الـخـلاصـة
في اكتشاف يطرح أسئلة كبيرة حول فهمنا لنظامنا الشمسي، أعلن فريق من جامعة بيليفيلد الألمانية أن النظام الشمسي يتحرك أسرع بثلاث مرات تقريبا مما تشير إليه النماذج الكونية القياسية.
الدراسة، التي نشرها باحثون مؤخرا في دورية "فيزكال ريفيو ليترز"، اعتمدت على تحليل غير مسبوق لتوزيع مئات الآلاف من المجرات التي ترصد في نطاق موجات الراديو، ونتائجها تهزّ أحد أهم افتراضات النموذج القياسي لعلم الكونيات، والتي تقول إن الكون متجانس على المقاييس الكبرى.

ما النموذج القياسي لعلم الكونيات؟
النموذج الكوني القياسي (لامدا سي دي إم) هو الإطار العلمي الأشمل الذي يصف تطور الكون وبِنيته، يعتمد هذا النموذج على فكرة أن الكون بدأ بانفجار عظيم، ثم أخذ في التوسع مع الزمن، وأن الجزء الأكبر من محتواه ليس مادة عادية يمكن رؤيتها، بل مادة مظلمة تؤثر بجاذبيتها، وطاقة مظلمة تُسرّع تمدّد الفضاء.
وفق هذا النموذج، تتشكل المجرات والعناقيد الكونية نتيجة لتفاعل المادة العادية مع الهياكل التي تبنيها المادة المظلمة، بينما تتحكم الطاقة المظلمة في مصير الكون على المدى البعيد.
وفي إطار النموذج القياسي، يُفترض أنه عندما ننظر إلى الكون عبر مسافات هائلة تمتد لمئات ملايين السنين الضوئية، فإن التوزيع العام للمجرات والمادة يبدو متشابها في كل الاتجاهات.
وعلى الرغم من أن التفاصيل الصغيرة تختلف، كمواقع المجرات الفردية وتجمعاتها، إلا أن الصورة الكلية تظهر نمطا موحدا من العناقيد والفراغات.
هذا الافتراض بالتجانس يعد حجر أساس في النموذج القياسي، لأنه يسمح بصياغة قوانين كونية بسيطة يمكن تطبيقها على الكون كله، ويمنح العلماء إطارا موحدا لقياس التمدد الكوني وفهم تطور البنية الكبرى عبر الزمن.

سرعة النظام الشمسي
لكن ما علاقة كل ما سبق بنظامنا الشمسي وسرعته؟ حسنا، الكون أشبه بخلفية مترامية مليئة بالمجرات، وعندما تتحرك الأرض والشمس خلال هذه الخلفية، يحدث تأثير يشبه تأثير حركة السيارة وسط المطر؛ في الاتجاه الذي نتحرك نحوه نرى مجرات أكثر قليلا، وفي الاتجاه المعاكس نرى مجرّات أقل، بالضبط كما يظهر المطر أكثر كثافة في اتجاه الحركة، وأقل كسافة في الخلف.
هذا الاختلاف يسمى "تباين الخواص ثنائي القطب"، وهو مقياس مباشر لسرعتنا داخل الكون. النموذج القياسي للكون يتوقع مقدارا محددا لهذا الاختلاف، لكن المفاجأة كانت أن الاختلاف الحقيقي أكبر بحوالي 3.7 مرات مما ينبغي أن يكون.
للتوصل إلى تلك النتائج استخدم العلماء بيانات من مسوح رصد راديوية حديثة عالية الدقة، والمشكلة كانت دائما أن كثيرا من المجرات الراديوية ليست "نقطة واحدة" مثل النجوم، بل تظهر ككيانات متعددة الأذرع والمكونات، ما يجعل عدها بدقة تحديا حقيقيا.
وبحسب الدراسة، طوّر الباحثون خوارزميات جديدة لتمييز المجرة الحقيقية عن "الأجزاء المتعددة" المنفصلة، ثم أعادوا حساب اتجاه وسرعة الحركة الكونية للنظام الشمسي.
والنتيجة أن الاختلاف أكبر بكثير مما يفسره النموذج القياسي، وبدرجة ثقة إحصائية تتجاوز 5 سيغما، وهي درجة صرامة دقيقة حقا، تستخدم عادة لإعلان اكتشافات في فيزياء الجسيمات.
احتمالان لا ثالث لهما
بناء على تلك النتائج فهناك احتمالان لا ثالث لهما، وكلاهما يغيّر فهمنا للكون، الأول أن نظامنا الشمسي يجري أسرع مما نظن، وهذا قد يؤثّر على قياسنا لمعدل تمدد الكون (ثابت هابل) وفهمنا لحركة المجرات المجاورة وتحديد "الإطار المرجعي الكوني" الذي نقيس من خلاله كل شيء.
أما الاحتمال الثاني (وربما الأفدح، وبالتبعية الأكثر إثارة) فهو أن الكون ليس متجانسا كما اعتقدنا، وبالتالي يؤثر ذلك بشكل مباشر على النموذج القياسي لفهم الكون.
العلماء يؤكدون في دراستهم أن التحليل شامل، والعينة كبيرة، ومستوى الثقة عال للغاية، لكن هذا لا يمنع احتمال وجود انحيازات أو تأثيرات غير محسوبة غير مكتشفة في المسح الراديوي.
لذلك، هناك حاجة لمسوحات أكبر تغطي السماء كلها بدقة أعلى. العلماء أنفسهم، الذين أجروا الدراسة يدعون إلى دراسات متابعة مستقلة لتأكيد أو دحض النتيجة، لأنها لو تأكدت فستمثل نقطة مهمة جدا للانطلاق من أجل بناء فيزياء جديدة لفهم الكون.
