تتوالى تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن الهجوم البري الإسرائيلي ضد غزة، بما في ذلك حديث أحياناً عن اجتياح شامل سيغير وجه الشرق الأوسط وقد يتضمن محاولة إسقاط حكم حركة حماس والقضاء عليها وغيرها من حركات المقاومة، ولكن نتنياهو يبدو متردداً في تنفيذ العملية، وكأن هناك شيئاً يمنعه.
واستدعت إسرائيل نحو 360 ألفاً من جنودها الاحتياط، وهو أكبر استدعاء في تاريخها، بينما
قال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن الهجوم البري “بات الآن محتوماً”. وأضاف أن الاجتياح البري “لا يمكن تفاديه بسبب الثمن الباهظ الذي دفعناه. سيكون هذا بعد الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو”.
ويصف ضباط في جيش الاحتلال غزو غزة بأنه سيكون الأكبر منذ الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006، على ما تورد صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وبالطبع فإن محاولة التوغل البري الإسرائيلي في لبنان انتهت بخسائر كبيرة في صفوف المدرعات الإسرائيلية وألحقت العار بالدبابة الشهيرة ميركافا، خاصة عبر صواريخ كورنيت الروسية.
لكن نقلت الصحيفة أيضاً عن مصادرَ في الجيش الإسرائيلي قولها إنه تم تأجيل العملية العسكرية البرية بضعة أيام بسبب سوء الأحوال الجوية، وهو ما قد يُقرأ على أنه إما تغطية على تردد إسرائيلي في الشروع بالهجوم، أو تمويه بغرض مباغتة المقاومين وأهالي غزة، خاصة أن هناك تقارير عن أن الطقس مناسب من الناحية العسكرية للهجوم.
محاولة دفع سكان غزة للرحيل باءت بالفشل
حاولت إسرائيل طرد سكان غزة إلى مصر ودفعهم للرحيل عبر غارات وحشية استهدفت المنشآت المدنية، ولكن تمسك السكان بأراضيهم بشكل بطولي بما في ذلك رفض مستشفيات لإنذارات الإخلاء الإسرائيلية، ورفض حركات المقاومة الحاسم لمحاولة إطلاق موجة من اللاجئين من غزة، رغم التدمير الهائل الذي تسببت به غارات الطيران الإسرائيلية، إضافة إلى موقف مصر الحازم ومعها الدول العربية والإسلامية يبدو أنه أوقف هذا المخطط، رغم أنه بدا أنه لفترة أن هناك ضوءاً أخضر أمريكياً وحتى أوروبياً له.
وتريد إسرائيل إخلاء قطاع غزة من السكان حتى يتسنى لها اقتحام القطاع، وتدمير المقاومة، ولكن أهل غزة متمسكون بأراضيهم ويرفضون تكرار ما حدث في حرب 1948، حينما فر الفلسطينيون من ديارهم على أمل العودة لها سريعاً، ولكن منعهم الاحتلال وأسست دولة إسرائيل على أراضيهم المسروقة بل سكن العديد من المستوطنين اليهود القادمون من أوروبا الشرقية والدول العربية في بيوتهم، وبعضها ما زال قائماً، وسكانه من اليهود بينما مفاتيحه الأصلية مع أصحابه الأصليين أو أبنائهم وأحفادهم.
وتقول إسرائيل إنها منحت مزيداً من الوقت للفلسطينيين لإجلاء شمال القطاع والانتقال جنوباً، بعد أن كانت أمهلتهم 24 ساعة، فيما أكد الجيش الإسرائيلي أنه ينتظر “قراراً سياسياً” بشأن توقيت الهجوم البري الكبير على قطاع غزة.
وأفادت تقارير بأنه ظهرت دعوات جماعية في قطاع غزة للعودة للبيوت من الجنوب للشمال، وذلك غداً الثلاثاء ظهراً في مشهد مهيب يتحدى كل يحاول أن يهجر الشعب الفلسطيني.
ولكن حتى لو تعلقت إسرائيل بخطة الترحيل أو الترانسفير، فالواقع أن غزة لو فرض لا سمح الله لم يبق فيها غير المقاومين فلن يعني ذلك أنها ستكون لقمة سائغة لجيش الاحتلال.
إسرائيل يصعب عليها استهداف المقاومة المتحصنة في مترو حماس
فإسرائيل تعلم أن القوة الأساسية للمقاومة محمية داخل الأنفاق المحصنة وأن ادعاءات إسرائيل بأن قصفها للأبراج السكنية والمساجد والمستشفيات والمدارس هدفه ضرب المقاومة الفلسطينية ادعاء واهٍ، لأن أغلب مقاتلي المقاومة وأسلحتها وقادتها متحصنون في سلسلة طويلة من الأنفاق العميقة التي تمتد تحت مساحة كبيرة من غزة، والتي يطلق عليها الإسرائيليون مترو حماس، فيما يصف البعض بغزة التحتانية أو غزة الأرضية.
ولقد بات الفلسطينيون خبراء في بناء الأنفاق، والتي استطاعوا عبرها في البداية تهريب الأسلحة والمواد المحرومة منها غزة، والأكثر إثارة للدهشة استطاعوا بها اختراق الحدود مع إسرائيل واستخدامها من قبل في اقتحام مواقع الجيش الإسرائيلي مثل عملية أسر الجندي جلعاد شاليط، ولذا اضطر الاحتلال لتشييد حائط خرساني بعمق 9 أمتار لمنع الأنفاق إضافة لإغراقها بالماء، ومع ذلك يعتقد أن المقاومة استخدمت في عملية طوفان الأقصى سلاح الأنفاق مرة أخرى لمهاجمة إسرائيل بواسطة الطيران.
وقد يصل عمق البعض من هذه الأنفاق إلى 30 أو 40 متراً تحت الأرض، ما يسمح للمسلحين بتغيير مواقعهم للاحتماء من الضربات الإسرائيلية. لكن يبقى المدى الحقيقي لتلك الشبكة غير معروف، حسب ما ورد في تقرير لموقع “فرانس 24“.
في عام 2021، أعلن الجيش الإسرائيلي تدمير “أكثر من 100 كيلومتر” من هذه الحصون التحت أرضية “بفضل الضربات الجوية”، رغم وجود شكوك في صحة هذه الادعاءات.
ويمكن لبطاريات قاذفات الصواريخ المخبّأة على عمق بضعة أمتار تحت السطح أن تخرج من خلال نظام الباب المسحور لتطلق النار وتختفي مرة أخرى.
لا شك في أن أجهزة الاستخبارات في إسرائيل تعرف مسار جزء على الأقل من شبكة الأنفاق الفلسطينية. إلا أن باقي الأجزاء الأخرى تبقى سرية؛ ما سيجعل أي عملية برية إسرائيلية في قطاع غزة أكثر صعوبة.
يقول مدير الأبحاث في مركز صوفان للأبحاث في نيويورك كولين كلارك إن بعض هذه الأنفاق فيها فخاخ. الاستعداد للقتال في مثل هذه الأماكن سيتطلب معلومات استخباراتية واسعة النطاق والتي قد لا يمتلكها الإسرائيليون، حسبما نقل عنه موقع “فرانس 24“.
بدوره، توقع ألكسندر غرينبرغ من معهد القدس للاستراتيجية والأمن أن “تستهدف الضربات أولاً مراكز قيادة حماس وقواتها. ستأتي النيران من كل مكان”، مضيفاً: “الجميع يعلم أن (العملية) ستكون طويلة وصعبة مع الكثير من الخسائر”. وقال غرينبرغ أيضاً إن هناك “روبوتات ووسائل خاصة أخرى تسمح بالدخول إلى الأنفاق”.
لكن بالنسبة لحماس، قال مصدر من الحركة: “إنها ميزة يمكن أن تشكل أيضا فخّاً. فعندما يتم تحديد مواقع الأنفاق، يمكن حبس من بداخلها. في هذه الحالة، ستكون التعليمات: لا رحمة”.
خلال عام 2014، زار صحافي فرانس 24 ومراسلها السابق في القدس أنطوان ماريوتي، أحد تلك الأنفاق وأعد تقريراً مصوراً في الموضوع بثته القناة. كشف التقرير كيف أن هذه الممرات مبنية بالخرسانة وليس بالرمل، وهي مجهزة بسكك وكابلات هاتفية وكهربائية. ونقل المراسل في تقريره عن بعض الخبراء قولهم إن “تكلفة هذه الأنفاق قد تصل إلى مليون دولار”.
يوضح أنطوان ماريوتي في تقريره أيضاً أن “اكتشاف مداخل هذه الأنفاق صعب للغاية.. حيث يتعلق الأمر بفتحات صغيرة مخبأة تحت أريكة أو سجادة” على سبيل المثال.
وهذه الأنفاق لن تحمي المقاومة فقط، بل ستكون وسيلة لمهاجمة أي وحدات إسرائيلية تدخل غزة من تحت الأرض، كما ستتيح للمقاومة نقل القوات من مكان لآخر، بعيداً عن غارات الطيران الإسرائيلي.
وهذه أحد أسباب قلق إسرائيل على ما يبدو من تنفيذ عملية برية ضد غزة.
ليست الأنفاق وحدها وسيلة المقاومة بل ركام المباني أيضاً
ولن تكون الأنفاق فقط هي وسيلة المقاومة للتحصن واستهداف قوات الاحتلال، ولكن حتى لو دمرت إسرائيل كل مباني غزة عن بكرة أبيها، وحولتها لركام، فإن الركام ذاته سيتحول إلى ملاذات للمقاومين يستهدفون به الدبابات الإسرائيلية بالقذائف المضادة للصواريخ التي بحوزتهم.
وفي الوقت ذاته فهذا الركام سوف يحد من قدرة الطيران الإسرائيلي على استهداف المقاومين، كما أن التداخل بين جنود الاحتلال ومقاتلي المقاومة سوف يحد من قدرة الطيران الإسرائيلي على دعم قواته العاملة على الأرض.
المدن تحارب مع أهلها، وهكذا هزمت أقوى جيش في التاريخ
وأثبت التاريخ مراراً أن المدن تحارب مع أهلها لأن المباني تقوم بتحييد نقاط تفوق الجيوش القوية، وأن المدينة إذا قررت المقاومة، خاصة لو كان بها جيش صلب فإنها يمكن أن تدمر أقوى الجيوش حتى لو كان أقوى جيش في التاريخ وهو اللقب الذي كان يحمله جيش ألمانيا النازية حتى غرق في مستنقع معركة مدينة ستالينغراد الروسية الشهيرة، والتي أدت لتدمير نحو ربع الجيش الألماني، وحولت انتصاراته لهزائم بعدما أمر هتلر قواته باقتحام المدنية لأنها تحمل اسم غريمه زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين ولم يستجب لمناشدات القادة الألمان بتطويق المدينة والتركيز على أهداف أكثر أهمية وأقل صعوبة.
وكانت مدينة الفلوجة العراقية صاحبة أول هزيمة كبرى أصابت الأمريكيين بالعراق، كما أن مدينة السويس المصرية التي كانت شبه خاوية من السكان أوقفت تقدم الجيش الإسرائيلي بعد عبوره قناة السويس عبر ما يعرف باسم الثغرة في حرب 1973، وتصدى سكانها القليلون وبعض وحدات القوات الخاصة المصرية وجنود الجيش الجزائري والمتطوعون من الشرطة وعمال منشآت البترول للجيش الإسرائيلي في غياب أي قوة عسكرية مصرية رئيسية، وأدت مباني المدينة لتحييد تأثير الطيران الإسرائيلي الذي مكنه من قبل من اختراق خطوط الجيش المصري.
لماذا قد تصبح غزة ستالينغراد إسرائيل؟
وغزة قد تكون أسوأ بالنسبة للجيش الإسرائيلي من كل هذه المدن.
يعد قطاع غزة، واحداً من أعلى مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية، فبسكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة ومساحته التي تقدر بــ365 كلم مربع فقط، يحتل المركز الخامس من بين دول ومناطق العالم شبه المستقلة من حيث الكثافة السكانية.
ولكن هؤلاء ليسوا سكاناً عاديين، فأغلبهم من أولاد وأحفاد اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من أراضيهم عام 1948، وهو يتوقون للانتقام ممن طردهم، وممن احتل موطنهم الجديد عام 1967، ثم حاصرهم قبل أكثر من 16 عاماً، وجعل من قطاع غزة أكبر سجن في العالم، وقتل أحبتهم من خلال أكثر من خمس حروب، وها هو يشن السادسة عليهم.
في الضفة الغربية، يختلف أداء مخيمات اللاجئين مثل جنين المقاوم عن المدن العادية، تجربة الطرد القديمة، وظروف المخيمات المزرية حافز أكبر للمقاومة، وغزة بمثابة مخيم كبير للاجئين.
وليس هذا فقط، تقع غزة على حافة الأرض الفلسطينية الخصبة، حيث تتاخم صحراء سيناء والنقب، مما يجعل السكان خليطاً تشكل من اندماج المزارعين والبدو، وهو خليط دوماً يكون في العالم العربي الأشد بأساً فيجمع عادة بين صلابة البدوي وتمسك المزارع بأرضه وهو ما يظهر في مناطق مشهورة بمقاومة الاحتلال عادة أو حتى التمردات ضد الحكومات المحلية مثل منطقة الجزيرة الفراتية في العراق وسوريا، والصعيد ، وإقليم دارفور السوداني وليبيا بأكملها.
يضاف لذلك انتشار السلاح بشكل كبير سواء بين العدد الكبير من حركات المقاومة أو حتى بين السكان المدنيين.
المقاومة كان لديها 70 ألف مقاتل وقد تكون أعدادهم قد زادت مؤخراً
وهذا يعود بنا لخطاب سابق لقائد حماس في غزة يحيى السنوار وجَّه فيه باسم كل الفصائل المسلحة ما يشبه رسالة تحذير لإسرائيل إن حاولت احتلال غزة، قائلاً إن “عدد المقاتلين في القطاع يُقدر بحوالي 70 ألفاً من الشباب، سيخرجون من باطن الأرض بمضادات دروع، وسيطلقون صواريخ ستحيل مدن إسرائيل إلى مدن أشباح”، وإنّهم يملكون مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، وآلاف الكمائن، وجميعها صُنعت في غزة.
كما هدّد السنوار إسرائيل، بقدرة المقاومة على ضرب تل أبيب مدة ستة أشهر متواصلة، برشقات صاروخية متتالية، تفوق أعدادها عشرات المرات ما تعرضت له من قصف خلال عام 2014.
وفي عام 2021، قال قائد كبير في الجيش الإسرائيلي إن حماس لديها 30 ألف رجل، من بينهم 400 كوماندوز بحري تلقوا تدريبات ومعدات متطورة لتنفيذ عمليات بحرية، إضافة إلى 7 آلاف صاروخ وعشرات الطائرات بدون طيار، حسبما نقل عنه موقع the Times of Israel.
وقد تكون هذه الأرقام قد ارتفعت بشكل كبير؛ لأن هذا التصريح صدر قبل أكثر عامين.
ويعتقد أن حماس تقسم قواتها إلى قوات كوماندوز أو النخبة وقوات عسكرية أساسية وقوات شرطة، إضافة لقوات احتياطية من المتطوعين والشباب، وقد تكون الأخيرة أكبر حجماً من التقديرات السابقة.
وقال القائد الإسرائيلي إن حركة الجهاد الإسلامي الأصغر، التي غالباً ما تعمل بشكل مستقل عن حماس، تمتلك ترسانة مماثلة. ويشمل ذلك 6000 صاروخ وعشرات الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات ونحو 400 من القوات البحرية.
وتصف مصادر عسكرية إسرائيلية قوة حماس العسكرية بأنها تعادل القوة النيرانية لدولة أوروبية صغيرة، بينما عدد السبعين ألف مقاتل الذين تحدث عنهم السنوار قد يكون قد زاد بشكل كبير مؤخراً، وهو عدد يقارب جنود بعض الجيوش الأوروبية الصغيرة وحتى المتوسطة.
كما يظهر الأداء المذهل في عملية طوفان الأقصى، تطور قدرات مقاتلي والتي دفعت بنحو 1500 أغلبهم من مقاتلي النخبة لديها، خلف الخطوط الإسرائيلية عبر اختراق نحو 30 نقطة حدودية، رغم احتمال عدم عودة أغلبهم، الأمر الذي يؤشر إلى أنه بات لديها أعداد كبيرة من مقاتلي النخبة.
حماس قد تكون قد وصلت لمعلومات استخباراتية حساسة خلال طوفان الأقصى
إضافة للمعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن إسرائيل التي يبدو أن حماس قد حصلت عليها واستفادت منها في تنفيذ عملية طوفان الأقصى، فمن المرجح أن حماس قد حصدت مزيداً من المعلومات الاستخباراتية خلال عملية طوفان الأقصى نفسها.
فخلال طوفان الأقصى تبين أن 10 مسلحين من حماس كانوا يعرفون بالضبط كيفية العثور على مركز للمخابرات الإسرائيلية وكيفية الدخول إليه، حسبما ظهر من لقطات اطلعت عليها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مأخوذة من كاميرات كانت مثبتة على رؤوس مقاتلين تابعين لحركة حماس قتلوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقول الصحيفة إنه للحظة، بدا أن المهاجمين غير متأكدين من المكان الذي سيتوجهون إليه بعد ذلك، لكن أحدهم أخرج من جيبه خريطة مفصلة للقاعدة وبالألوان.
جرى بعدها إعادة توجيه المجموعة ليجدوا باباً مفتوحاً لمبنى محصن، وبمجرد دخولهم، وصلوا لغرفة مليئة بأجهزة الكمبيوتر في مركز الاستخبارات العسكرية.
تقول الصحيفة إن الوثائق التي عثر عليها مع مسلحي حماس ومقاطع الفيديو الخاصة بالهجوم والمقابلات مع مسؤولين أمنيين تظهر أن المجموعة كان لديها فهم متطور بشكل مدهش لكيفية عمل الجيش الإسرائيلي وتمركز وحدات معينة وكذلك الوقت الذي سيستغرقه وصول التعزيزات، حسبما نقل عنها موقع قناة الحرة الأمريكية.
يشير هذا التقرير إلى نجاح هجوم حماس على الموقع الاستخباراتي الإسرائيلي، وقد يعني ذلك أنهم استولوا على معلومات استخباراتية مهمة قد تكون مفيدة للتصدي للعملية العسكرية الإسرائيلية القادمة.
كما أن هناك تقارير أخرى تفيد بأن عدداً من قادة الجيش الإسرائيلي كانوا موجودين على حدود غزة في مكان واحد. وتبين أنه بمجرد اجتياح القاعدة التي كانوا فيها، قُتل أو جُرح أو أُخذ معظم كبار الضباط رهائن، وفقاً لما نقلته لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن اثنين من المسؤولين الإسرائيليين.
كما أعلنت حركة حماس عن وجود ضباط كبار ضمن الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم كتائب القسام، وهؤلاء الضباط الكبار ليسوا فقط أهدافاً عالية القيمة في عملية المساومة أو استخدامهم كدروع لمنع الهجمات الإسرائيلية، ولكنهم يمكن أن يكونوا وسيلة قيمة للحصول على معلومات مفيدة في عرقلة الهجوم البري الإسرائيلي.
حماس على الأرجح حيدت شبكة العملاء التابعين للاحتلال في غزة
و”تظهر عملية طوفان الأقصى أن استخبارات المقاومة الفلسطينية نجحت في رسم صورة دقيقة للمواقع الإسرائيلية وتقويض شبكة العملاء”، كما يقول القيادي في حركة حماس أسامة حمدان.
وقال أسامة حمدان، إن المقاومة اغتنمت وثائق حساسة للاحتلال خلال “طوفان الأقصى”، بما فيها كل ما في موقع “إيرز” من معلومات حول العملاء وخطط الاحتلال.
وأوضح مسؤولون أمريكيون سابقون لصحيفة نيويورك تايمز أنه “لا بد أن مئات الأشخاص كانوا منخرطين في التخطيط للهجوم، مما يدل على أن جهود حماس لكسر شبكة المخبرين الإسرائيلية كانت ناجحة”.
قد يؤثر تقويض شبكة العملاء سواء قبل عملية طوفان الأقصى أو خلالها على عملية الهجوم البري الإسرائيلي ضد غزة.
الفرقة التي يفترض أن تقود الهجوم البري ضد غزة فقدت توازنها
إحدى النتائج الجديرة بالاهتمام لعملية طوفان الأقصى ما حدث لفرقة غزة التي تعرض مقرها الرئيسي ومقرات أخرى تابعة لها لهجوم المقاومة، حيث قتل مئات من جنودها وأسر العشرات بما فيهم قادة وضباط كبار، كما أنها الفرقة التي يعتقد أنها قد تعرضت للاختراق الاستخباراتي من حماس سواء قبل عملية طوفان الأقصى أو خلالها.
ويعتقد أن مقاتلي المقاومة وصلوا إلى أربع قواعد عسكرية إسرائيلية على الأقل، وهي على الأرجح تابعة للفرقة الرابعة، بما فيها قاعدة رعيم وهي مقر الفرقة.
و”فرقة غزة” فرقة عسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي تحمل الرقم “643”، وتعمل تحت إمرة المنطقة العسكرية الجنوبية، ومقرها قاعدة رعيم التي تبعد عن قطاع غزة 7 كيلومترات، وتكمن مهمتها في حراسة الحدود المتاخمة لقطاع غزة وإدارة عمليات الاغتيال وتدمير الأنفاق التي تكتشفها في غلاف غزة، وتضم لواءين: شمالي وجنوبي.
وأعلنت كتائب عز الدين القسام في أول يوم من العملية (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) أن “فرقة غزة” سقطت بكاملها.
ويقدر عدد جنودها بعشرين ألفاً يتوزعون بين فرق قتالية ووحدات هندسة واستخبارات وغيرها.
وتأثير خسائر فرقة غزة المعنوية، لا يقتصر فقط على الناحية العددية، ولكن هذه الفرقة هي المكلفة بمراقبة القطاع بما في ذلك الأنفاق والصواريخ والأسلحة وغيرها، وبالتالي هي رأس حربة أي هجوم إسرائيلي، وجنودها سيكلفون بالمهام الصعبة لأي عملية عسكرية، ولا يعرف متى يمكن للفرقة استعادة توازنها اللوجستي والنفسي.
ويقول الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية واصف عريقات إنه يبدو أن هناك معوقات عند الجيش الإسرائيلي، وأنه متردد في تنفيذ العملية البرية لأسباب معلومة، منها أن جيش الاحتلال لم يستطع “حماية الحدود” والثكنات العسكرية خلال عملية “طوفان الأقصى”، لافتاً إلى أن “قيادة فرقة غزة” وحدها والهزيمة التي لحقت بها تؤكد أن هذا الجيش يحتاج إلى سنوات للتعافي في معنوياته وردعه وقدرته على القتال.
هل تستطيع إسرائيل تحمل تبعات عملية عسكرية طويلة؟
لكي تنفذ إسرائيل اجتياحاً كاملاً لغزة، فلن تكون مشكلتها فقط في الخسائر الكبيرة لجنودها المحتملة فقط، بل أيضاً، ردود المقاومة التي تستهدف الداخل الإسرائيلي سواء عبر القصف بالصواريخ أو حتى عبر عمليات فدائية داخل العمق الإسرائيلي.
كما أن الاستدعاء الكبير لجنود الاحتياط رغم أنه يوفر قوة بشرية إضافية، ولكن بعضهم قد يكون أقل كفاءة من الجنود العاملين، كما أن هؤلاء الجنود، هم مدنيون يعملون في قطاعات صناعية وزراعية وخدمية مختلفة، وانقطاعهم عن أعمالهم لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي إلى تضرر هذه القطاعات بصورة كبيرة.
احتمالات تحول الحرب إلى حرب إقليمية شاملة
لأول مرة في هجوم إسرائيلي ضد غزة تصاعدت مخاطر انزلاق الأزمة إلى حرب إقليمية كبيرة بشكل غير مسبوق منذ عقود.
فرغم أن إيران وحزب الله بعثا برسائل متعددة، بأنهما لا يريدان التورط في القتال، ولكن في الوقت ذاته أرسلا رسائل أخرى أنهما لن يسمحا بغزو غزة والقضاء على المقاومة بها.
فرغم الاختلافات بين حركة المقاومة في غزة وإيران وحزب الله خاصة فيما يتعلق بقضية الصراع السني الشيعي ونأي حركات المقاومة الفلسطينية بنفسها عن الخلافات الإيرانية الخليجية، لأن المقاومة الفلسطينية حليفة لإيران ولكن ليست تابعة لها مثل حزب الله والحوثيين، ولكن القضاء عليها يعني إضعاف إيران والقوى التابعة لها بل قد يشجع أمريكا وإسرائيل على استهدافها.
وبالتالي لا يمكن استبعاد تدخل حزب الله في الحرب وقد سبق أن أوضح الحزب خطوطه الحمراء في الأزمة الحالية، وهي الهجوم على لبنان، محاولة تنفيذ غزو شامل لغزة، القضاء على المقاومة، وتخطي رقم الضحايا العدد المقبول وإن لم يحدد ما هو العدد المقبول.
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مؤخراً إنه تم إبلاغ إسرائيل عبر داعميها، بأنها “إذا لم تتوقف جرائمها في قطاع غزة فاتساع جبهات الحرب غير مستبعد”.
وعادة في أي حرب بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل، يلتزم حزب الله جانب الحذر، ولكن في الحرب الحالية لأول مرة ينفذ الحزب عمليات صغيرة ولكن بوتيرة تكرار غير مسبوقة ضد إسرائيل آخرها قصف الحزب لـ5 مواقع للاحتلال اليوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما يسمح لحركات المقاومة بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل من جنوب لبنان مثلما حدث مع حركة الجهاد قبل أيام ومع القسام، التي أعلنت اليوم لأول مرةٍ أنها قصفت “مستوطنتين” شمالي إسرائيل بـ20 صاروخاً.
يظهر ذلك أن احتمال توسع الحرب ودخول حلفاء إيران على الأقل بها مرتفع، خاصة أن طهران بات لديها ميليشيات ضخمة في المنطقة مثل الحشد الشعبي العراقي الذي قد يزيد عدد قواته عن مئة ألف مقاتل، ويمكنه العمل من سوريا المدمرة أصلاً، وخاصة أن سلطة بشار الأسد بالبلاد محدودة، كما أن روسيا التي تشارك إيران في السيطرة على سوريا معنية بالتصعيد للانتقام من الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
وقال مصدران مقربان من الجماعات العراقية الموالية لإيران لـ”راديو فردا” الناطق بالفارسية، إن “اجتماعاً عقد في بغداد يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، بعد هجوم حماس على إسرائيل، وحضر هذا الاجتماع مسؤولون إيرانيون، ورؤساء بعض الجماعات العراقية التي تدعمها طهران”.
ووفقاً للمعلومات فقد دعا المسؤولون الإيرانيون في الاجتماع، إلى إنشاء مركز لتسجيل المتطوعين للحرب ضد إسرائيل، وطالبوا الجماعات المسلحة العراقية بالاستعداد، لكنهم أكدوا ضرورة الحرص على عدم اتخاذ أي إجراء “حتى إعطاء الأمر”.
ودخول حلفاء إيران في المعركة قد يؤدي لتدخل أمريكي ضدهم أو حتى إيران، الأمر الذي قد يفجر حرباً إقليمية واسعة قد تشمل الحوثيين أيضاً، بل قد تدعم روسيا إيران نكاية في أمريكا.
نظراً لمجمل هذه العوامل السابقة يبدو أن تنفيذ غزو بري إسرائيل شامل لغزة أمر صعب من الناحية العسكرية والإنسانية، والسياسية، ولكن في المقابل، يبدو تدخل بري متوسط أو محدود أمراً حتمياً، حتى لو لم يكن له فوائد استراتيجية لأنه وسيلة لتخفيف الإهانة التي لحقت بإسرائيل ونتنياهو.
المشكلة أن التدخل البري المحدود قد يؤدي بدوره لخسائر إسرائيلية قد تلحق مزيداً من الإهانة بإسرائيل، وبالتالي الحاجة لرد على الإهانة الجديدة.
كما أثبتت حرب أوكرانيا من قبل يمكن لأي دولة قوية البدء بالحرب ولكن قد لا تكون بالضرورة قادرة على إنهائها في الوقت والطريقة اللذين تريدها بهما، كما أن التنبؤ بمسارات الحروب ثبت أنه أمر صعب على أكثر الخبراء العسكريين ذكاء وعلماً (لم يتوقع أي جهاز استخباراتي أمريكي صمود أوكرانيا لأكثر من بضعة أسابيع إلا جهاز واحد فقط).
وعلى الأرجح فإن الأيام القادمة سوف تشهد غزواً برياً يتراوح بين محدود إلى متوسط، وقد يؤدي لوقوع خسائر كبيرة بين الطرفين، وبالأكثر لدى المدنيين الفلسطينيين، ولكن النتيجة لن تكون مرضية كثيراً للإسرائيليين.
ولمحاولة مسح العار الذي لحق به سيعزز الجيش الإسرائيلي من استخدام نقطة تفوقه الرئيسية وهي سلاح الجو، ولكن سلاح الجو لا يرى المقاومة، ولذا فإنه سيواصل استهداف المدنيين، موقعاً مزيداً من الضحايا الأبرياء؛ عله يرضي الكرامة الإسرائيلية المهدرة.