تقلب السائحة المتقاعدة ليليان كومباس مجسما صغيرا لقصر مدينة “تيسدروس” الرومانية عند أحد الباعة الحرفيين، وهي تهم بدخول المسرح التاريخي مع دليل سياحي في زيارتها الأولى إلى تونس.
ووصلت ليليان على متن حافلة لوكالة أسفار مع سياح من فرنسا وبلجيكا قدموا من المنطقة السياحية بمدينة المهدية على الساحل الشرقي لتونس، إلى قرية الجم التي تبعد حوالي 40 كيلومترا.
وينتظر السياح بمرآب المسرح توجيهات الدليل السياحي باللغة الفرنسية قبل جولة استكشافية، بينما تسطع الشمس الحارقة على أطلال المعلم التاريخي المهيب، حيث تتصدر بقايا مدرجاته العالية واجهة المدينة.
وتقول ليليان وهي متقاعدة جاءت من بلجيكا “هذه المرة الأولى التي أزور فيها تونس عبر وكالة أسفار والدليل السياحي قدم لنا اليوم مفاجأة مميزة. لقد ذهبت إلى فرنسا وتركيا والجزائر لم أشاهد مثل هذه الهيبة. إن التاريخ يتكلم هنا”.
ولا تخفي السائحة الستينية دهشتها وهي تتحدث لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) بينما تتجول وسط أروقة أسفل المدرجات “الأمر المبهر هو السلاسة في النظام المبتكر ذلك الوقت لمغادرة آلاف المتفرجين المدرجات”.
وتضيف في إفادتها “جانب كبير من المعلم ما زال متماسكا. إنه رائع يمكننا تخيل المسرح مكتمل البناية”.

على طراز “الكولوسيوم”
يعد المدرج الكبير بتيسدروس، وهو التسمية الرومانية القديمة لمدينة الجم، إحدى نفائس العمارة الرومانية في تونس، وفي المناطق التي خضعت لحكم روما. ويعود بناؤه إلى الفترة ما بين عامي 238 و250، وهو أحدث المدرجات في العالم الروماني.
وقد بني على طراز “الكولوسيوم” الشهير في روما بطاقة استيعاب تصل إلى 35 ألف متفرج. وأدرج عام 1979 ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو.
وهو اليوم واحد من المعالم الأثرية الأكثر ارتيادا من جانب الزوار والسائحين في تونس، وتنافس شهرته مسرح قرطاج الأثري ومتحف باردو الوطني.
وقد نسفت الحروب في القرون الوسطى جانبا من الهيكل الخارجي للقصر لكنه ما يزال يحتفظ بجزء كبير من البناية تستخدمه وزارة الثقافة اليوم منصة للعروض الموسيقية والثقافية، ومن بينها المهرجان الدولي الشهير للموسيقى السيمفونية.
ويقول الدليل السياحي مهتدي الهواري لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) “السياح شرق أوروبا أو غربها يعرفون جيدا أن المسرح كان جزءا مهما من الإمبراطورية الرومانية. إنه يثير اهتمامهم وفضولهم بقوة ويأتون إلى هنا على مدار العام”.
ويتابع الهواري “الهندسة المعمارية للمسرح هي نفسها في باقي مناطق الإمبراطورية. وهذا يثير اهتماما وفضولا أكبر للسياح القادمين من الغرب”.

قصر الجم
بحسب المعلومات التي يقدمها معهد التراث في تونس، شيد القصر بفضل هبة منحها للمدينة الإمبراطور غورديان الثالث (238-244).
وفي تفصيل خارطة المبنى، يأخذ القصر شكلا بيضاويا مقسما إلى قطاعات متناظرة وفقا للمحاور الرئيسية. ويشمل مجموعة متميزة بدقة التصميم وبراعته، من الأعمدة والأقواس الداعمة للأقبية التي ترتكز عليها المدارج والسلالم والأروقة.
كما يتميز المبنى من الخارج بضخامته وتتضمن الواجهة، المبنية من الحجر المصقول، 3 مستويات تضم كل منها 64 عقدا تفصلها أعمدة نصف أسطوانية.
ويمكن بلوغ الأجزاء السفلية للمعلم عن طريق مدارج تؤدي إلى رواقين تحت الأرض يمكن الوصول إليهما من الخارج عن طريق مدارج متعامدة مع المحاور الرئيسية، حيث تربط المعلم بالإسطبلات.
وتقول فابيان فاندرمال السائحة القادمة من مدينة ليل أقصى شمال فرنسا “المسرح مذهل والبناية رائعة. أعرف عنه القليل لكن هذه المرة الأولى التي أشاهده فيها عن قرب. إنه يستحق الزيارة بالفعل”.
وقال رفيقها تشيري فاندرمال “إنه معلم مهيب يدفعك لأن تتخيل كيف كانت الحياة هنا وكيف كان الناس يعانون”.
وتحت الحلبة يمكن مشاهدة غرف كانت مخصصة لإيداع الوحوش التي تستخدم للعروض المقامة بالمدرج، وتتوسطها فتحة كبيرة توفر الهواء والضوء للمنشآت السفلية. كما يوجد بها منفذان يستخدمان لرفع أقفاص الوحوش إلى مستوى الحلبة بواسطة روافع من الخشب والحبال.
ويقول الهواري “المفارقة الكبيرة في قصر الجم أنه يعد تجسيدا لذروة العمارة الرومانية، ولكنه في نفس الوقت يعتبر شاهدا على قسوة الحياة هناك. كان الناس يأتون إلى هنا ليستمتعوا بمصارعة الأسود للبشر”.

جمال ينتظر الرعاية
ومن أعلى نقطة في المدرج الثالث بالمسرح يمكن مشاهدة أغلب شوارع وبنايات مدينة الجم، وهي مدينة صغيرة اشتهرت تاريخيا بالتجارة في زيت الزيتون وصناعة الملابس الجاهزة والجلود وإنتاج الفسيفساء.
ولكن ترتبط أنشطة الحرفيين والسياحة -في أغلبها- بتدفقات الزائرين على مدار العام على قصر الجم والحفلات والمهرجانات الموسمية التي تنظم على المسرح.
ويقول حرفي يبيع مجسمات لقصر الجم وتحفا صغيرة، تحاكي مستلزمات الحياة بالمدينة القديمة، إن الاقبال جيد ويتزايد مقارنة بالسنوات السابقة التي أعقبت فترة تفشي جائحة كورونا.
ولكن المنطقة تحتاج إلى مزيد من النظافة والعناية البيئية، مضيفا “بقايا البلاستيك في كل مكان. هذا يسيء إلى السياحة”.
ومع ذلك، تواصل فابيان فاندرمال الاستمتاع بجولتها في الجم بعد أن كانت زارت مسرح قرطاج بالعاصمة وقرية سيدي بوسعيد الشهيرة وجزيرة جربة.
وتقول بحماس لـ”د ب أ” إنها تريد أن تستمتع بجمال الطقس “قبل العودة إلى الطقس البارد في ليل”.
وعلى الرغم من زيارتها السابعة إلى تونس. تخطط فاندرمال لاصطحاب أبنائها في زيارة جديدة للمسرح الروماني في الجم، الموسم السياحي المقبل.
تحليل وتفاصيل إضافية
يعتبر كولوسيوم الجم التونسية مثالًا بارزًا على العمارة الرومانية في شمال إفريقيا، ويجسد القدرة الهندسية والرؤية الفنية للحضارة الرومانية. إن بقاء جزء كبير من هذا المعلم التاريخي يتيح للزوار تصور الحياة في تلك الفترة واستكشاف تفاصيل العمارة الرومانية. يمثل الكولوسيوم نقطة جذب سياحي رئيسية تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل للحرفيين والسكان المحليين. ومع ذلك، يواجه الموقع تحديات تتعلق بالحفاظ على نظافته وحمايته من التدهور، مما يستدعي تضافر الجهود من أجل الحفاظ على هذا الكنز الثقافي للأجيال القادمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز تجربة الزوار من خلال توفير المزيد من المعلومات التاريخية والتفسيرات المعمارية، وتنظيم فعاليات ثقافية متنوعة على مدار العام.
أسئلة شائعة حول كولوسيوم الجم التونسية
ما هي كولوسيوم الجم التونسية؟
متى تم بناء كولوسيوم الجم التونسية؟
ما هي أهمية كولوسيوم الجم التونسية؟
هل كولوسيوم الجم التونسية مدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو؟
ما هي الأنشطة التي تقام في كولوسيوم الجم التونسية؟
ما هي التحديات التي تواجه كولوسيوم الجم التونسية؟
📌 اقرأ أيضًا
- ”المجادِلة” يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025
- “المدينة ذات الأسوار الغامضة” رحلة موراكامي إلى الحدود الضبابية بين الواقع والحلم
- من مصر إلى كوت ديفوار.. رحلة شعب أبوري وأساطيرهم المذهلة
- راندا معروفي أمام جمهور “كان”: فلسطين ستنتصر رغم كل الظلم والصمت الدولي
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
