يبدو أن رد فعل الصين تجاه الصراع الأخير بين حماس وإسرائيل، قد أغضب الغرب وإسرائيل بشدة، واعتبروه إخفاقاً دبلوماسياً من قبل بكين، بينما قوبل بالتقدير في العالم العربي.
وأمضى الزعيم الصيني شي جين بينغ الجزء الأول من هذا العام وهو يسعى للعب دور صانع السلام العالمي، واقترح وقف إطلاق النار في أوكرانيا ومساعدة الخصمين القديمين المملكة العربية السعودية وإيران على التوصل إلى هدنة دبلوماسية.
أما في الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، فلقد سعى البيان الأولي للصين بشأن الأحداث بين إسرائيل وغزة الذي صدر يوم الأحد، 8 أكتوبر/تشرين الأول، إلى اتخاذ موقف محايد، ولم يدِن أياً من الطرفين، ولم يقدم أي عرض محدد للمساعدة الفورية.
ورفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج خلال مؤتمر صحفي، -إدانة الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية تجاه الداخل الإسرائيلي، مؤكدة مساندة الصين دائماً للإنصاف والعدالة. حسبما ذكرت شبكة “غلوبال تايمز” الصينية.
وكررت وزارة الخارجية الصينية دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما أغضب الغرب.
ووفقاً للبيان المكون من فقرتين، الذي لم يذكر حماس بالاسم، “يجب على جميع الأطراف التصرف بضبط النفس”. وقالت الوزارة في وقت لاحق إنها “صديقة للطرفين”، وأعربت عن حزنها لسقوط ضحايا.
دور الصين في محاولة الغرب إدانة حماس في مجلس الأمن
ولم يستطِع مجلس الأمن التوصل لقرار بشأن الصراع بين حماس وإسرائيل، ويعتقد أن ذلك بسبب رفض روسيا والصين إدانة حماس وحدها.
وقال دبلوماسيون إن مجلس الأمن لم ينظر في أي بيان مشترك، ناهيك عن إصدار قرار ملزم، في ظل حرص عدد من الأعضاء بقيادة روسيا على إصدار بيان متعلق بالقضية بشكل أوسع أكثر من التركيز على إدانة حماس.
وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا: “رسالتي كانت لصالح وقف فوري للقتال ووقف النار وإجراء مفاوضات هادفة”، متحدثاً عن وضع يعود سببه جزئياً إلى “قضايا لم يتم حلها”.
وقالت الصين، حليفة روسيا بشكل عام في مجلس الأمن، إنها ستؤيد صدور بيان مشترك.
وأدان سفير الصين لدى الأمم المتحدة زانغ جون “كل الهجمات ضد المدنيين”، مشدداً على ضرورة العودة إلى عملية السلام لتحقيق حل الدولتين.
ومن الواضح أن الصين لم تتصدر الجهود الرافضة لإدانة حماس فقط، والتي قادتها روسيا، ولكن أيدتها ولم يكن موقفها مختلفاً كثيراً عن موسكو، وإن كانت كعادتها أخف وتيرة.
ورفضت الدول الغربية ذلك الموقف الروسي الصيني، لأنها تريد إدانة هجوم حماس فقط، دون إشارة لمسؤولية الاحتلال عما آلت إليه الأوضاع.
تل أبيب تأسف لموقف بكين من الأزمة
ورفضت إسرائيل الموقف الصيني، إذ صرح نائب رئيس بعثة الدولة في بكين يوفال واكس إنَّ فشل الصين في إدانة العنف لأنَّ “الإرهابيين يحتجزون الأطفال” أمر مؤسف من دولة تربطها علاقات ودية بإسرائيل، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وقال رافايلو بانتوتشي، وهو زميل بارز في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة: “لقد تحركت بكين لتصوير نفسها على أنها لاعب عالمي. وقد تتوقع منهم أن يقدموا بعض الأفكار أو الرؤى حول كيفية حل هذا الوضع، ومع ذلك لا نراهم يقدمون أي شيء حقاً”.
الصين تقدم نفسها كصانع جديد للسلام
انخرط الرئيس الصيني لأول مرة في عملية السلام في الشرق الأوسط في مارس/آذار عندما نسب له الفضل في الانفراجة بين إيران والمملكة العربية السعودية، بعد استضافة بكين لممثلي الجانبين لإجراء محادثات مباشرة عبر الوساطة الصينية.
وأعقب الزعيم الصيني هذا الانتصار باستضافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بكين في يونيو/حزيران، قائلاً إنه مستعد “للاضطلاع بدور نشط” في حل الصراع. وتعززت التوقعات بأن يسهم شي بدور في محادثات السلام المتوقفة منذ عام 2014، بعد تقارير لاحقة عن أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخطط لإجراء أول رحلة له إلى الصين منذ 6 سنوات.
وقد أكسب الانخراط في الشرق الأوسط الرئيس شي مصداقية بأنه رجل دولة عالمي، وواجه الزعيم الصيني ضغوطاً من الولايات المتحدة بسبب عدم إدانة الحرب الروسية، وتزويد موسكو بالمأوى الدبلوماسي والاقتصادي. وقد تعرض بيان الموقف الصيني المكون من 12 نقطة بشأن إنهاء الحرب لانتقادات من أوكرانيا والديمقراطيات الغربية لأنها منحت روسيا مكاسب إقليمية.
ووفقاً لما ذكره وين تي سونغ، الزميل غير المقيم في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي، عملت جهود الصين في دبلوماسية الشرق الأوسط على “تعويض الضغط الناتج عما يوصف بتقاعسها عن التحرك بشأن أوكرانيا وروسيا”.
وقال سونغ إنَّ تحركات بكين الأخيرة في الشرق الأوسط، رغم أنها محدودة، منحت الزعماء العرب بعض القوة التفاوضية ضد واشنطن، بينما أعطت الصين دفعة دبلوماسية. وأضاف: “لكن عندما تسوء الأمور، فإنَّ الشرق الأوسط يتطلع إلى واشنطن، وليس إلى بكين”.
وأمريكا تتحول لداعم للحرب بشكل فج
ولكن هذه المرة فإن الولايات المتحدة لم تحاول حتى تقديم نفسها كوسيط غير نزيه، بل إنها باتت جزءاً من الحرب الإسرائيلية على غزة، فلقد أرسلت إدارة الرئيس جو بايدن بالفعل الدفعة الأولى من حزمة المساعدات الأمنية لإسرائيل، مع تعهدات بمزيد من المساعدة في المستقبل.
علاوة على ذلك، قالت الولايات المتحدة، يوم الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول، إنها تريد المضي قدماً في مساعيها لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تأجيج التوترات في الشرق الأوسط.
الصين تفضل الحياد
وشددت وسائل الإعلام الرسمية الصينية على الحاجة إلى الحياد، وحثت افتتاحية صحيفة China Daily، يوم الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول، المجتمع الدولي على لعب “دور محايد” في الأزمة للمساعدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ولدى الصين أسباب لموازنة علاقاتها على جانبي الصراع، إذ بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين بكين وإسرائيل حوالي 22.1 مليار دولار في العام الماضي، وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي. وأكثر من نصف صادرات إسرائيل إلى الصين هي من المكونات الكهربائية بما في ذلك الرقائق الدقيقة، وفقاً لمقالة أصدرها معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب في يونيو/حزيران.
وتعد هذه التجارة مع إسرائيل أمراً بالغ الأهمية؛ إذ تحث الولايات المتحدة شركاءها على فرض قيود على وصول بكين إلى التكنولوجيا المتطورة. وتخلت شركة Intel Corp عن صفقة بقيمة 5.4 مليار دولار في أغسطس/آب للاستحواذ على شركة Tower Semiconductor الإسرائيلية بعد فشلها في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية الصينية في الوقت المناسب مع تباطؤ التوترات الجيوسياسية المتزايدة في هذه العملية.
الصين تقترب من دول الشرق الأوسط وتغازل إيران
ولكن محاولات شي لمواجهة القيود الأمريكية جعلته يحتضن دول الشرق الأوسط أكثر فأكثر. وفي أغسطس/آب، ترأس عملية توسيع كتلة بريكس لتشمل المملكة العربية السعودية وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة. وفي الشهر السابق، أعلنت الصين أنَّ إيران – وهي دولة تعاني من العقوبات الأمريكية – ستنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون.
وقالت ميرسي كو، الخبيرة الجيوسياسية في شركة Pamir الاستشارية العالمية للمخاطر، إنَّ قرار الصين بعدم ذكر حماس، المدعومة من طهران، باعتبارها الجهة البادئة بالهجوم، في ردها على أعمال العنف التي وقعت نهاية الأسبوع، أرسل رسالة إلى “إيران والأنظمة الأخرى في المنطقة مفادها أنَّ الصين تعترف بمصالحها الإقليمية”.
وأضافت: “تبحث الصين بشكل أساسي عن فرص لاستعراض صورة عن نفسها بأنها صانعة سلام، لكنها لا تنوي تشويهها بتعقيدات وتقلبات صنع السلام في الشرق الأوسط”.
ومن المقرر أن يتوجه زعماء دول الجنوب العالمي، بما في ذلك من العالم العربي، إلى بكين الأسبوع المقبل لحضور منتدى الحزام والطريق الرائد الذي يعقده شي. ومن المرجح أن يؤثر الصراع بين إسرائيل وحماس، الذي أدى إلى زعزعة أسعار النفط والأسواق، في المحادثات في هذا الحدث، الذي سيحضره أيضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إسرائيل ابتعدت عن بكين نتيجة للضغوط الأمريكية
وقد يساعد موقف الصين الحيادي في جعل هذه المحادثات أكثر سلاسة بعض الشيء. لكنه قد يعكس أيضاً حقيقة بسيطة؛ وهي أنَّ بكين تعلم أنَّ قدرتها محدودة على التأثير في إسرائيل.
وقال ويليام فيغيروا، الأستاذ المساعد في التاريخ ونظريات العلاقات الدولية في جامعة غرونينغن: “على عكس إيران والمملكة العربية السعودية، حيث كان الطرفان على استعداد للذهاب إلى الصين لتحقيق هدف مشترك. ليس لدى إسرائيل أية مصلحة أو حافز لدعوة بكين للتوسط في أي نوع من الاتفاقات”.
كما أنه يجب ملاحظة أن الموقف الصيني الذي أغضب إسرائيل قد يكون أحد أسبابه الضغوط الأمريكية على تل أبيب للابتعاد عن بكين، بل إدخالها في مشروع الممر الهندي المنافس لطريق الحرير الصيني ومبادرة الحزام والطريق، الأمر الذي جعل العلاقة مع إسرائيل لم تعُد مغرية كما كانت في السابق.
وأحد الأمور التي تتجاهلها التحليلات الغربية حول الموقف الصيني من الأزمة الحالية هو أن هذا الموقف هو امتداد لإرث الصين الشيوعية القديم في النضال ضد الاستعمار؛ فهي قد عانت مثل الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية من الاحتلال الغربي والياباني والقوى الغربية هي ساعدت على انشقاق تايوان مثلما ساعدت القوى الغربية على تفكيك العالم العربي واحتلال فلسطين.
وبالتالي موقف الصين ليس غريباً، ولا يختلف عن موقف روسيا، ولا كثير من الدول خارج الغرب، وهو الموقف الذي ينظر لهجوم حماس من منظور أوسع، هو حقيقة أن هناك احتلالاً غاشماً يعتدي كل يوم على مقدسات الفلسطينيين، ويقضم أرضاََ جديدة منهم ويسجن آلاف الأسرى ويحاصر ملايين منهم في الضفة وغزة على السواء.
ولذا يبدو موقف الصين مفهوماً عقلانياً وأخلاقياً، أما غير المبرر فهو موقف الغرب.