في تاريخ مضى، شهدت ثقافات مختلفة محاولات للبحث عن الحياة الأبدية وإكسير الحياة. في الصين، أمر أحد الأمراء بالبحث عن إكسير الحياة للإمبراطور الأول للصين. أما في فرنسا خلال القرن السادس عشر، فاعتقد النبلاء أن شرب الذهب قد يساعد في تمديد عمرهم.
في الوقت الحالي قامت شركة تكنولوجية أمريكية بصناعة ما أطلق عليه توابيت الخلود أو توابيت إعادة إحياء الموتى بشكل آخر، إلا أن هذه التوابيت تُكلف صاحبها آلاف الدولارات، فما قصتها؟
حب الخلود في الدنيا عبر التاريخ
تُجسد قصة جلجامش، الملك السومري، في أقدم قصيدة ملحمية للبشرية، محاولات الإنسان للعثور على الخلود. اكتشف جلجامش نباتاً سحرياً، ولكنه فقده بعد أن أكلته أفعى. هذه القصة تعكس رغبة الإنسان القديم في تحقيق الحياة الأبدية.
مع تقدم العلم في العصور الحديثة، أصبحت محاولات البحث عن الحياة الأبدية أكثر علمية. في عام 2015 وبشكل خاص في عام 2019، أظهرت تطورات في مجال البحث العلمي أن هناك جهوداً مستمرة لفهم آليات الشيخوخة وتعديلها. تم تمويل بعض هذه الأبحاث بواسطة نخب وادي السيليكون.
الباحثون الحديثون يعتقدون أنهم أقرب من أي وقت مضى إلى تعديل جينات الإنسان أو تطوير تكنولوجيا تسمح بتحسين طول العمر. ومع ذلك، يتعين على هذه الجهود أن تتعامل مع مجموعة من التحديات الأخلاقية والفلسفية، بما في ذلك الأثر المحتمل على التوازن البيئي والمسائل المتعلقة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية.
بداية إنشاء توابيت الخلود
قبل نصف قرن تقريباً، خاض العلماء مرحلة رائدة في عالم الحفظ بالتبريد، حيث قاموا بأول عملية تبريد لجثة إنسان متوفى، وهو جيمس بيدفورد، الذي فارق الحياة بسبب سرطان البنكرياس. وفقاً لوصيته، تم تجميد جسده في النيتروجين السائل في ساعات قليلة بعد وفاته ويطلق على مكانه توابيت الخلود.
استمر جسد بيدفور لخمسة عقود تحت درجة حرارة -196 درجة مئوية، وكان يحلم بأن يعيد إليه الحياة في مستقبلٍ غير بعيد، وسط تقدم التكنولوجيا البشرية في مجال علاج السرطان وحتى الموت نفسه.
يحتفل أنصار هذا النهج بيوم 12 يناير/كانون الثاني كيوم لجيمس بيدفور، منذ تجميده في عام 1967، ولكن للأسف، لم يحقق المستقبل المتخيل القدرة على إعادة الحياة للجثث المحفوظة بتوابيت الخلود المزعومة.
مع تقدمنا نحو القرن الواحد والعشرين، يظهر أن التقدم في مجال الحفظ بالتبريد “توابيت الخلود” لم يكن بالمستوى المأمول خلال النصف قرن الماضي. يشير العلماء اليوم إلى أن الطريقة البدائية التي تم بها تجميد جيمس بيدفور قد لا تكون كفيلة جداً في جانب الحفظ.
بل، كانت بلورات الجليد التي تكونت تحت درجات حرارة تحت الصفر القصوى قد تسببت في تمزيق معظم خلايا جسده وتدمير الهياكل العصبية الهشة في دماغه، حتى لو تمت إذابة جليده في يوم من الأيام، يظهر أن جسد بيدفور قد تعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها، حتى بالنسبة للبشر التقنيين الذين قد يظهرون في المستقبل كآلهة.
توابيت الخلود خلال القرن الـ21
حسب موقع “badphilosopher” الأمريكي، منذ بداية القرن الـ21 شهدت عملية التحفيظ بالتبريد تحولاً جوهرياً مع اعتماد عملية التزجيج، أو ما يُعرف بتوابيت الخلود، كمعيار جديد. في هذا النهج، يُستخدم نوع من المحاليل المُضادة للتجميد في الجسم بشكل شامل استعداداً للتبريد، بدلاً من تجميده بالكامل.
تهدف هذه العملية إلى منع تشكل بلورات الجليد في درجات حرارة تحت الصفر، بهدف حماية الخلايا وتجنب التلف الذي يُشير إليه الباحثون بـ “تكسير” الأعضاء الكبيرة. يرى البعض أن هذا النهج الجديد يُعتبر خطوة إيجابية نحو الحفاظ على الجسم بدلاً من تدميره، مع فرصة للإنعاش في المستقبل، داخل هذه التوابيت.
لسوء الحظ، فإن الإجراء البدائي الذي خضع له جيمس بيدفورد لم يكن على نفس المستوى. على سبيل المثال، المحلول المُضاد للتجميد، المعروف بـ “الحماية من البرد”، الذي يهدف إلى حماية الخلايا من درجات الحرارة القصوى تحت الصفر، يظهر أنه شديد السمية وقد يُسبب تلفاً لا رجعة فيه للخلايا.
تظهر صعوبات أخرى في توزيع المحلول بشكل متساوٍ في الجسم، خاصة عند وفاة الفرد. لا يوجد ضمان بأن المحلول سيكون قادراً على حماية كل خلية، أو حتى اختراق أنسجة الأعضاء بشكل كافٍ لضمان فاعلية العملية.
نتيجة لهذه التحديات، تعرضت عملية الحفظ بالتبريد “توابيت الخلود” لانتقادات واسعة باعتبارها عملية غير عملية في المجتمع العلمي. ومع ذلك، فإن هذا لم يثنِ عدداً كبيراً من الأشخاص عن خوض هذه التجربة، حيث خضع المئات للحفظ بالتبريد، وقام آلاف آخرون بتسجيل أنفسهم لتنفيذ العملية بعد وفاتهم. يصل سعر هذه العملية إلى ما يزيد على 200 ألف دولار أمريكي للتكلفة الكاملة.
يُظهر هذا السيناريو المعقد أن العملية لا تزال تثير الكثير من التساؤلات والتحفظ في الوسط العلمي. وعلى الرغم من ذلك، تبقى الرغبة في استكشاف طُرق جديدة للحفاظ على الحياة بعد الموت تحتفظ بقوتها وتطوّرها، وسط تحديات علمية وأخلاقية.
أمل العودة إلى الحياة
حسب موقع “theguardian” البريطاني تعد توابيت الخلود إنجازاً علمياً؛ حيث نجح العلماء في تجميد بعض العينات الصغيرة من الأنسجة البيولوجية دون فقدان وظيفتها. يتمثل ذلك في تجميد الأجنة البشرية والحيوانات المنوية والبويضة الأنثوية، مما يمكن استخدامها لاحقاً في حالات الحمل الناجحة لفترات طويلة، حتى بعد عقود من الحفظ.
يعد تجميد هذه العينات الصغيرة أسهل نسبياً؛ نظراً لإمكانية تبريدها بسرعة أكبر وبشكل موحد، دون الحاجة إلى القلق بشأن تكوين بلورات الجليد. وهذا يكون ذا أهمية خاصة في تجميد أعضاء الإنسان بأكملها، مثل القلب والكبد، حيث يكون الحفظ والتخزين لعمليات زرع الأعضاء لاحقاً غير عملي.
على الرغم من تطور العلم، فإن ما مرَّت به عملية حفظ جيمس بيدفورد في توابيت الخلود قبل خمسين عاماً لا يزال يظل مصدر قلق وتساؤل. يُظهر ذلك بالتأكيد في عجز العلم عن تحقيق الإنعاش بعد التجميد بشكل فعّال حتى الآن.
على الرغم من التقدم في مجال الحفظ بالتبريد، إلا أن هناك تحديات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالحفاظ على الوعي. بالرغم من أن الكثيرين يتطلعون إلى الاستيقاظ في المستقبل بفضل التكنولوجيا المتقدمة، إلا أن مفهوم الوعي وتجسيد الذات يظل أمراً معقداً وغير مضمون.
توابيت الخلود تشير إلى رغبة البعض في تجنب الموت، ولكن يثير هذا الاختيار تساؤلات حول فهمنا للذات والتغيير الدائم الذي يحدث في حياتنا. يبرز أن التغيير الذي نخضع له يشكل جزءاً أساسياً من تجربتنا، وأن الذات ليست ثابتة ولا تبقى ثابتة عبر الزمن.