على عكس الموقف الأمريكي والغربي المساند لإسرائيل على طول الخط، تحظى فلسطين والمقاومة بدعم لافت من أغلب أنحاء أمريكا اللاتينية، فإلى أين تتجه حرب الرواية بين الاحتلال والمقاومة على المسرح الدولي؟
ويواصل جيش الاحتلال القصف المجنون وغير الإنساني لقطاع غزة لليوم العاشر، بغطاء أمريكي وغربي، بهدف إيقاع نكبة جديدة للفلسطينيين تكون أسوأ من نكبة 1948، وهو ما رصده تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية عنوانه “فرض الحصار على غزة ليس حلاً”، يفضح ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي من قصف غير مسبوق لقطاع غزة منذ عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
و”طوفان الأقصى” هو الاسم الذي أطلقته “حماس” على العملية العسكرية الشاملة، ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت “حماس” اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر؛ حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
في الوقت نفسه، تتواصل ردود الفعل على ما تشهده الأراضي الفلسطينية، سواء المحتلة أو المحاصرة، من قصف وتنكيل دموي من جانب دولة الاحتلال جيشاً ومستوطنين، بين موقف أمريكي وغربي يواصل تقديم الدعم العسكري والإعلامي لما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب ممنهجة ومعلنة بحق أكثر من 2.3 مليون فلسطيني محاصرين تماماً في قطاع غزة، وبين مظاهرات شعبية منددة بما يحدث ومساندة للفلسطينيين وحقهم المشروع في مقاومة الاحتلال.
ماذا عن الموقف في أمريكا اللاتينية؟
وبين هذا وذاك، يبدو الموقف مختلفاً إلى حد كبير في قارة أمريكا اللاتينية، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني يرصد حالة من التضامن مع فلسطين تتناقض بشكل صارخ مع موقف الغرب، حيث أدان عدد لا يحصى من المؤسسات الغربية ورؤساء الدول البارزين علناً الهجوم العسكري الذي نفذته المقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأعربوا عن دعمهم لإسرائيل.
الدعم الأقوى لإسرائيل جاء من الولايات المتحدة، حيث ألقى الرئيس جو بايدن، الثلاثاء، خطاباً في البيت الأبيض ندَّد فيه بشدة بما وصفها بأعمال “العنف التي تقوم بها الجماعات الفلسطينية”، وتعهَّد بدعم إسرائيل. وقال بايدن: “في هذه اللحظة، يجب أن نكون واضحين تماماً: نحن نقف إلى جانب إسرائيل”.
وكانت ردود الفعل بين رؤساء الدول من أماكن أخرى في جميع أنحاء العالم أكثر تنوعاً، ففي أمريكا اللاتينية، حيث أدت موجة من الحكومات اليسارية اليمين الدستورية على مدى السنوات الأخيرة، أعلن الزعماء من مختلف أنحاء المنطقة عن مواقفهم.
وكان المعلق الأعلى صوتاً بين زعماء أمريكا اللاتينية هو رئيس كولومبيا اليساري جوستافو بيترو. ولطالما كان رئيس الدولة الكولومبية مدافعاً عاماً عن القضية الفلسطينية، ولجأ إلى منصة إكس (تويتر سابقاً) لانتقاد ما تقوم به إسرائيل من قصف عشوائي وجنوني لقطاع غزة. وغرَّد بيترو بانتظام حول الموضوع، مما أثار رد فعل عنيفاً من داعمي إسرائيل بسبب ما وصفوه بأنه افتقار إلى اللباقة الدبلوماسية وأثار مناقشات مع دبلوماسيين إسرائيليين في كولومبيا. اللافت هنا أنه لا أحد من هؤلاء النقاد وجَّه النقد ذاته لبايدن، الذي استخدم توصيفات غير لائقة ونشر معلومات مضللة وكاذبة تماماً بحق المقاومة.
قارن بيترو في تغريداته الوضع في غزة بمعسكرات الاعتقال في أوشفيتز، وشبَّه جيش الاحتلال الإسرائيلي بالنازيين، وشارك على نطاق واسع الصور ومقاطع الفيديو للفلسطينيين الذين استشهدوا في الهجمات الإسرائيلية على مدار الأسبوع.
قال مايكل بارلبيرغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا كومنولث، لموقع Middle East Eye البريطاني: “بالنسبة له، هذه مسألة مبدأ. لا يبدو أنه كان يقول هذه الأشياء من وجهة نظر جيواستراتيجية، لأنه قال بعض الأشياء التي قد تكون مثيرة للجدل إلى حد كبير. كان يعبر عن رأيه بطريقة فظة للغاية”.
بوليفيا ودعم فلسطين
في بوليفيا، أعرب الرئيس السابق إيفو موراليس -الذي يترشح مرة أخرى لمنصب الرئاسة- عن دعمه لفلسطين وخالف البيان الأكثر دبلوماسية الذي أدلت به الحكومة اليسارية.
وقال على منصة إكس: “لا يعكس بيان وزارة الخارجية البوليفية شعور الشعب البوليفي بالتضامن تجاه فلسطين. الشعب البوليفي سوف يدين دائماً الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية”. وأوضح بارلبيرغ أنه “إلى جانب الأسباب الجيواستراتيجية وأسباب السياسة الداخلية”، فإن دعم أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية له جذور تاريخية.
قال بارلبيرغ للموقع البريطاني: “هناك أيضاً عدسة الحرب الباردة، حيث كانت القضية الإسرائيلية الفلسطينية مجالاً للخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولأن أمريكا اللاتينية كانت أيضاً منطقة نزاع، اصطفت العديد من الدول هناك على كلا الجانبين”. وأضاف بارلبيرغ أنه في تشيلي، التي تُعَد موطناً لأكبر جالية فلسطينية في الشتات خارج العالم العربي، كان الدعم للقضية الفلسطينية قوياً تاريخياً.
ومع ذلك، أصدر الرئيس غابرييل بوريتش بياناً دبلوماسياً أدان فيه ما وصفها بأنها “هجمات حماس”، لكنه أضاف أيضاً “الهجمات العشوائية ضد المدنيين التي نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة والاحتلال غير القانوني المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية في انتهاكٍ للقانون الدولي”.
وكان رد فعل زميل بوريتش اليساري في البرازيل أكثر صمتاً، لكنه أبرز الفلسطينيين بشكل بارز. أدان الرئيس لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في بيان له الهجمات على إسرائيل، لكنه دعا أيضاً المجتمع الدولي إلى الدفع من أجل “حل للصراع يضمن وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة اقتصادياً، تتعايش بسلام مع إسرائيل داخل حدود آمنة لكلا الجانبين”.
وأصدرت فنزويلا بياناً أعربت فيه عن “قلقها العميق” إزاء تصاعد العنف وذكرت أن الوضع “هو نتيجة لعدم قدرة الشعب الفلسطيني على إيجاد مساحة في القانون الدولي لتأكيد حقوقه التاريخية”.
العلاقات الفلسطينية
لم يمر استعراض الدعم العلني في أنحاء أمريكا اللاتينية دون أن يُلاحَظَ في أوساط المجتمع الفلسطيني في القارة، إذ قال سمعان خوري، الرئيس السابق للاتحاد الفلسطيني لأمريكا اللاتينية ورئيس الجمعية الفلسطينية في السلفادور: “نحن نقدِّر ذلك كثيراً. لا يمكن تبرير القتل. لا نريد المزيد من الموتى، لا من اليهود ولا من الفلسطينيين”، وأضاف: “الناس يعانون ويقاومون. ولكن هذا هو ثمن الحرية”.
على الجانب الآخر، اتخذ رئيس السلفادور ناييب بوكيلي موقفا صامتاً بشأن ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين العزل في قطاع غزة، رغم أنه أدان هجوم المقاومة مستخدما التوصيفات الإسرائيلية والغربية، إذ كثيرا ما نأى بوكيلي، الذي اعتنق والده الإسلام وأصبح إماماً في مسجد بارز في العاصمة سان سلفادور، بنفسه عن القضية الفلسطينية.
وعلق بارلبيرغ على ذلك الموقف من رئيس السلفادور، الذي ينحدر من أصول فلسطينية، بقوله: “إنه لا يرى أي جانب إيجابي في أن يؤيد فلسطين علناً.. كان يؤيد إسرائيل تأييداً تاماً في الماضي، لكن السلفادور ككل كانت كذلك لفترة طويلة”.
وأضاف: “نظراً لأن الولايات المتحدة كانت شريكاً وثيقاً للغاية، فإن ما تعتقده الولايات المتحدة له شأن كبير في السياسة السلفادورية. في كثير من الأحيان، كما هو الحال مع الكثير من البلدان، تكون القضية الإسرائيلية الفلسطينية بمثابة وكيل للعلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة”.
في هذه الأثناء، تحدث الرئيس الأرجنتيني اليساري، ألبرتو فرنانديز، مع نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ في 7 أكتوبر/تشرين الأول “لنقل تضامن شعب وحكومة الأرجنتين”، حسبما ذكر على منصة إكس. تضم البلاد أكبر عدد من السكان اليهود في أمريكا اللاتينية. ويبلغ عددهم حوالي 180 ألفاً، في ما تُعَد أكبر جاليات اليهود في العالم. ومع ذلك، دعت نائبة الرئيس الأرجنتيني، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، إلى حل الدولتين.
وفي باراغواي، أضاء القصر الرئاسي بألوان العلم الإسرائيلي في عرض للتضامن، في حين شوهدت مسيرات وتجمعات تضامناً مع إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة على مدار الأسبوع.
ورغم تنوع ردود الفعل، حثّ الممثلون الإقليميون لفلسطين أمريكا اللاتينية على إظهار دعم أكبر لقضيتهم. وقال ألكسندر مونتيرو، المستشار السياسي في البعثة الفلسطينية الدبلوماسية في كولومبيا: “إن الموقف المتخذ في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية هو موقف يتماشى مع الوضع، ولكن على المستوى الاجتماعي، يجب على القارة أن تضطلع بدورٍ أنشط بالنظر إلى المجتمعات العربية الكبيرة هنا”.
وأضاف: “في الوقت الذي كان من الممكن اتخاذ موقف مستقل يختلف عن المركز الأوروبي أو الغربي، لم تفعل القارة ذلك. إنه لأمرٌ مؤسف أنه كان من الممكن استغلال هذه اللحظة”.