ما زالت إسرائيل مصدومة من هجوم حماس الذي باغت مؤسسات الجيش والاستخبارات، ورغم أن القتال ما زال مستمراً، فإنه تجرى محاولات لتفسير ما حدث ومعرفة أوجه القصور وإخفاقات الجيش الإسرائيلي التي أدت إلى انهيار خطوطه الدفاعية أمام قوات يفترض أنها غير نظامية، بينما جيش الاحتلال يصنف كأقوى جيش بالمنطقة وأحد أقوى الجيوش في العالم.
وتبدو إخفاقات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية جلية سواء في التنبؤ بهذا الهجوم، أو التصدي له والرد عليه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
فلم تتلقَ إسرائيل أي تحذير استخباراتي مسبق عن عملية طوفان الأقصى، وحتى بعد أن بدأت، لم تكن القوات المتاحة في المنطقة كافية لحماية المستوطنات التي تتعرض للهجوم. وحتى بعد تدفق الجنود إلى المنطقة، مكث العديد من المقاتلين، ومن ضمنهم قوات النخبة، لساعات طوال في نقاط تجمُّع بدلاً من إرسالهم إلى المستوطنات.
أبرز إخفاقات الجيش الإسرائيلي أمام هجوم حماس
تقرير لصحيفة Haaretz عرض ستة إخفاقات رئيسية للجيش الإسرائيلي أمام هجوم حماس الذي بدأ في الساعة السادسة والنصف صباح يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما زال مستمراً لليوم التالي:
الاستخبارات لم ترصد استعدادات حماس، بل إن جيش الاحتلال نقل قوات من محيط غزة للضفة
رغم أن الهجوم شارك فيه نحو ألف مقاتل من المقاومة الفلسطينية، حسب التقديرات الأولية، وضمن ذلك مقاتلون يستخدمون مراوح وعربات مزودة بالمظلات، لم يتلق جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) أي تحذير استخباراتي قد يشير إلى اعتزام حماس اختراق الأراضي الإسرائيلية بأعداد كبيرة من المقاتلين.
ويفترض أن الإعداد لمثل هذا الهجوم، سواء التدريب أو الحشد، هو عملية معقدة، سيتم جزء منها في العلن، ويحتاج لتنسيق واتصالات بين آلاف الأشخاص، الأمر الذي يثير تساؤلات، منها: كيف لم تكتشف قيادة جيش الاحتلال والاستخبارات أي عمليات حشد أو ترصد أي اتصالات ويفترض أنها تراقب قطاع غزة على مدار الساعة بأحدث أجهزة الاستطلاع والتنصت، وإسرائيل دولة تفاخر بتفوقها في مجال التجسس وتصدّر لدول العالم برمجيات التنصت.
من الواضح أن حماس أجادت إخفاء الاستعداد للعملية بشكل عالي الكفاءة، خاصةً أن خبرة المقاومة الفلسطينية الطويلة مع الاحتلال بقدراته الاستخباراتية العالية، جعلتها حذرة في مهام الاتصال والتدريب والتنسيق، ولكن مع عملية بهذا الحجم فإنه من الواضح أن نجاح حماس لم ينبع فقط من كفاءة تخطيط الحركة وغيرها من الفصائل فقط، بل هو نتيجة إخفاق استخباراتي كبير للجانب الإسرائيلي.
نتيجة لذلك فإن القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال سمحت بنقل ثلاث كتائب كانت تعمل في القطاع إلى الضفة الغربية؛ لتعزيز القوات هناك خلال العطلة. وجاء هذا القرار في أعقاب العديد من الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً، والتي زادت من التوتر الأمني، مثل صلاة المستوطنين في بلدة حوارة.
جيش الاحتلال احتاج وقتاً طويلاً ليكتشف عدد قوات حماس، وأولى المعلومات جاءت من غزة
فضلاً عن غياب أي معرفة مسبقة بالهجوم، استغرق الجيش الإسرائيلي وقتاً طويلاً ليدرك أبعاد هجوم حماس حتى بعد انطلاقه.
ولم يدرك جيش الاحتلال في البداية وجود عشرات من مقاتلي حماس في عدد كبير من المستوطنات.
وحين أدرك أن حماس نجحت في أسر جنود ومدنيين إسرائيليين، كان نشر صور ومقاطع فيديو لهم من غزة على الشبكات الاجتماعية قد بدأ بالفعل. ولم يعلم الجيش الإسرائيلي بتسلل المقاتلين من البحر إلا في مرحلة متقدمة من الهجوم.
نقص القوات أدى لانهيار التشكيل الدفاعي المحيط بغزة والفشل في حماية المستوطنات
التشكيل الدفاعي للقيادة الجنوبية وفرقة غزة انهار انهياراً كاملاً صباح يوم السبت. ولم يكن لدى جيش الاحتلال عدد كافٍ من المقاتلين في القطاع لنشرهم في المستوطنات بسرعة. ولم يتلق سكان المنطقة أي رد على طلبهم النجدة.
وتمكن بعض السكان أيضاً من الوصول إلى المسؤولين العسكريين وطلب المساعدة، ولكن في معظم الحالات لم يكن هناك من يساعد، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
الإخفاق في نقل القوات لدرجة أن الجنود استعانوا بعائلاتهم للتحرك
في مرحلة معينة، بدأ الجيش الإسرائيلي بإرسال كتائب ووحدات النخبة إلى الجنوب للمساعدة في تحديد مكان مقاتلي حماس واستهدافهم، لكنه لم يكن مستعداً للقتال كما ينبغي لنقل الجنود. ورغم نشر آلاف الجنود النظاميين والاحتياط، لم يكن الجيش مجهزاً بوسائل نقل منظمة لنقل الجنود إلى نقاط التجمع.
وهكذا، انتظر الجنود لساعات طوال وسائل النقل لتقلّهم إلى غزة والوحدات، وفي معظم الحالات، استعانوا بأفراد عائلاتهم أو أصدقائهم للوصول إلى هناك.
جنود الاحتلال انتظروا لساعات طويلة دون توجيه حتى إنهم شكلوا وحدات ارتجالية
وحتى بعد وصولهم إلى نقاط التجمع، انتظر العديد من الجنود هناك لساعات طويلة (عادة في مواقف السيارات أو محطات الوقود)، رغم أنه بات معروفاً بالفعل أن مقاتلي حماس دخلوا المستوطنات بالمنطقة. وفي نقاط عديدة، نظم مقاتلون لا ينتمون إلى الوحدة نفسها أنفسهم في الميدان؛ ليشكلوا قوة ينضم إليها قائد حاضر في المكان. وهكذا، لم يكن القادة يعرفون المقاتلين معهم.
وليس واضحاً لماذا اختار الجيش الإسرائيلي ترك أعداد كبيرة من قوات النخبة لساعات في نقاط بعيدة عن المستوطنات، بدلاً من إحضارهم في أسرع وقت ممكن.
“حماس تحت السيطرة”.. فشل ذريع في معرفة خطط المقاومة ونواياها
قدّر مسؤولون كبار بالجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، في نقاش أمني، الأسبوع الماضي، أن حماس لا ترغب في الحرب ولا تستعد لها. وفي النقاش الذي تناول إمكانية نشوب حرب بقطاع غزة على خلفية المواجهات عند السياج الحدودي في الأسابيع الأخيرة، قال المسؤولون إن حماس لن تبادر إلى الحرب؛ كي لا تجازف بخسارة الإنجازات التي حققتها لسكان غزة في إطار الاتصالات غير المباشرة للتسوية مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، قبل ستة أيام من اقتحام حماس للمستوطنات الجنوبية، صرح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بثقة، بأن “حماس تحت السيطرة”.
وفي الأسابيع الأخيرة أيضاً، كانت مصادر سياسية توقعت أن أي اشتباكات مع حماس لن تكون بالحجم الذي حدث بالفعل.
إذ قدر مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى مؤخراً، أن تصعيدات حماس في الأسابيع الأخيرة بالقرب من السياج الحدودي كانت في إطار “حملة ابتزاز” تقوم بها الحركة لإقناع إسرائيل بزيادة نصيب سكان قطاع غزة من تصاريح العمل في إسرائيل، إلى جانب زيادة المساعدات المالية التي تقدمها قطر لسكان القطاع.
وتجاهلت إسرائيل الرسائل التي بعثت بها حماس عبر الوسطاء لضرورة وقف الاقتحامات للأقصى والاعتداءات على سكان الضفة من قبل المستوطنين والكف عن إيذاء الأسرى، حسب تقارير إعلامية عربية.
ورغم أن وزراء الحكومة الإسرائيلية تلقوا تقريراً عن التصعيد في غزة، لم يوجه أيٌّ منهم تحذيراً في الأسابيع الأخيرة- على الأقل ليس علناً- ولم يحذّر من ضعف استعدادات الجيش الإسرائيلي أو التشكيلات السياسية.
وكان آخر اجتماع مهم عقده مجلس الوزراء السياسي والأمني الشهر الماضي، حين تلقى الوزراء فكرة عامة عن الاستعدادات الأمنية لأعياد تيشري. والأسبوع الماضي عقد نتنياهو اجتماعاً آخر لإجراء نقاش أمني شامل عن التهديدات التي تواجه إسرائيل من مختلف الساحات. ولم يُدع معظم الوزراء، ومن ضمنهم الوزير بن غفير، إلى هذا النقاش. وبعد فض الاجتماع أكد المحيطون بنتنياهو أنه كان يركز على التهديد الإيراني، ولم يعربوا عن أي مخاوف من مواجهة خطيرة مباشرة في قطاع غزة.
الجيش الإسرائيلي فكر بطريقة تقليدية بينما حماس طورت استراتيجيتها
هناك مظهر سابع للإخفاق أمام هجوم حماس من وجهة نظر مراقبين عسكريين غير إسرائيليين.
عادةً تتدرب الجيوش على أساس الشكل الأخير للحروب التي خاضتها، بينما الحروب تخاض في المستقبل، ومن يطور تفكيره، هو الذي يتفوق.
وهذا ما حدث في هجوم حماس، كانت إسرائيل تتوقع أن أي هجوم من قبل المقاومة الفلسطينية سيكون على غرار الحروب السابقة مع غزة: هجوم صاروخي مكثف تتصدى له القبة الحديدية. ولكن بينما كان تفكير قادة الجيش الإسرائيلي تقليدياً، طورت حماس في استراتيجيتها وتكتيكاتها، فاستخدمت هجمات الصواريخ المكثفة من أجل إرباك إسرائيل، والتغطية على الهجوم الرئيسي الذي نفذ عبر توغل قوات النخبة للمقاومة.
ولعبت الرشقة الصاروخية الأولى الضخمة التي يقال إنها وصلت لخمسة آلاف صاروخ، دوراً في إضعاف قدرة الرادارات الإسرائيلية على رصد مظليي حماس، سواء عبر تركيز القبة بشكل آلي على الأهداف التي يفترض أنها الأعلى قيمة وذات البصمة الرادارية الأكبر وهي الصواريخ المصنوعة من الحديد وبمحركات حرارية، مقارنة بالمظليين الذين لديهم بصمة رادارية أقل على الأرجح.
كما أن حجم الرشقة الصاروخية الأولى الضخم ربما قد أدى إلى وصول القبة الحديدية لمرحلة الإشباع، مما منعها من استهداف المظللين (أو حتى رصدهم) خاصةً أنهم كانوا يحلّقون على ارتفاعات منخفضة، إضافة إلى ما ورد عن قيام حماس بالتشويش على أجهزة المراقبة الإسرائيلية الموجودة على الحدود، وهو تطور نوعي في القتال.
يبدو أن إسرائيل تكرر خطأها في حرب 1973 ولكن بشكل مضاعف
من جانبه، اعتبر موقع Ynet الإسرائيلي أن يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، عار لم يشهده الجيش الإسرائيلي طوال تاريخه، وأن لهذا العار أربعة أوجه: الأول هو الاستخبارات. فمرة أخرى، كما حدث عام 1973، كانت كل العلامات جلية أمام النظام الإسرائيلي، لكنه تعامل معها بغطرسة واعتبرها مجرد تدريبات لا قيمة لها.
والثاني كان السهولة التي اخترق بها مقاتلو حماس الحاجز الحدودي. والثالث هو السهولة التي عادوا بها إلى غزة وبرفقتهم عشرات الأسرى. والرابع هو البطء الذي تحرك به الجيش الإسرائيلي للرد على هذا الهجوم. فكان العشرات من مقاتلي حماس يتجولون بحرية دون مروحية واحدة تهاجمهم.
ويرى الموقع أن إخفاق حرب أكتوبر/تشرين الأول تضاعف عشرات المرات أمام هجوم حماس الأخير، ودون أي وجه مقارنة. فإسرائيل في حرب 73 كانت تواجه أكبر الجيوش العربية، وليس حركة مسلحة يفترض أنها من الدرجة الثانية. ومن تلك الحرب جاء السلام الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، بعد مرور 50 عاماً على وقف إطلاق النار. لكن أي حرب جديدةٍ الآن لن تكون لها فوائد تُذكر.
هل يكون رد الجيش الإسرائيلي باحتلال غزة والقضاء على قادة حماس؟
وبلغة تحريضية متوحشة يقول الموقع: “عام 2006، بعد اختطاف حزب الله جنديين، حولت طائرات سلاح الجو حي الضاحية الشيعي في بيروت إلى ركام، وجاء القصف بنتيجة فعالة”، حسب زعمه.
وهناك مطالب بتوجيه ضربة مماثلة في غزة رداً على هجوم حماس، ولا يوجد أي عائق عملي أمام ذلك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الهدف الذي سيحققه قصف غزة؟ فقد سئم الإسرائيليون المحاولات المتكررة لتلقين حماس درساً بالقصف الجوي. ولو أن هجوم أمس علّم الإسرائيليين شيئاً عن حماس، فهو أنها غير قابلة للترويض، حسب الموقع الإسرائيلي.
والأهم أن مصير عشرات الرهائن معلق في الهواء. ولن يؤدي قصف مُدمِّر إلى زيادة احتمالات عودتهم إلى ديارهم بأمان. وقد تضعهم حماس فوق الأسطح لتصنع منهم دروعاً بشرياً.
والخيار الثاني هو التفاوض. في صفقة شاليط، أطلق نتنياهو سراح 1027 أسيراً مقابل جندي أسير. فكم عدد الأسرى الذين ستطالب حماس بالإفراج عنهم مقابل عشرات الأسرى الإسرائيليين؟ وصفقة مع حماس قد تمنحها نصراً آخر.
أما الخيار الثالث فهو أن تشن إسرائيل عملية برية، وفقاً لموقع Ynet الإسرائيلي.
فالفرق الأربع التي أنزلها الجيش الإسرائيلي أمس إلى الجنوب، لم تخرج لحماية المستوطنات المحيطة بغزة، وإنما للانضمام إلى عملية برية، إذا اتخذت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة قراراً بشنها.
والجزء الأكبر من الجمهور الإسرائيلي سيؤيد هذه العملية في البداية. لكنه سيطرح تساؤلات بعد ذلك: ماذا سيحدث في اليوم التالي للاحتلال، فلو بقي الاحتلال هناك فسيستمر في النزيف، وإذا غادر، فما الذي فعله؟ هل ينوي خلال هذا الاحتلال القضاء على كامل قيادات حماس؟ ومن سيأتي مكانهم؟
تجدر الإشارة إلى أنه سبق أن قتلت إسرائيل جيلاً كاملاً من قادة حماس، على رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين والقيادي البارز عبد العزيز الرنتيسي وعدد من قادة ومؤسسي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، ولكن ما حدث هو أن جاء جيل جديد من القيادة طور الحركة وجعلها أكثر قوة وكفاءة، وزاد من عدد مقاتليها لدرجة أن هناك بعض التقديرات بأن قطاع غزة بات به نحو 70 ألف مقاتل، وأي توغل بري من شأنه مواجهة هذا العدد في مناطق غزة السكانية المكتظة، وضمنها سلسلة من الأنفاق التي تحمي المقاومة والتي تسميها إسرائيل مترو حماس.
وثمة تساؤل آخر يطرحه موقع Ynet الإسرائيلي عن القبة الحديدية.
إذ يزعم أن القبة الحديدية اختراع رائع أنقذ حياة مئات الإسرائيليين. وواضح جداً ما كان سيحدث لو لم يكن لدى إسرائيل قبة حديدية: لن يكون أمامها خيار سوى خوض معركة حاسمة مع حماس، تفضي إلى احتلال غزة.
ويتساءل الموقع أليس وارداً أن كل ما حققته إسرائيل بالقبة الحديدية كان تأجيلاً لبضع سنوات لقرار لا مفر منه؟ فهل لن تفعل في المستقبل ما كان ينبغي لها أن تفعله منذ زمن طويل ولم تفعله؟ في إشارة إلى الدعوات لإعادة احتلال غزة.
كيف سيؤثر هجوم حماس على مسيرة التطبيع؟
يقول الموقع: “إن هجوم حماس له تداعيات سياسية بعيدة المدى. وهذه التداعيات ستزداد وضوحاً في المستقبل. وانتصار حماس نبأ غير سار لاتفاق التطبيع المحتمل مع السعودية”.
وإذا قتل مئات الضحايا في غزة وغيرهم في الأيام المقبلة، فسيلقى بهذا الاتفاق المحتمل في هوة من الجليد. والخوف من حرب متعددة الساحات، في الشمال، وفي الضفة الغربية، وفي القدس وغزة.
وهذا يقلص من مساحة المناورة العسكرية بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.