الأحد - 5 أكتوبر / تشرين الأول 2025

غـــــــــــزة

يــــــــــوم

لايف ستايل

الذكاء الاصطناعي يزيح الشباب من سوق العمل.. كيف تضمن البقاء؟

تابع آخر الأخبار على واتساب

منذ أواخر عام 2022 ومع الانتشار السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بدأت ترتسم ملامح تغيير عميق في خريطة سوق العمل العالمي. هذا التغيير لا يوزَّع بالتساوي على جميع العاملين، بل يترك أثره الأوضح على الفئة الأكثر هشاشة: الموظفين الجدد والشباب.

فوفقا لدراسة حديثة أجراها فريق من جامعة ستانفورد، لا يقتصر تهديد الذكاء الاصطناعي على الوظائف بشكل عام، بل يتجلى بصورة غير متوازنة، إذ تُعتبر الفئة العمرية بين 22 و25 عاما الأكثر عرضة لفقدان فرصها الوظيفية مقارنة بغيرها من الفئات.



الفئة العمرية الأكثر عرضة لخطر الإزاحة

في دراسة حديثة بعنوان "العصافير في منجم الفحم؟ ست حقائق حول الآثار الأخيرة للذكاء الاصطناعي على التوظيف" أعدّها كل من إريك برينجولفسون ورويو تشين وبهارات تشاندار بجامعة ستانفورد، اعتمد الباحثون على بيانات موسّعة من شركة "إيه دي بي" (ADP)، أكبر مزوّد لخدمات الرواتب في الولايات المتحدة، لرصد تحوّلات سوق العمل منذ أواخر 2022 وحتى منتصف 2025.

وأظهرت النتائج أن المهن الأكثر انكشافا أمام الذكاء الاصطناعي ـمثل تطوير البرمجيات وخدمات العملاءـ شهدت تراجعا نسبيا في توظيف الفئة العمرية ما بين 22-25 عاما بنسبة تقارب 13% مقارنة بالفترة السابقة لانتشار أدوات الذكاء الاصطناعي. والمثير أن هذا التراجع بقي ثابتا حتى بعد احتساب عوامل مؤثرة أخرى مثل تغيّر أسعار الفائدة، وزيادة التوظيف بعد جائحة كورونا، وتوسّع نماذج العمل عن بُعد.

الذكاء الاصطناعي يزيح الشباب من سوق العمل.. كيف تضمن البقاء؟

في المقابل، تكشف الدراسة أن الفئات الأكبر سنا في هذه القطاعات لم تتأثر بالوتيرة نفسها، بل حققت نموا أو على الأقل حافظت على مستوياتها الوظيفية. ويُرجع الباحثون ذلك إلى امتلاك هذه الفئة لما يُعرف بالمعرفة الضمنية (Tacit Knowledge) والخبرات العملية المتراكمة التي يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها أو استبدالها بالكامل.

وأشارت تقارير صحفية تناولت نتائج الدراسة إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الفئة العمرية الشابة قد يكون أعمق مما ورد في الأرقام الأولية. ففي قطاعات مثل التقنية وخدمة العملاء، تراجع توظيف العاملين بين 22 و25 عاما بنحو 20% مقارنة بذروة نهاية 2022، بحسب ما نقلته شبكة "سي بي إس نيوز" في تقريرها حول الدراسة.

من المتضررون ومن المحميّون؟

  • المهن الأكثر تأثرا

تشير تحليلات تكميلية إلى أن المهن التي شهدت أكبر خسائر في فرص الموظفين الجدد شملت:

  • تطوير البرمجيات.
  • خدمة العملاء.
  • المحاسبة والتدقيق.
  • السكرتارية والأعمال الإدارية.
  • المهن التي تنطوي على مهام متكررة ومحددة مسبقا.

في المقابل، المهن التي تتطلّب تفاعلا بشريا مكثفا، كوظائف المساعدة الصحية والرعاية المنزلية، لم تُسجل تراجعا كبيرا لجميع الفئات العمرية، بل بالعكس شهد بعضها نموا نسبيا.

كبار السن ليسوا بمعزل عن الخطر

يُشير ديفيد كريشينسكي، أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة روتجرز، إلى أن الحماية التي قد توفّرها الخبرة أو السنّ ليست ضمانا دائما: "قد يكونون أكثر أمانا الآن، لكني أشك أن يدوم هذا الأمان طويلا. الشركات ستواجه تحديات كبيرة مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، وستُجبر على إعادة تأهيل العمال".

كما يرى أن عامل المهارات ونوع الوظيفة سيكونان الأداة الأهم في مقاومة الاستبدال، وليس العمر وحده.

الذكاء الاصطناعي يزيح الشباب من سوق العمل.. كيف تضمن البقاء؟

كيف يهيّئ الذكاء الاصطناعي نفسه للإزاحة؟

لفهم السبب في أن الفئة (22-25) هي الأكثر هشاشة، يمكن النظر إلى النقاط التالية:

غالبا ما تكون مهام الموظفين الجدد محدودة وواضحة: تحليل بيانات، تنفيذ إجراءات ثابتة، كتابة تقارير قياسية. هذه المهام قابلة للتكيّف مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي بسهولة.

يتعلم الذكاء الاصطناعي على كمّ هائل من النصوص والمصادر التي تشمل المعرفة النظرية والمقررات الجامعية، وهو ما يتداخل مع ما يتعلمه الموظف الجديد في فترة دراسته.

بينما الموظفون الأكبر لديهم خبرة ضمنية وعلاقات مهنية وفهم أعمق للسياق التنظيمي، وهي أبعاد يصعب على الذكاء الاصطناعي اكتسابها بسرعة.

إلى جانب دراسة ستانفورد، ظهرت أبحاث أكاديمية أخرى تؤكد أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور الإنسان كليا، بل يُعيد تشكيل خريطة المهارات المطلوبة في سوق العمل.

ففي دراسة حديثة بعنوان "مكمّل أم بديل؟ كيف يزيد الذكاء الاصطناعي من الطلب على المهارات البشرية"، تبيّن أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أدى إلى زيادة الطلب على المهارات التكميلية مثل التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والقدرة على التكيّف، في حين تراجع الطلب على المهارات التي يمكن للذكاء الاصطناعي استبدالها بسهولة.

أما دراسة أخرى بعنوان "تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي والمهارات العليا" فقد وجدت أن الطلب على المهارات المعرفية والاجتماعية ارتفع بشكل ملحوظ بعد إطلاق أداة "تشات جي بي تي" (ChatGPT)، وهو ما يشير إلى أن الوظائف القادرة على الصمود في المستقبل ستكون تلك التي تمزج بين القدرات الذهنية البشرية والتفاعل الاجتماعي المباشر.

الذكاء الاصطناعي يزيح الشباب من سوق العمل.. كيف تضمن البقاء؟

إستراتيجيات للبقاء في سوق العمل

1. الاستثمار في المهارات الإنسانية غير القابلة للأتمتة

بالنسبة للشباب دون سن الـ25، يوصي الخبراء بالتركيز على تطوير مجموعة من المهارات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها، ومن أبرزها:

التفاعل الاجتماعي والتعاطف: القدرة على بناء علاقات إنسانية حقيقية.

القيادة والتوجيه: إدارة فرق العمل وتحفيزها نحو الأهداف.

إدارة النزاعات واتخاذ القرارات تحت الضغط: التعامل مع المواقف الصعبة بسرعة وحكمة.

التعامل مع المعضلات الأخلاقية المعقّدة: استخدام الحكم الشخصي في مواقف يفتقر فيها الذكاء الاصطناعي للحس الأخلاقي.

التفكير النقدي وربط الأفكار المعقدة: صياغة حلول مبتكرة في سياقات جديدة وغير مألوفة.

تمارين ذهنية لتعزيز القدرة على التحدي

يشدّد كريشينسكي على ضرورة تجنّب الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، داعيا الأفراد إلى تنشيط عقولهم عبر حل المسائل المعقّدة والتفاعل مع أشخاص يملكون وجهات نظر مختلفة. هذه الممارسات تساهم في صقل مهارة الدمج بين المعرفة والحدس الإنساني.

  • التعلّم المستمر والقدرة على التكيّف

من المهم الاستثمار في منصات تعليمية تركّز على تطوير المهارات الناعمة واكتساب التقنيات الداعمة وإعداد المتعلمين لمتطلبات سوق العمل الحديث.

لم يعد تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل مجرد ملاحظة عامة، بل أصبح ملموسا بشكل خاص لدى الداخلين الجدد إلى سوق المهنة. فالفئة العمرية ما بين 22 و25 عاما تشهد تراجعا في فرص التوظيف بنسبة تتراوح بين 10 و13% في الوظائف الأكثر عرضة للتأثر، بينما يتمتع الموظفون الأكبر سنا نسبيا بدرجة من الاستقرار أو حتى فرص للنمو، بفضل خبراتهم التي يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها.

ومع ذلك، فإن هذه الأفضلية ليست مضمونة ولا دائمة. فالأشخاص الذين يحرصون على التعلّم المستمر واكتساب المهارات التي تمزج بين القدرات البشرية والتكنولوجيا هم الأقدر على الحفاظ على موقع متقدّم. وفي المقابل، فإن تحديث السياسات التعليمية وتنظيمات سوق العمل بما يتلاءم مع وتيرة التغيّر السريعة سيشكّل ضرورة أساسية لتجنّب نشوء فجوات جديدة في العدالة الوظيفية.