القليل من الإسرائيليين لديهم شيء قريب من تجربة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في العمل في غزة. ففي عام 2000 كان باراك رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع عندما اندلعت الانتفاضة الثانية في غزة والضفة الغربية المحتلة وباقي الأراضي المحتلة. وقبل ذلك كان قائداً لقوات الدفاع الإسرائيلية عندما نفذت إسرائيل أول انسحاب كبير لها من مدن قطاع غزة كجزء من اتفاقيات أوسلو الأولى الموقعة في عام 1993.
ثم في ولايته الثانية كوزير للدفاع، في عام 2009، أشرف باراك على أكبر عملية برية إسرائيلية ضد حماس في غزة حتى الآن. والآن يستعد الجيش الإسرائيلي لما يتوقع أن يكون عملية برية أكبر بكثير في غزة. وهدفها هو “تدمير حماس” كما يقول بنيامين نتنياهو، التي هاجمت تجمعات وقواعد عسكرية إسرائيلية على طول الحدود يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي.
ما الذي يراه إيهود باراك ولا يراه نتنياهو في اجتياح غزة؟
يقول باراك إن ما حدث في غلاف غزة يمثل “أكبر فشل في تاريخ إسرائيل”. ويضيف باراك بحسب مجلة Economist البريطانية أن الجيش الذي كان يقوده في السابق يواجه صعوبات كبيرة في ملاحقة عدو حازم ومسلح بشكل جيد، متحصن في جيب ساحلي صغير مكتظ بأكثر من مليوني نسمة. وهو يدرك الآثار المترتبة على الخسائر الفادحة التي ستلحقها هذه العملية على الطرفين. وفي الأيام التسعة الأولى التي أعقبت هجوم حماس، قتلت إسرائيل أكثر من 2400 من سكان غزة المدنيين في غارات جنونية، تدعي إسرائيل أنها كانت ضد “أهداف حماس”.
وينصح باراك حكومة نتنياهو بعدم التسرع في عملية برية. ويقول بحسب الإيكونوميست: “نحن لا نواجه تهديداً وجودياً من حماس، إسرائيل ستفوز بهذا”. وبمجرد أن يخضع جميع جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم لتدريب تجديدي، تستطيع إسرائيل السيطرة على معظم قطاع غزة وتدمير مراكز قوة حماس وقدراتها العسكرية “في غضون أسبوعين إلى ستة أسابيع”، حسب تعبيره.
وعلى عكس العمليات البرية الكبرى في عامي 2009 و2014، عندما دخلت إسرائيل في وقت واحد مناطق مختلفة من قطاع غزة، يعتقد باراك، أن الهجوم هذه المرة يمكن تنفيذه على مراحل، لتقليل المخاطر، حسب تعبيره.
وعلى الرغم من ثقته في قدرة الجيش على “توجيه ضربة تدميرية” لحماس في غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي سيواجه الكثير من القيود والتحديات بحسب باراك. واعترفت إسرائيل بأن حماس نجحت بأسر عشرات وربما مئات الإسرائيليين لديها. ويعتقد باراك أنه يجب تأجيل العملية البرية قدر الإمكان حتى التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح بعضهم في صفقة ما.
في الوقت نفسه، يرى بارك أنه يجب أن تضمن إسرائيل من أن أفعالها يجب أن تكون مشروعة من قبل العالم الأوسع. وفي أعقاب الهجوم الذي شنته حماس، عرضت معظم الحكومات الغربية لإسرائيل دعمها الكامل. لكن باراك يحذر من أن “الدعم هذا يأتي أيضاً مع توقع أننا نلتزم بالقانون الدولي في عملياتنا”. مضيفاً: “سوف يتآكل الدعم الغربي بشكل كبير لنا عندما تظهر لقطات للمنازل المدمرة في غزة مع جثث الأطفال والنساء المسنات الباكيات”.
“ربما يكون لدى حزب الله 150 ألف صاروخ موجهة نحو إسرائيل”
يرى باراك أن الوجود البحري الأمريكي – حيث نشرت واشنطن في 14 أكتوبر/تشرين الأول مجموعة ثانية من حاملات الطائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط - مصمم جزئياً لردع الجهات الخارجية عن الدخول في الصراع أو تصعيده. ولكنه “يؤكد أيضاً على حاجة إسرائيل إلى العمل وفقاً للقانون الدولي”.
وسوف يتعين على إسرائيل أن تراقب عن كثب تحركات حزب الله، في الجبهة الشمالية. وربما يكون لديه 150 ألف صاروخ موجهة نحو إسرائيل. وأرسلت إسرائيل قوات ودبابات إلى الحدود على أمل ردع أي هجوم. ويقول باراك إن هجوم حماس من غزة كان مبنياً على خطط مماثلة لحزب الله للسيطرة على المستوطنات في الشمال، لكن حزب الله فقد الآن عنصر المفاجأة وإسرائيل مستعدة.
ويضيف: “ليس لدى إسرائيل مصلحة في الصراع مع حزب الله في الوقت الحالي، ولا أعتقد أنهم سيهاجمون الآن بعد أن قمنا بنشر الكثير من القوات في الشمال.. تلوح الآن إحدى حاملات الطائرات الأمريكية قبالة سواحل لبنان، لترسل إشارة إلى حزب الله وإلى راعيته إيران”.
“تدمير حماس أمر غير واقعي”
تقول الإيكونومست، إنه على الرغم من أن باراك يؤيد بقوة شن حملة برية في غزة، إلا أنه ينتقد الحديث عن “تدمير حماس” من جانب بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وكذلك الوزراء في حكومته وبعض الجنرالات. “ما الذي يعنيه ذلك حتى؟ تدمير حماس أمر غير واقعي”. وأضاف: “هذا ليس هدف حرب قابلاً للتصديق. ويجب أن يكون هدف إسرائيل الآن أكثر وضوحاً، يجب أن يتم حرمان حماس من قدراتها العسكرية”.
وبعد هجوم 7 من أكتوبر/تشرين الأول، قال باراك في تصريحات صحفية: “من الصعب مقارنة حماس بأي منظمة عرفناها في الماضي، هي مثل داعش. لدى بعضهم مستوى أفضل مما كانوا عليه في الماضي. كما أنها رفعت الثمن وجعلت هذا الهجوم ناجحاً. بما يتجاوز كل إخفاقاتنا، علينا أن نأخذهم على محمل الجد. لقد فاجأوا الناس بنجاحهم”.
ويعتقد باراك أن النتيجة المثلى التي تريدها الحكومة الإسرائيلية، أنه بمجرد تدهور قدرات حماس العسكرية تدريجياً وبالقدر الكافي، هي إعادة تأسيس السلطة الفلسطينية في غزة. السلطة، التي تأسست بموجب اتفاقيات أوسلو وتدير أجزاء الحكم الذاتي في الضفة الغربية، تم طردها من غزة على يد حماس في عام 2007. ومع ذلك فهو يحذر من أن محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، “لا يمكن أن ينظر إليه على أنه عائد على ظهر الدبابات الإسرائيلية”.
ولذلك، ستكون هناك حاجة إلى فترة انتقالية “تستسلم خلالها إسرائيل للضغوط الدولية وتسليم غزة إلى قوة حفظ السلام، والتي يمكن أن تشمل أعضاء مثل مصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة. وسيقومون بتأمين المنطقة حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة عليها. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو أن الدول الأخرى في المنطقة ليس لديها الرغبة في المساهمة بقوات في مثل هذه القوة”، كما يقول باراك.
ستتم محاسبة نتنياهو
ثم هناك الحساب الكبير الذي سيحدث في إسرائيل بمجرد انتهاء الحرب. سيتم طرح تحقيقات حول من المسؤول عن الإخفاقات في الاستخبارات والتخطيط التي سمحت لحماس بأخذ إسرائيل على حين غرة ومن ثم الوصول إلى القواعد العسكرية والتجمعات المدنية وغيرها.
يقول باراك: “يجب إجراء تقييم أعمق بكثير في وقت لاحق”، وعندما يحدث ذلك، فهو مقتنع بأن اللوم سيقع على نتنياهو. إذ “سيكون من الواضح، قبل كل شيء، أن نتنياهو كان لديه استراتيجية معيبة تتمثل في التعامل مع حماس، حتى يتمكن من استخدامها لإضعاف السلطة الفلسطينية، حتى لا يتمكن أحد في العالم من مطالبتنا بإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين”.
تقول الإيكونومست إن قليلاً من الناس يعرفون أن نتنياهو، الذي كان ضابط كوماندوز قبل 55 عاماً في وحدة الاستطلاع السرية التابعة لهيئة الأركان العامة، كان تحت قيادة باراك الذي قاد الوحدة. وكان شقيقه الأكبر، يوني نتنياهو، وهو أحد قادة الوحدة الآخرين الذي قُتل أثناء إنقاذ الرهائن المحتجزين في “مطار عنتيبي” عام 1976 في أوغندا، كان يوني أحد أقرب أصدقاء باراك. لكن بنيامين كان أحد أشرس الخصوم لباراك.
نتنياهو تسبب بتمزّق الجيش الإسرائيلي
في عام 1999، قاد باراك حزب العمل إلى النصر الانتخابي، منهياً فترة ولاية نتنياهو الأولى كرئيس للوزراء. ولكن عندما عاد نتنياهو إلى منصبه في عام 2009، عمل باراك وزيراً للدفاع لمدة أربع سنوات. ولكن منذ أن ترك السياسة البرلمانية في عام 2013، أصبح منفصلاً بشكل متزايد عن نتنياهو.
يبلغ باراك الآن من العمر 81 عاماً، وهو نشط في حركة الاحتجاج التي خرجت إلى الشوارع على مدار الأشهر التسعة الماضية، في محاولة لمنع حكومة نتنياهو من إجراء تغييرات دستورية للحد من صلاحيات المحكمة العليا.
ويقول باراك إن نتنياهو تجاهل التحذيرات المتكررة من القادة العسكريين من أن الانقسامات التي تسبب بها نتنياهو تمزق الجيش أيضاً. خلال الاحتجاجات، قال الآلاف من جنود وضباط الاحتياط إنهم يرفضون الخدمة أو التطوع في الجيش الإسرائيلي إذا تم تمرير التغييرات الدستورية.
ويعتقد باراك أن نتنياهو هو المسؤول المباشر عن الأزمة المتفاقمة، حيث جاءت الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بنتائج عكسية. لأن الدولة تخلت عن التزامها الأساسي تجاه مواطنيها، وهو إبقاؤهم على قيد الحياة، وكان هذا أسوأ أنواع الإهمال التي تسبب بها نتنياهو في تاريخ إسرائيل، كما يقول باراك.