“نحن في حالة حرب”، هكذا أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فماذا يعني إعلان “حالة الحرب” في إسرائيل للمرة الأولى، منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973؟
ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وتقارير عن أسر جنود من جيش الاحتلال ومستوطنين وسيطرة فلسطينية على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها “في حالة حرب”.
إسرائيل تعلن “حالة الحرب”
جاء الحديث عن إعلان “حالة التأهب للحرب” من جانب المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي قال إن “الجيش يعلن حالة تأهب الحرب”، ونقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري عن الجيش، أنه “يعلن حالة الاستعداد للحرب في أعقاب وابل هائل من الصواريخ من قطاع غزة، وتسلل مسلحين من حماس إلى إسرائيل”، وأوضح الموقع أن رئيس الأركان هرتسي هاليفي يجري تقييماً ويوافق على خطط العمل.
ووافق وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، على استدعاء واسع النطاق لجنود الاحتياط، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، وقالت الصحيفة: “يعتمد عدد جنود الاحتياط الذين سيتم استدعاؤهم على احتياجات الجيش”. كما ذكرت الصحيفة أن المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” اجتمع ظهر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، في وزارة الدفاع برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لبحث التطورات.
وقالت “هيئة البث الإسرائيلية” إن وزير الدفاع يوآف غالانت صادق على استدعاء قوات احتياط بعد الإعلان عن الاستعدادات للتعامل مع الوضع كحالة حرب.
ومن جانبه أعلن نتنياهو: “نحن في حالة حرب”، وقال في شريط فيديو نشره على منصات التواصل الاجتماعي: “نحن في حالة حرب، ولسنا في عملية عسكرية”. وأضاف: “شنت حماس هجوماً قاتلاً مفاجئاً ضد دولة إسرائيل ومواطنيها. لقد أمرت أولاً وقبل كل شيء بتطهير التجمعات السكانية من الذين تسللوا وأمرت بعملية كبيرة، وتعبئة الاحتياطيات على نطاق واسع، وسيدفع العدو ثمناً غير مسبوق”.
ماذا تعني “حالة الحرب”؟
هذه هي المرة الأولى منذ 50 عاماً، أي منذ حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، التي تعلن فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي “حالة الحرب” رغم أنه من الناحية الفعلية لم تتوقف العمليات العسكرية التي تشنها دولة الاحتلال، سواء ضد حركات المقاومة الفلسطينية أو في دول الجوار مثل لبنان وسوريا، فما المختلف هذه المرة كي يتم إعلان “حالة الحرب”؟
“حالة الحرب” في دولة الاحتلال الإسرائيلي تعني استدعاء قوات الاحتياط ووضع جميع الموارد تحت تصرف جيش الاحتلال، وهو ما لم يحدث من قبل، ما يشير إلى عمق الصدمة التي سببتها عملية “طوفان الأقصى” التي أعلنت حماس عن شنها. رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، عبّر عن هذه الحالة في بيان له قال فيه “إن دولة إسرائيل تمر بوقت عصيب”.
وفي هذا السياق أفادت تقارير إعلامية عن موافقة وزير دفاع جيش الاحتلال الإسرائيلي على استدعاء واسع النطاق لجنود الاحتياط، وفقاً لاحتياجات الجيش، كما أعلن الوزير حالة الطوارئ في نطاق 80 كيلومتراً من قطاع غزة، ما يسمح لقيادة الجبهة الداخلية بتقييد التجمعات. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن غالانت وافق على “تجنيد واسع” لقوات الاحتياط، مشيرة إلى إعلان حالة الطوارئ في نطاق 80 كيلومتراً من قطاع غزة.
كما أعلنت إذاعة جيش الاحتلال أن السلطات الإسرائيلية أوقفت الدراسة ومنعت التجمعات في المستوطنات الجنوبية والوسطى، ومن بينها تل أبيب والقدس. وكشف مسؤول أردني لقناة الجزيرة عن أن إسرائيل أغلقت المعابر مع الأردن من طرف واحد. وذكرت تقارير إسرائيلية أن نتنياهو أصدر أمراً لوزراء حكومته بالامتناع عن الإدلاء بأية تصريحات إعلامية عن “حالة الحرب”.
ولا يزال الوقت مبكراً للحكم على خسائر الاحتلال أو حجم العملية الفلسطينية، الذي يبدو خلال ساعاته الأولى غير مسبوق بالفعل، فقد أعلنت “كتائب القسام” بدء العملية العسكرية من غزة “بضربة أولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية للعدو”.
وتحدثت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن “قتلى ومخاوف من خطف إسرائيليين خلال الاشتباكات التي وقعت مع مسلحين فلسطينيين في بلدات إسرائيلية بغلاف قطاع غزة”، مضيفة: “سيطر مسلحون على مركز الشرطة في سديروت، وسقط عدد من الجرحى. ويجري تبادل لإطلاق النار بين المسلحين وجنود الجيش الإسرائيلي”.
هذا المشهد الصادم وغير المسبوق منذ احتلال فلسطين عام 1948، أطلق شرارته القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، بإعلانه- في رسالة صوتية- بدء عملية “طوفان الأقصى” ضد إسرائيل، وإطلاق آلاف الصواريخ باتجاهها، قائلاً إن الضربة الأولى من عملية “طوفان الأقصى” تجاوزت 5 آلاف صاروخ استهدفت إسرائيل.
لماذا انفجر الموقف؟
المتابع لما يجري في الأراضي الفلسطينية المتحلة منذ تولت الحكومة الحالية في إسرائيل المسؤولية، أواخر العام الماضي، لن يكون متفاجئاً على الأرجح مما يحدث الآن. صحيفة The New York Times الأمريكية كانت قد نشرت تقريراً منذ مطلع العام الجاري، يرصد كيف أن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تزيد من خطر التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، ووضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاستيطان في طليعة ملفاتها المهمة، منذ نيلها ثقة الكنيست الذي يسيطر عليه اليمين واليمين المتطرف، في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وقبل أن تكمل تلك الحكومة، التي توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية، برئاسة بنيامين نتنياهو وعضوية إيتمار بن غفير، شهرها الأول، اقتربت الأمور من حافة الانفجار حرفياً، وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال، فسارعت إدارة جو بايدن بإرسال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة لاحتواء الموقف.
وزار بلينكن المنطقة لتوجيه رسالة إلى حكومة نتنياهو، مفادها معارضة أمريكا لأي “إجراءات استفزازية” بحق الفلسطينيين، لكن ردت تل أبيب بالتوسع في المستوطنات وتكثيف الاعتداءات والاقتحامات على المسجد الأقصى، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم في القدس الشرقية والضفة الغربية المتحلتين، واغتيال قيادات فلسطينية في قطاع غزة المحاصر، وغيرها من الإجراءات الاستفزازية.
هذه الصورة العامة كانت حاضرة بالتفصيل في رسالة محمد الضيف، التي أعلن فيها إطلاق عملية “طوفان الأقصى”، إذ قال إنه “اليوم يتفجر غضب الأقصى، وغضب أمتنا، ومجاهدونا الأبرار هذا يومكم لتفهموا العدو أنه قد انتهى زمنه.. نفذوا هجماتكم على المستوطنات بكل ما يتاح لكم من وسائل وأدوات”.
“بدءاً من اليوم ينتهي التنسيق الأمني، فقد آن الأوان أن تتحد كل القوى العربية والإسلامية لكنس الاحتلال عن مقدساتنا وأرضنا”، ودعا الضيف “المقاومة في لبنان والعراق وسوريا واليمن إلى الالتحام مع مقاومة فلسطين. اليوم كل من عنده بندقية ليخرجها، هذا أوانها، وليخرج كل منكم بشاحنته أو سيارته أو بلطته، اليوم يفتح التاريخ أنصع وأشرف صفحاته”.
ولفت القائد العام للقسام إلى أن “الاحتلال ارتكب مئات المجازر بحق المدنيين، وسبق أن حذرنا العدو من قبل، لكنه دنس المسجد الأقصى وتجرأ على مسرى الرسول، وهو ينتهك حريات حقوق الأسرى، والمستوطنون يعربدون ويسرقون ممتلكات المواطنين”.
“الحرب” مستمرة
بعد ساعات من بدء “طوفان الأقصى”، أشارت تقارير إعلامية عبرية إلى وقوع 7 مستوطنات تحت سيطرة المقاومة الفلسطينية، واقتحام مقر قيادة “فرقة غزة” وهي المقر الرئيسي لجيش الاحتلال في غلاف القطاع، وأظهرت مقاطع فيديو منتشرة على وسائل التواصل أسر قوات من المقاومة لجنود من جيش الاحتلال، ولا تزال الاشتباكات مستمرة.
هذه هي العملية الأكبر التي تشنها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2005، وهو ما أصاب الإسرائيليين بحالة من الصدمة، في ظل فشل استخباراتي على مستوى كارثي، يذكر بحرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول قبل 50 عاماً، عندما اقتحمت القوات المصرية خط بارليف الذي كانت تصفه إسرائيل بأنه “يستحيل اختراقه”. والآن عادت المقاومة الفلسطينية مرة أخرى لتظهر أن جيش الاحتلال “نمر من ورق”، كما وصفه قادة حماس.
المواجهات المتكررة بين حماس ودولة الاحتلال تظهر تطوراً مذهلاً في قدرة المقاومة الفلسطينية على تطوير قدراتها العسكرية والمعلوماتية والاستخباراتية، رغم الفارق الشاسع في الإمكانيات المادية بين الجانبين. وظهرت تلك القدرات المتطورة في المواجهة الكبيرة الأخيرة، في مايو/أيار 2021، ثم جاءت عملية “طوفان الأقصى” لتأخذ جيش الاحتلال على حين غرة، وتعلن إسرائيل “حالة الحرب” للمرة الأولى منذ 50 عاماً، فكيف يمكن أن تنتهي هذه المواجهة؟