"لا أصنف نفسي مغربيا وإنما أفريقيًّا"، بهذه الجملة العميقة والمُعبّرة يلخص المغربي يوسف سحساح (34 عاما)، ابن مدينة العيون، جوهر رحلته "الملحمية" التي خاضها على دراجته عبر القارة الأفريقية.
بالنسبة إلى سحساح لم تكن أفريقيا مجرد قارة يزورها، بل كانت تحديا متواصلا صقل جسده ولامس روحه. بعد أن قطع مئات وآلاف الكيلومترات وواجه أصعب الصعوبات، أصبح شعاره في الطريق "أفريقيا ليست للجبناء"، هذا الاقتباس القوي، المأخوذ من قبائل الجنوب الأفريقي، هو المبدأ الذي أضاء تجربته بالكامل.
وكحال العديد من الرحالة المغاربة الشغوفين، اتخذ سحساح من الدراجة الهوائية جواز سفره الخاص، وقرر أن يستكشف القارة بنفسه، مبتعدا عن نمط السفر المألوف. خرج باحثا عن المعرفة والقصص، مؤمنا بأن الحياة الحقيقية تُعاش بالمشاركة حتى في أشد التحديات.

يقول يوسف سحساح، خريج معهد السينما في مدينة ورزازات، في تصريح نت "لم يكن السفر مجرد ترفيه، بل كان ضرورة معرفية قبل أن يكون رحلة قارية".
الجذور الأفريقية
بدأت رحلة سحساح باكتشاف أعمق لجذوره، حيث توغّل في مدن المغرب عبر "أوتوستوب" (النقل المجاني)، يسأل ويستفيد "كالطفل الصغير" ليُذيب أي جليد يفصله عن تقاليد الأقاليم المغربية الأخرى.
وبعدما استكشف محيطه المغربي، قرّر أن يتوجه نحو القارة الأم، رافضا الانجذاب الأوروبي المعتاد لدى المسافرين.

يتبنى سحساح الآية الكريمة "إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" شعارا لرحلته الطويلة، ويضيف "أظن أن سبب المشاكل في العالم بين الشعوب هو عدم معرفة الآخر.. ولهذا جاء الدور على قارتي، كان الهدف هو تعميق معرفتي بتقاليدها وعاداتها، وهذا هو الأهم من أجل قارتنا، فلا تقدم دون معرفة بعضنا وتقبلنا للآخر".
وأما محمد سالكي (28 عاما)، فيقول إنه التقى عددا من الناس، ومنهم من أصبحت علاقتهم به وطيدة، بل إن عائلة في السنغال، البلد الطيّب، تنتظره لزيارة ثانية بعدما عاملته كفرد من الأسرة.
رمز للحرية
وترى الرحالة المغربية الشابة مريم بلكيحل (30 عاما)، وهي من مدينة الدار البيضاء، في الدراجة وسيلتها للتحرر وإثبات الذات، متجاوزة كل الحكايات المنقولة، وبالنسبة لمريم فإن الدراجة تعني الحرية الكاملة التي تعتمد فقط على قوة الجسد، وهي شكل خالص من أشكال التحدي الشخصي.
مدغشقر من البلدان لتحس برأسك رجعتي سنين لور، و مختلفة تماما على باقي الدول الأفريقية لزرت، و صراحة فيها واحد تنوع جميل جدا و من البلدان الأفريقية لنقدر ننصحكم بزيارتها ! pic.twitter.com/SnPIJDEoCL
— MeghyLost (@Meghyem0ut) November 3, 2025
توضح مريم، في تصريح نت، دافعها نحو هذه المغامرة الأفريقية قائلة "الدافع هو الرغبة في اكتشاف أفريقيا بعيني أنا، وليس من خلال الصور أو الحكايات فقط، الدراجة بالنسبة لي ليست وسيلة نقل فحسب، بل هي حرية كاملة، وشكل من أشكال التحدي مع نفسي، كأنني أقول أستطيع أن أعتمد على قوتي وحدها لأصل إلى أماكن بعيدة".

ويضيف سالكي الذي زار 17 دولة حتى الآن، أنه يرى في الدراجة الهوائية رمزا يتجاوز مجرد النقل، فهي -بالنسبة إليه- إعلان عن أن تحقيق الأحلام ممكن بأبسط الموارد، ويقول نت "الدراجة ليست مجرد وسيلة نقل فقط، بل رمز لإثبات أن الحلم ممكن حتى بأبسط الوسائل بعيدا عن ضوضاء الحياة".
صدمات الطريق
الرحلة ليست كلها صورا خلابة، إنها مواجهة مباشرة وقاسية للتحديات، يتذكر المغامر المغربي عبد الهادي السكراضي (28 عاما)، ابن مدينة كلميم، قائلا إن المغامرين من أوروبا الذين يمرون من مدينته ألهموه لخوض التجربة ذاتها.

وقد حوّل عبد الهادي حلمه وهو يشاهد أفلام قناة "ناشيونال جيوغرافيك" الوثائقية إلى واقع ابتداء من عام 2018، وكانت أصعب اللحظات التي صقلته هي في الطريق من المغرب إلى "كيب لاغولاس" (أقصى نقطة في الجنوب الأفريقي) خلال 18 شهرا.
ويسترجع عبد الهادي، الذي زار لحد الآن 43 دولة، تفاصيل الاستمرار الصعب لرحلته في حديثه نت قائلا "في بوتسوانا تعرضت لهجوم وتخريب دراجتي، واضطررت لإجراء عملية جراحية".

تزامن ما وقع لهذا الرحالة المغربي مع انتشار فيروس كورونا، فبقي عبد الهادي عالقا لمدة عام وثلاثة أشهر، ويقول "شعرت أنني مثل الطائر المحبوس، وفي النيجر احتجزني الجيش 20 يوما كاملة في مركز تحقيقات قبل أن تتدخل سفارة المغرب لإطلاق سراحي".
اللقاء الإنساني
السفر بالنسبة إلى هؤلاء المغامرين لا يقتصر على البحث عن الأماكن السياحية، بل عن الحقيقة التي يجدونها بين الناس في الأماكن.
ويتحدث يوسف سحساح عن تحوله الشخصي قائلا "اعتبر الأفارقة إخوتي، فهم من ساعدوني في رحلتي، ولا يمكن أن أنكر هذا، علموني العطاء والحب والمشاركة، وأنا أرى أن الحياة تُعاش بالمشاركة".

وتشاركه مريم هذا الشعور العميق بالترابط الإنساني حتى بعد التعب والمشقة، حيث تصف اللقاءات بشعوب الدول الأفريقية قائلة "العلاقة مع المجتمعات التي مررت بها كانت من أجمل جوانب الرحلة، الناس غالبا ما استقبلوني بالترحاب، ساعدوني أو قدموا لي الماء والطعام".
وتضيف الرحالة المغربية أن هذا التفاعل جعلها تشعر بأن الرحلة ليست فقط ركوب دراجة، بل هي لقاء إنساني حقيقي، وتقول "أثّر ذلك فيّ كثيرا لأنه جعلني أؤمن أكثر بقيمة التواصل البشري".
الروح الأفريقية
حتى بعد حادث سير خطير حدث له في ساحل العاج، وجد محمد سالكي الدعم في الروح الأفريقية العاشقة للحياة.
ويذكر سالكي الموقف بامتنان "صدمتني سيارة صغيرة في ساحل العاج، وتوقفت الرحلة 4 أشهر. حضرت فيها مباريات كأس أفريقيا رغم صعوبة الأمر، إلا أن الأجواء كانت جميلة جدا خصوصا مع الشعب الإيفواري الذي يعشق كرة القدم".

في حين يجد عبد الهادي في ناميبيا، التي يعتبرها الدولة المفضلة له، درسا قاسيا وجميلا في آن واحد، وذلك عندما أُصيب بالملاريا وتكفل طبيب مسلم من الكونغو بعلاجه.
ويختتم عبد الهادي رحلة الصقل الذاتي قائلا "رغم كل هذه العقبات، أؤمن أن كل موقف صعب كان يحمل داخله شيئا جميلا، علمني درسا وزادني قوة وإصرارا. هذه الرحلة ليست مجرد تنقل بين دول، بل تجربة حياة كاملة صنعتني من جديد".
تحليل وتفاصيل إضافية
تسلط هذه المقالة الضوء على ظاهرة متنامية بين الشباب المغاربة، وهي اختيار السفر بالدراجات الهوائية كوسيلة لاستكشاف أفريقيا. هذا الخيار يعكس رغبة في تجاوز الصور النمطية عن القارة والانخراط المباشر في ثقافاتها وتحدياتها. الرحلات تمثل تحديًا جسديًا وذهنيًا، وتكشف عن قدرة هؤلاء الرحالة على التكيف والمثابرة. بالإضافة إلى ذلك، تبرز المقالة أهمية اللقاءات الإنسانية في هذه التجارب، وكيف تساهم في تغيير نظرة الرحالة للعالم وتعزيز قيم العطاء والمشاركة. هذه القصص الملهمة تشجع على إعادة التفكير في مفهوم السفر وتأثيره على الفرد والمجتمع، كما أنها تفتح الباب أمام استكشاف المزيد من الفرص المتاحة في القارة الأفريقية.
أسئلة شائعة حول رحلات مغاربة في أفريقيا بالدراجات
ما الذي يدفع المغاربة للسفر في أفريقيا بالدراجات؟
ما هي أبرز التحديات التي يواجهها الرحالة المغاربة في أفريقيا؟
ما هي أهم الدروس التي يتعلمها الرحالة من هذه التجارب؟
كيف يساهم السفر بالدراجة في تحقيق الأحلام؟
ما هو تأثير اللقاءات الإنسانية على الرحالة المغاربة؟
ما هي النصيحة التي يقدمها الرحالة المغاربة للشباب الراغبين في خوض تجربة مماثلة؟
📌 اقرأ أيضًا
- خدعة النجوم الخمس.. كيف تقودنا المراجعات الإلكترونية وتؤثر على قراراتنا الشرائية؟
- بازل.. وجهة مثالية تمزج بين جمال النهر وروح المتاحف وسحر الشوارع القديمة
- الكفير.. مشروب خارق أم مبالغة صحية؟
- تغنيك عن المهدئات.. 7 مشروبات طبيعية تهدئ القلق والتوتر
- دراسة: ترشيح القهوة قد ينقذ حياتك وهذا عدد فناجين الإسبريسو الآمن يوميا
