفارد تشان، والمشارك في الدراسة: "إن نتائجنا تتوافق مع أدلة أخرى تربط استهلاك الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبقوليات، بانخفاض مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة"، لكنها نضيف أيضا "تحسين الوظائف البدنية والإدراكية".
وأشار الدكتور مير علي، الجراح العام المعتمد في كاليفورنيا، إلى أن هذه النتائج "تتوافق مع توصيات التغذية العامة حول فوائد الكربوهيدرات المعقدة"، وقال لهيلث لاين "لقد وجدت هذه الدراسة أن الأطعمة التي تحتوي على كربوهيدرات عالية الجودة، لها تأثير إيجابي على الصحة البدنية والعقلية والإدراكية على المدى الطويل".
أما الأطعمة الغنية بالسكريات البسيطة والمكررة، فتؤدي إلى ارتفاع الإنسولين، وزيادة الوزن، والالتهابات المزمنة، "وكلها عوامل تزيد من خطر الإصابة بأمراض السكري والقلب، وانخفاض الإدراك، وحتى السرطان".

لماذا تعدّ الكربوهيدرات المعقدة خيارا صحيا؟
تؤكد خبيرة صحة المرأة الدكتورة شيريل روس، من سانتا مونيكا، أن الجمع بين الألياف الغذائية والكربوهيدرات عالية الجودة يشكّل مزيجا مثاليا يدعم التقدّم في العمر بصحة جيدة.
تتميز الكربوهيدرات المعقدة بأنها غنية بالألياف، مما يعزز الشعور بالشبع ويساعد في إدارة الوزن، إلى جانب احتوائها على عناصر غذائية مهمة مثل المغنيسيوم وأحماض أوميغا 3 الدهنية، التي تلعب دورا في تنظيم مستويات السكر في الدم وإطالة سنوات الصحة الجيدة.
وتضيف اختصاصية التغذية المعتمدة ميشيل روثنشتاين أن الكربوهيدرات عالية الجودة تحتوي أيضا على البوتاسيوم، الذي يساهم في توازن السوائل وضبط ضغط الدم وسكر الدم.
إلى جانب ذلك، فهي غنية بالمغذيات النباتية التي تحارب الالتهابات والإجهاد التأكسدي، وهما عاملان مرتبطان بالشيخوخة والأمراض المزمنة. كما تسهم هذه الكربوهيدرات في تعزيز صحة الجهاز الهضمي، وتقليل تصلب الشرايين، مما يعود بالفائدة على القلب
ومن أهم مصادر الكربوهيدرات المعقدة:
- الخضراوات غير النشوية (مثل البروكلي والسبانخ).
- الفواكه (مثل التوت والتفاح والبرتقال).
- البقوليات (مثل العدس والحمص والفاصوليا).
- الحبوب الكاملة (مثل الشوفان والأرز البني وخبز القمح الكامل).
فوائد الكربوهيدرات المعقدة تشمل الرجال أيضا
تقول ميشيل روثنشتاين: "على الرغم من أن هذه الدراسة ركزت تحديدا على النساء، فإن الآليات التي تدعم بها الكربوهيدرات عالية الجودة الصحة، مثل تقليل الالتهابات، وتعزيز صحة الأمعاء، وتنظيم نسبة السكر في الدم، وخفض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ذات صلة بيولوجية بكل من النساء والرجال".