غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

منوعات

عارٍ من الاسم ومن الانتماء! ماذا تعرف عن وثائق الهوية التي يحملها الفلسطيني؟

نتائج الثانوية العامة

يحمل المواطنون المقيمون على كوكب الأرض بطاقات هوية وجوازات سفر موحدة تبعاً للدولة التي يحملون جنسيتها، ينتمون إليها أسوة بباقي إخوتهم المواطنين في الدولة ذاتها سواء كان عددهم بضع آلاف أو أكثر من مليار مواطن، هذه هي الحالة البديهية. لكن في البلاد الاستثنائية يعيش المواطنون ظروفاً استثنائية ويحملون وثائق استثنائية. والاستثنائية هنا لا تعني التميز بالضرورة، الاستثنائية واحدة من أهم مظاهر التفريق العنصري الذي تتعامل معه دولة الاحتلال “الإسرائيلي” بين الفلسطينيين ومواطنين “إسرائيليين”.

تقسم أرض فلسطين إلى 4 أجزاء يختص كل منها بخصوصية تحدياته والجهة الحاكمة له والوثائق التي يحملها، فتقسم إلى غزة، القدس المحتلة، الضفة المحتلة، أراضي 48 المحتلة. وامتداداً لأزمة الفلسطينيين من بحثهم عن كيان سياسي يمثلهم، وسيادة كاملة على أراضيهم، وطرد أي كيان محتل يقوم عليها، إلى أزمة شخصية بالاعتراف بهوية الفرد الوطنية بحجة أنه لا يمتلك دولة، وبالتالي تقييد حركته وفرصه في كل شيء يتعلق بالحركة والانتقال، وتفرض عليه العديد من القيود في حركته صعوداً وهبوطاً.

مثل فلسطين تفتقد للتمثيل السياسي كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، يفتقد الفلسطيني الاعتراف الدولي بمواطنته، وكما تُنكَر العدالة الشاملة للشعب الفلسطيني تعويضاً عن تهجيره وقتله، يُنظر إلى الفلسطيني كمشكلة فتحل بإجراءات مؤقتة كهوية سفر من دون اعتراف شرعي به، وكما ينكَر الحق الأصيل لكل فلسطيني في أرضه تسحب من كل فلسطيني حقوقه في الحركة والاستقرار حتى داخل فلسطين، لأن وجوده معترفاً به دولياً يفقد إسرائيل شرعيتها في هذه الأرض، فهو ابن البلد وصاحبها، ومهما تنكرتْ وصار عارياً من الاسم أو الانتماء؟ فهو قد ربى تراب هذه الأرض بيديه.

ماذا يحمل سكان القدس من وثائق؟

يحمل غالبية المقدسيين جواز السفر الأردني المؤقت، إضافةً إلى الهوية الإسرائيلية الزرقاء التي تعتبرهم بها إسرائيل مقيمين لا مواطنين. وللسفر عبر مطار بن غوريون الإسرائيلي، عليهم استصدار وثيقة السفر الإسرائيلية (ليسيه باسيه).

على أولى صفحات هذه الوثيقة كُتب باللغتين العبرية والإنجليزية “حامل هذه الوثيقة لا يتم التعامل معه على أنه يحمل مواطنة دولة إسرائيل”، وتُشرح هذه العبارة بالمعاملة التي يتلقاها في المطار بالتفتيش الدقيق والاصطفاف في طوابير تختلف عن حمَلة الجنسية الإسرائيلية.

وبمجرد صعود المقدسيين إلى الطائرة تنتهي صلاحية هذه الوثيقة ويبرزون جوازهم الأردني في الوجهة التي يَصلون إليها، وفي حال قرر المقدسي الاستقرار خارج القدس يسلبه الاحتلال حقه في اختيار مكان سكنه خارجها، لأنه ستُسحب الإقامة منه حاله كحال 14 ألفاً و661 مقدسياً فقدوا حق الإقامة بالمدينة المقدسة، والرقم السابق منذ عام 1967 حتى نهاية يوليو/تموز 2017، تبعاً لبيانات الداخلية الإسرائيلية.

ماذا يحمل فلسطينيو الداخل من وثائق؟

أما فلسطينيو الداخل/ فلسطينيو 48، فتطلق هذه التسمية على الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم عند احتلال “إسرائيل” لفلسطين عام 1948، وخضعوا لحكم الاحتلال وأُعطوا الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة الدائمة. ويعيشون داخل إسرائيل بحدود الخط الأخضر، أي خط هدنة 1948م. ويمثلون ما نسبته 21% من سكان إسرائيل، وفقاً لإحصائيات عام 2023. يتوزعون في مناطق النقب والمثلث وشمال الأراضي المحتلة.

فيقعون تماماً تحت الحكم “الإسرائيلي” بالمطلق، ويحملون الجنسية الإسرائيلية التي حصلوا عليها عام 1952، باستثناء العرب سكان القدس الشرقية الذين يحملون الإقامة فقط. ويكتب في هويتهم أن عرقيتهم عربية، وهم مواطنون من الدرجة الثالثة بعد اليهود الأشكناز واليهود الشرقيين العرب، ثم عرب 48، ويليهم يهود الفلاشا.

ماذا يحمل الفلسطيني في الضفة من وثائق؟

بالنسبة للفلسطينيين المقيمين في غزة، والضفة الغربية المحتلة والذين يعتبرون في مناطق فلسطينية لا تقع إدارياً تحت سلطة حكومة الاحتلال، يحمل سكان الضفة الهوية الخضراء الصادرة عن السلطة الفلسطينية، إضافة إلى الجواز الفلسطيني الصادر عن السلطة الفلسطينية أو الجواز الأردني المؤقت أو كليهما معاً.

ويُمنع هؤلاء من دخول مدينة القدس والأراضي المحتلة عام 1948 إلا بتصريح يصعب استخراجه، ويضع الاحتلال قيوداً معقدة لإصداره، ومن ثم فإن الأماكن المتاحة لتحرك هؤلاء هي المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية فقط.

ولكن يصل بعضهم خفيةً إلى مناطق محظورة عليهم في الداخل المحتل والقدس، متجاوزين حواجز عسكرية إسرائيلية ودوريات شرطة، باتخاذ مساراتٍ التفافية قد تكون سيراً على الأقدام في الأحراش والأراضي الوعرة، كما هو الحال في أيام شهر رمضان بغية رباطهم في المسجد الأقصى المبارك، إضافة إلى تجاوز جدار الفصل العنصري. ووثقت عدسات الكاميرا شباناً فلسطينيين يتسلقون الجدار العازل؛ للوصول إلى القدس من الضفة الغربية، وفي حال تم كشف أمرهم من قبل الشرطة الإسرائيلية فمصيرهم حتماً الاعتقال.

أما بالنسبة لحركة سكان الضفة الغربية خارج حدود فلسطين، فيضطرون إلى السفر من معبر الكرامة الواقع على الحدود الفلسطينية الأردنية، ويستخدمون كل الوثائق التي يحملونها، في الجانب الفلسطيني يبرزون الهوية الفلسطينية، وعند الجانب الإسرائيلي يبرزون تصريح السفر، وحين وصولهم إلى جسر الأردن عليهم إبراز جوازهم الفلسطيني أو الأردني مع بطاقة الجسور الخضراء التي تثبت أنهم حمَلة جوازات مؤقتة. بعد اجتيازهم المراحل السابقة يستطيعون الدخول إلى الأردن، ومن هناك التنقل أينما شاءوا من خلال المطارات.

ماذا يحمل الغزي من وثائق؟

للغزيين المقيمين في قطاع غزة المحاصر منذ يونيو/حزيران 2006، قصة مختلفة، بعد وصول عدد من اللاجئين لمصر استبدلت الحكومة المصرية بطاقات الهوية الفلسطينية الممنوحة لهم من بريطانيا ببطاقات هوية مصرية، وبعد عام 1949 مُنحوا وثائق سفر تحمل اسم حكومة عموم فلسطين أسوة بالفلسطينيين المقيمين في القطاع.

وأصبح الفلسطينيون في القطاع يحملون الوثيقة التي تُلزمهم الحصول على إذن من الحكومة المصرية وحكومة عموم فلسطين لمغادرة قطاع غزة، وبعد الحصول على الإذن يجب على صاحب الطلب الحصول على تصريح من الدولة التي ينوي زيارتها.

وحالهم كحال بقية فلسطين تعددت الوثائق في أيديهم والمعاناة واحدة، بعد تأسيس السلطة الفلسطينية أصبحوا يحملون بطاقات هوية خضراء وجواز سفر فلسطينياً، أما الهوية الزرقاء فأصدرتها الحكومة في غزة بعد توليها الحكم عام 2006، ولا تعترف بها إسرائيل للسفر عبر معبر بيت حانون (إيرز)، وتُعتبر وثيقة غير مألوفة بالنسبة للمؤسسات الخدمية في غزة باستثناء المؤسسات الحكومية، كذا لا تتعامل بعض البنوك والمراكز الصحية الخاصة مع هذه الهوية؛ لكونها غير معترف بها ولا تتشابه مع الوثائق الرسمية المتداولة في غزة.

أما جواز السفر الذي لا يحمل الرقم الوطني أو ما يسمى “بالمُصَفّر”، فلقد أمر بإصداره الرئيس محمود عباس عام 2017، وتم تفعيله عبر معبر رفح لوقت قليل من العام نفسه، ثم تم منع السفر به عام 2018. والجواز المصفر أصدر للغزيين الذين وُلدوا في الخارج ولم يكتسبوا رقم هوية فلسطينية لولادتهم في الخارج، كما أنهم لا يحملون جنسية الدولة المقيمين فيها وظلوا على وثائق السفر المؤقتة مثل وثيقة السفر المصرية.

صاحب جواز السفر المصفر مواطنون لا تعترف بهم السلطة الفلسطينية على مستوى الممارسة؛ فلم تُصدَر لهم أرقام هوية؛ وذلك لأن السلطة بعد أوسلو ورثت الوضع القانوني للفلسطينيين تحت الاحتلال، إذ اعتمدت التعداد السكاني الذي نفذته سلطات الاحتلال الإسرئيلية بعد هزيمة 1967م، أما من كان بالخارج ولم يُحصَر فلم تعترف به إسرائيل ولا بذريته من بعده، وعلى ذلك مشيت السلطة الفلسطينية.

ولا يسمح للغزيين بالسفر إلا بشروط بالغة الصعوبة والتعقيد وتحت رحمة قوائم الانتظار الطويلة التي تبدأ من شهر وقد تصل إلى سنة أو أكثر.

إقرأ أيضاً: من بينها ماليزيا وفنزويلا.. دول يمكن الدخول إليها دون فيزا لحاملي الجواز الفلسطيني

من أين يسافر الغزّي وإلى أين؟!

يسمح له بالسفر من سجن غزة الكبير من خلال المنفذ الوحيد للعالم المتمثل في معبر رفح المغلق غالباً والموجود على الحدود الفلسطينية المصرية، باستخدام جواز السفر الفلسطيني وبعد الوصول إلى مطار القاهرة يتجهون إلى وجهتهم الرئيسية.

لكن الأمر ليس بتلك السهولة فرحلة السفر من غزة معقدة وطويلة، وتكون أول مرحلة هي التسجيل في قوائم السفر، والانتظار مدة ليست بالقصيرة إلى حين صدور الاسم بكشوفات المسافرين حسب الفئات التي تسمح الحكومة المصرية بسفرهم، مثل الطلاب، والمرضى، وأصحاب الإقامات والتأشيرات، وبالتأكيد السياحة ليست من ضمن أسباب السفر المقنعة بالنسبة لهم.

بعد الانطلاق في رحلة الوصول إلى العاصمة المصرية القاهرة، يلزم الأمر أن تمر على الجانب الفلسطيني ومن ثم الجانب المصري الذي تستغرق إجراءات السفر فيه ساعات وساعات وقد تمتد لأيام، فيجب إتمام الحصول على التأشيرة المصرية في القاعة، والمرور بعدة مراحل مملة مثل تبرير سبب السفر وإظهار كل الأوراق المدللة على ذلك، وقد يتخلل الرحلة المرهقة إجراء مقابلة مع ضابط المخابرات، وعندما ينتهي الانتظار بالصالة يجب إشهار جواز السفر على كل “كمين” للجيش المصري في سيناء حتى الوصول إلى مطار القاهرة.

أما معبر بيت حانون (إيرز) الخاضع للسيطرة “الإسرائيلية” فيمنع على معظم الغزيين ويتاح لنسبة ضئيلة منهم ممن لا تعتبرهم إسرائيل يشكلون خطراً مباشراً عليها، مثل كبار التجار والمرضى أصحاب الأمراض المزمنة في مراحلهم الأخيرة من المرض، ويكونون تحت قيود التحرك بالأراضي المحتلة.

أما إذا اضطر أولئك الغزيون للسفر إلى دول مختلفة مروراً بالمملكة الأردنية عبر معبر الكرامة، فعليهم أولاً التقدم بطلب عدم ممانعة أمنية من السفارة الأردنية في رام الله كي يسمح لهم الأردن بدخول أراضيه، وعليهم استصدار تصريح للمرور من معبر إيرز العسكري، وهناك يبرزون تأشيرة الدولة المسافرين إليها، إضافة إلى حاجتهم لجوازهم الفلسطيني لإبرازه على جسر الأردن، ومع ذلك يسمح لهم في حالات نادرة جداً بمغادرة البلاد عبر معبر الكرامة.

ويعتبر الغزيون أكثر من يعيش ظروفاً قاسية بين الفلسطينيين، بسبب الحصار المحكم والأوراق الرسمية التي لا تتيح لهم دخول أي من الأراضي المحتلة، خاصة بعد اقتحام شارون المسجد الأقصى يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 والذي كان شرارة اندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية دامت 5 سنوات.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة