أعادت دعوى جنوب أفريقيا التي رفعتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة يوم، في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى الأذهان صورة القائد الفذ الذي ناضل ضد نظام الفصل العنصري واستطاع تحقيق نظام ديمقراطي متعدد الأعراق كرمز للسلام والمصالحة، ليصير أول رئيس من ذوي البشرة السمراء لجنوب أفريقيا 1994-1999، ويصبح في ما بعد رمزاً يجسد النضال ضد الظلم في شتى أنحاء العالم.
في هذه المقالة نرشدكم إلى مجموعة من الكتب التي أرّخت لحياة نيلسون مانديلا من منظوريها الشخصي والعالمي كملحمة من ملاحم القرن العشرين:
رحلتي الطويلة من أجل الحرية
أول كتاب نقترحه عليكم هو سيرة ذاتية مؤثرة من تأليف نيلسون مانديلا نفسه بعنوان “المسيرة الطويلة نحو الحرية”، يتكون الكتاب من 496 صفحة، وتم نشر الطبعة الأولى منه في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 2010، ويروي لنا نيلسون فيه ملحمة يراوح فيها بين النضال والنكسة والأمل المتجدد والانتصار النهائي.
كما يحدثنا نيلسون في كتابه كيف نشأ كابن بالتبني لأحد زعماء قبيلة تيمبو، في ظل الثقافة القبلية التقليدية لأسلافه، لكنه فهم في سن مبكرة الواقع الحديث الذي لا مفر منه لما أصبح يسمى الفصل العنصري، وهو أحد أقوى أنظمة القمع وأكثرها فاعلية.
كما يحكي لنا نيلسون عن سنواته الأولى كطالب فقير وكاتب قانون في جوهانسبرغ، وعن صحوته السياسية البطيئة، وعن دوره المحوري في إعادة ميلاد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الراكد وتشكيل رابطة الشباب في الخمسينيات.
ويصف لنا كيفية فوز حزبه المؤتمر الوطني الأفريقي في أبريل/نيسان 1994، بأول انتخابات في جنوب أفريقيا بالاقتراع العام، ثم كيف أدى في 10 مايو/أيار اليمين كرئيس لأول حكومة متعددة الأعراق في البلاد. ويروي أيضاً تأسيسه في عام 1995 لجنة الحقيقة والمصالحة، التي قامت بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في ظل نظام الفصل العنصري، وقدم مبادرات الإسكان والتعليم والتنمية الاقتصادية المصممة لتحسين مستويات معيشة السكان السود في البلاد.
وتعد هذه السيرة الذاتية الثرية من أهم المراجع التي يمكن من خلالها التعرف على ملامح تجربة نيلسون مانديلا النضالية الفذة التي أسفرت بعد أكثر من نصف قرن عن انتصار إرادة الجماهير المضطهدة وعودة السلطة إلى الأغلبية الأفريقية.
مانديلا.. السيرة الذاتية الموثقة
الكتاب الثاني الذي نقترحه عليكم للتعرف على سيرة نيلسون مانديلا هو من تأليف الصحفي الراحل أنتوني سامبسون، ونشرت هذه السيرة الذاتية في عام 1999، بعد خمس سنوات فقط من كتابة سيرة مانديلا الذاتية “الطريق الطويل نحو الحرية”.
ولقيت رواية سامبسون عن حياة المحارب المخضرم ترحيباً جماهرياً واسعاً باعتبارها الأكثر شمولاً واستنارة فيما يتعلق بتفاصيل بدايات مانديلا كمحامٍ، ومسيرته السياسية، والسجن، وانتخابه في نهاية المطاف كأول رئيس صاحب بشرة سوداء لجنوب أفريقيا. حيث عرف “أنطوني سامبسون” مانديلا منذ بداية خمسينات القرن العشرين، وقد قام بمئات من المقابلات الشخصية مع زملاء لمانديلا، وأصدقائه، وأفراد أسرته، كما قابل سجانيه، وأفارقة ووزراء سابقين، وهو أول شخص يطلع على أرشيف السجن في جنوب أفريقية، وعلى الوثائق الدبلوماسية فيها، وفي بريطانيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
بالإضافة إلى سنوات من البحث المتعمق والدقيق قبل إصدار كتابه لتقديم نظرة شاملة على حياة مانديلا وإنجازاته وهو ما يجعله من الكتب المؤثرة التي تناولت سيرة مانديلا والتي تستحق القراءة.
سيرة نيلسون من تأليف المؤرخ مارتن ميريديث
نشر المؤرخ والصحفي مارتن ميريديث عام 1998 رواية يسرد فيها رحلة نيلسون مانديلا من السجن إلى الرئاسة. وهو أيضاً غوص عميق في بدايات الفصل العنصري، وشخصياته الرئيسية، وكيف تعرض السود في جنوب أفريقيا وقادة التحرير للمعاملة الوحشية المنهجية.
ويعتبر مارتن في كتابه “سيرة نيلسون” أن قيادة وشجاعة نيلسون قبل كل شيء هي التي ساعدت في تحقيق نهاية سلمية للفصل العنصري في جنوب أفريقيا بعد سنوات من الانقسام العنصري والعنف، وفي تأسيس ديمقراطية ناشئة هناك.
لقد حظيت الصورة الحية التي قدمها مارتن ميريديث للقائد نيلسون مانديلا بالاستحسان باعتبارها عملاً مثالياً للسيرة الذاتية يقدم قراءة جديدة حول نيلسون الرجل وعصره.
وتم نشر “سيرة نيلسون مانديلا” في الوقت الذي تحتفل فيه جنوب أفريقيا بمرور 100 عام على تأسيسها واستضافتها لكأس العالم 2010.
نيلسون مانديلا واللعبة التي صنعت أمة
بعد إطلاق سراحه من السجن، ركز مانديلا على كيفية استغلال نجاح فريق الروغبي الوطني لتعزيز الوحدة بين مواطني جنوب أفريقيا خلال مراحل نشوء الديمقراطية.
كتب هذا الكتاب جون كارلين ونشر في عام 2008، وهو يروي قصة كيف أدى دعم مانديلا لفريق سبرينغبوكس، ودعمه للقائد الوطني، فرانسوا بينار، إلى فوز جنوب أفريقيا بكأس العالم للروغبي عام 1995.
تم تحويل هذا العمل إلى فيلم Invictus لعام 2009، الذي أخرجه كلينت إيستوود وقام ببطولته مات ديمون بدور فرانسوا بينارومورجان فريمان بدور نيلسون مانديلا.
وتكمن ميزة الكتاب مقارنة بالمؤلفات الأخرى التي تناولت سيرة مانديلا في توضيحه برواية إنسانية كيف أن الرياضة، التي كانت في السابق حكراً على الأقلية الناطقة باللغة الأفريكانية في جنوب أفريقيا، أصبحت توحد أمة جديدة، ويعلّمنا كيف يمكن لشيء رمزي للعبة كرة القدم أن تساعد الناس على الارتقاء بأنفسهم ليتجاوزا خلافاتهم.
“أتذكر نيلسون مانديلا”
برعاية زوجة مانديلا، غراسا ماشيل، تم إصدار كتاب “أتذكر نيلسون مانديلا” في عام 2018، وهو عبارة عن مجموعة من ذكريات أولئك الذين عملوا معه بشكل وثيق خلال فترة رئاسته، كما يحتوي الكتاب على قصص شخصية تظهر الجانب السخي والعاطفي والإنساني لرجل الدولة الذي كان يدعو إلى السلام والتحرر.
من الحكايات التي تدفئ القلب إلى الحكايات الفكاهية، ستشعر وأنت تقرأ الكتاب وكأنك تتجول داخل مستودع للذكريات صنعه الذين عاشروا مانديلا عندما كان لا يزال على قيد الحياة.
“الإفراج عن نيلسون مانديلا: 11 فبراير 1990”
في حين ركزت العديد من الكتب على سيرة مانديلا في حياته بشكل عام، في هذه الرواية الصادرة عام 2004، تركز الكاتبة ليز جوجيرلي على اللحظة التي تم فيها إطلاق سراح مانديلا من السجن بعد 27 عاماً، وأهمية تلك اللحظة لرمزيتها باعتبارها نهاية للفصل العنصري.
يشرح الكتاب خلفية كيف ولماذا أصبح مانديلا سجيناً سياسياً لفترة طويلة، ثم يواصل النظر في التغييرات التي حدثت في جنوب أفريقيا لجعل إطلاق سراحه ممكناً.
كما تسلط ليز جوجيرلي في كتابها الضوء على النجاحات الرئيسية التي حققها الزعيم بعد إطلاق سراحه، وكيف تغير المشهد الاجتماعي والسياسي في جنوب أفريقيا نتيجة لذلك.
وفي نهاية كتابها تنقل لنا ردود أفعال بقية مجتمعات العالم، وما إذا كان مانديلا قد نجح في الارتقاء إلى مستوى توقعات هؤلاء الأشخاص الذين حلموا بإطلاق سراحه لفترة طويلة.
“طريق مانديلا: 15 درساً في الحياة والحب والشجاعة”
بعيداً عن توثيق حياة مانديلا من حيث السيرة الذاتية، يستخلص هذا الكتاب 15 درساً ملهماً من زعيم جنوب أفريقيا منها التضحية لأجل الخير والتحلي بالشجاعة
ويعد كتاب “طريق مانديلا” الذي كتبه ريتشارد ستنجل ونشر لأول مرة في عام 2009 بمثابة شهادة على الإرادة غير العادية للروح الإنسانية فيما يتعلق بالحب والحياة والشجاعة لما يقرب من ثلاث سنوات، بما في ذلك الفترة التي انتخب فيها مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا كأول انتخابات متعددة الأعراق تشهدها البلاد في تاريخها.
تعاون ستنجل مع مانديلا في كتابة سيرته الذاتية، “المسيرة الطويلة نحو الحرية”، وسافر معه في كل مكان تناول الطعام معه، وشاهد حملته الانتخابية، وسمعه يفكر بصوت عالٍ، وتعرف ستنجل على جميع الجوانب المختلفة لمانديلا وأصبح صديقاً وزميلاً له.
يجسّد هذا الكتاب المنعش روح مانديلا كرجل استثنائي المحارب، والقائد الأخلاقي، ويدفعنا إلى النظر داخل أنفسنا، والأشياء التي نعتبرها أمراً مفروغاً منه، والتفكير في الإرث الذي سنتركه وراءنا.