بعد سنوات طويلة من الغياب، عادت الفنانة المصرية نجاة الصغيرة لتصدّر المشهد الإعلامي والفني من جديد، بعد أن أطلت على الجمهور، خلال حفل توزيع الجوائز في السعودية “جوي أوورد”، الذي غنَّت وكُرّمت فيه.
ولنجاة الصغيرة مشوار فني حافل، بدأ منذ نعومة أظافرها، خصوصاً أنها تنحدر من عائلة فنية، فهي الأخت غير الشقيقة لسعاد حسني، وقريبة الفنان السوري الشهير أنور بابا.
شاركت في العديد من الأفلام والمسرحيات الشهيرة، وأبدعت في تقديم الأغاني التي أثرت في قلوب وأذهان الجماهير، إذ بعضها ما زال يتم ترديده إلى غاية الآن، من بينها أغنية “عيون القلب”، و”أمّا براوة”.
اعتزلت الفن قبل 22 سنة، لكنها قررت العودة من جديد سنة 2017 بأغنية خاصة، لكنها عادت تتوارى عن الأنظار من جديد، لتكون بداية 2024 بداية جديدة لها، وهي في الـ86 من عمرها.
نجاة الصغيرة.. البداية من عائلة فنية
وُلدت نجاة الصغيرة ذات الأصول السورية، في مدينة القاهرة بمصر سنة 1938، وهي ابنة الخطاط السوري الشهير محمد حسني البابا، وابن عم والدها هو الفنان أنور بابا، وأخت الفنانة الراحلة سعاد حسني.
كان بيتها ملتقى للفنانين والموسيقيين، ومنهم تعلمت الغناء والتمثيل، وهو ما جعلها تخطو خطواتها الأولى في عالم الفن وهي الخامسة من عمرها، عندما كانت تغني في التجمعات العائلية، وعندما وصلت لسن الثامنة شاركت في أول فيلم لها بعنوان “هدية”.
وقد وصفها الصحفي المصري خلال بدايتها بجملة قال فيها: “إنها الصغيرة التي تحتاج إلى رعاية حتى يشتد عودها، وفى حاجة إلى عناية حتى تكبر، وهى محافظة على موهبتها، مبقية على نضارتها”.
التمثيل في مسيرة نجاة الصغيرة
استمرت نجاة الصغيرة في الظهور في السينما والمسرح، إذ قدمت أعمالاً جد ناجحة، من خلال التعامل مع كبار المخرجين والممثلين والمؤلفين، نذكر من بينهم يوسف شاهين، وعبد الحليم حافظ، وطه حسين، وإسماعيل ياسين، وأحمد رمزي.
من أشهر أفلامها التي قادتها إلى النجومية، نجد كلاً من “الشموع السوداء”، و”بنت البلد”، و”القاهرة في الليل، و”سبعة أيام في الجنة”، و”المصير”، و”المرأة الثانية”، و”ابنتي العزيزة”.
كان لنجاة الصغيرة ظهور كذلك في الشاشة الصغيرة، من خلال المشاركة في مجموعة من المسلسلات الناجحة، نذكر من بينها “الملك فاروق” و”المصراوية”.
الغناء.. شغف نجاة الأكبر
كان الغناء بالنسبة لنجاة الصغيرة هو شغفها الأكبر، فقد قدمت باقة كبيرة من الأغاني الناجحة، التي جعلت اسمها يلمع إلى جانب نجوم جيلها، خصوصاً أنها جاءت في نفس الحقبة، التي كانت تعرف نجاح أصوات مهمة جداً في مصر، مثل أم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ.
وبالرغم من أن بدايتها الفنية كانت من خلال إعادة غناء أغاني أم كلثوم، إلا أن الأمر لم يطل، بعد تدخل محمد عبد الوهاب، الذي تقدم بشكوى ضد والدها، الذي كان يجبرها على تأدية هذه الاغاني، كنوع من التدريب لصوتها، الشيء الذي جعلها تصدح بصوتها من خلال أعمال خاصة بها.
فقد غنت نجاة الصغيرة بألحان كبار الملحنين، مثل زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب، وبليغ حمدي، ومحمد الموجي، ورياض السنباطي، وسيد مكاوي، وحلمي بكر، وكمال الطويل.
كما كتب لها كبار الشعراء في عصرها، مثل أحمد رامي وبيرم التونسي ومأمون الشناوي، ونزار قباني، هذا الأخير الذي كان من بين المهتمين بصوتها.
من أشهر أغاني نجاة الصغيرة، التي ما زالت تتردد إلى غاية وقتنا الحالي، نجد كلاً من “عيون القلب” و”إلا أنت” و”باين عليا حبه” و”أيظن” و”ساكن قصادي” و”أنا بعشق البحر” و”لا تكذبي” و”القريب منك بعيد” و”الطير المسافر” و”أما براوة”.
“زواج وطلاق، اعتزال وعودة”.. محطات كبرى
دخلت نجاة الصغيرة القفص الذهبي مرتين، الأولى سنة 1955، عندما كانت تبلغ من العمر 15 سنة، إذ تزوجت من كمال منسي الذي كان صديقاً لشقيقها، وأنجبت منه طفلها الوحيد وليد، وانتهى هذا الزواج بعد 5 سنوات.
كان زواج نجاة الثاني سنة 1967، عندما ارتبطت بالمخرج وكاتب السيناريو المصري حسام الدين مصطفى، إلا أن هذا الزواج لم يستمر طويلاً كذلك، ومنذ ذلك الوقت لم ترتبط بأي شخص ثانٍ، وكان تركيزها على الفن وتربية طفلها فقط.
إلا أن سنة 2002 كانت سنة اعتزال نجاة الصغيرة، بعد أن أطلت على جمهورها لآخر مرة في مهرجان قرطاج بتونس.
وقد جاء هذا القرار بعد أن شعرت أن الزمن فنياً قد اختلف عما كان عليه سابقاً، وأن ذوق الجمهور تغير، فقالت :”لا أريد أن أغني في عصر لا يفهمني”.
اختفت عن الأنظار لمدة طويلة، وقد قيل إنها تتلقى العلاج في لندن، وإنها تنتقل بين مصر وبريطانيا بين الحين والآخر، بعيداً عن الأضواء والنجومية.
إلا أن صاحبة أغنية “عيون القلب” قررت الغناء من جديد سنة 2017، وأصدرت أغنية وحيدة، حملت عنوان “كل الكلام”، تعاملت فيها مع عبد الرحمن الأبنودي في الكلمات وطلال في الألحان، وصورتها على شكل كليب.
اختفت من جديد، ثم عادت نجاة الصغيرة، وهي تبلغ من العمر 86 سنة، على خشبة مسرح “جوي أوورد” في السعودية، حيث تم تكريمها، بعد أن قدمت أغنيتها “عيون القلب”، أمام الحاضرين، مرتدية فستاناً يشبه فستان الأميرات، باللون الأبيض السكري، الشيء الذي جعلها تخطف الأنظار إليها، وتصبح حديث هذا الحدث الفني السنوي الشهير.
جوائز وأوسمة تكريماً لمسارها
حصلت نجاة الصغيرة على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرتها الفنية الحافلة والغنية بالأعمال القوية الراسخة في عقول محبيها.
ومن بين هذه التكريمات، كان حصولها على وسام من الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، ووسامين من تونس، الأول من الرئيس الحبيبة بورقيبة، وزين العابدين بن علي.
كما حصلت على وسام آخر من الدرجة الأولى من ملك الأردن، إضافة إلى جائزة “الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس”، عن فئة “هؤلاء أسعدوا الناس”، وذلك بعد 4 سنوات من اعتزالها.