بعد إعلان الكثير من شركات الشحن البحرية عن تحويل مسار سفنها نحو طريق رأس الرجاء الصالح، وذلك بعد سلسلة الهجمات التي تشنها جماعة أنصار الله الحوثيين اليمنية على السفن في البحر الأحمر، وإعلانها استهداف أية سفن متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، باتت حركة الملاحة والتجارة البحرية تشهد عرقلة كبيرة، خصوصاً بعض إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وحلفائهما عن شنّ عمليات عسكرية في البحر الأحمر ضد الحوثيين، وهو ما أعاد لطريق رأس الرجاء الصالح أهميته التجارية التي اكتسبها لقرونٍ طويلة، على الرغم من زيادة فترة رحلة السفن، وتكبّد الشركات تكاليف إضافية.
ويقع رأس الرجاء الصالح في شبه جزيرة كيب في جنوب أفريقيا، وهي إحدى أقصى نقاط جنوب القارة الأفريقية، بحيث كان هناك اعتقاد خاطئ بأنه يقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية، فاصلاً بين المحيطين الأطلسي والهندي، لكنّه في الحقيقة يقع على بُعد 150 كيلومتراً شرقي النقطة التي تُسمى “رأس أقولاس”.
ما هو رأس الرجاء الصالح؟
رأس الرجاء الصالح (Cape of Good Hope) هو طريق بحري قام الأوروبيون باكتشافه في القرن الخامس عشر الميلادي؛ رغبةً منهم بزيادة قوتهم ونفوذهم، وإضعاف نفوذ المسلمين في المنطقة، وقلب موازين القوى لصالح الأوروبيين، فكان بدايةً جديدةً لأوروبا، ساعدتها في تأسيس حضارتها الجديدة.
أثار تحكم المسلمين في طرق التجارة البحرية للعالم التقليدي لفترة زمنية طويلة، ناهزت 8 قرون، رغبة لدى الأوروبيين في إيجاد طريق بديلٍ يسمح لهم بالإبحار والتجارة دون المرور بالأراضي الإسلامية، ما دفعهم إلى البحث عن حلٍّ لهذه المعضلة التي أرهقتهم طوال تلك الفترة، والتي كان حلّها يعني ضربةً كبيرةً في خصر دولة المماليك والدولة العثمانية.
فكان اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، أحد أسباب انهيار دولة المماليك عام 1517م، لأنه حوّل حركة التجارة العالمية إليه بدلاً من مرورها في أراضيها، فتغيّرت أحوال المجتمع الإسلامي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتراجع الاقتصاد فيها بشكل ملحوظ.
ولتحقيق هذا الهدف، عوّل البرتغاليون في بادئ الأمر بسبب قلّة معلوماتهم على المغامرة، فقام المستكشف البرتغالي “ديوغو كاو” بين عامي 1482 و1484 برحلتين فاشلتين لمحاولة الوصول إلى الطرف الجنوبي من الساحل الغربي لأفريقيا.
وفي منتصف عام 1497؛ قاد البرتغالي فاسكو دي جاما فريقاً مكوناً من 4 سفن و170 فرداً، وذلك لاستكشاف طريق إبحار إلى الشرق وتحديداً إلى الهند باعتبارها موطن التوابل، تلك البضاعة المطلوبة بشدة في أوروبا. وقد أدّت رحلته تلك إلى اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، الذي يمكن لنا أن نقول دون مبالغة إنّه غيّر العالم.
ولم يكن ليحقق هذا الإنجاز، لولا مساعدة العرب والمسلمين؛ إذ التقى دي جاما ببحار عربي يُدعى أحمد بن ماجد، الذي طلب منه فاسكو دي جاما أن يرشده إلى الطريق البحري إلى الهند فوضع له دليلاً لكيفية الوصول للهند، وهو ما قاد دي جاما لاحقاً لعبور بحر العرب.
وفي عام 1500 أرسلت البرتغال جيوشها لتسيطر على كل الساحل الشرقي لأفريقيا، والساحل الجنوبي للجزيرة العربية والساحل الغربي للهند والخليج العربي.
في البداية، أطلق المستكشف البرتغالي بارثولوميو دياز على الطريق اسم “رأس العواصف” بسبب ظروف البحر القاسية والطقس العاصف فيه. لكن الملك البرتغالي جون الثاني غيّر الاسم فيما بعد إلى الاسم الحالي “رأس الرجاء الصالح”، تيمّناً وتفاؤلاً منه بهذه المنطقة الجغرافية، والثروات الكبيرة التي اكتسبتها بلاده من الفرص التجارية التي ولّدها هذا الموقع الجغرافي.
أطلق عليها أيضاً لقب “مقبرة السفن”
هناك اسمٌ آخر صار يشتهر به طريق رأس الرجاء الصالح وهو “مقبرة السفن”، ويرجع سبب هذا اللقب إلى غرق الكثير من السفن على مدار تاريخه، إذ إنه في الفترة بين العام 1682 إلى عام 1992 واجهت 120 سفينة على الأقل الغرق أثناء عبورها خلاله.
ومن أشهر السفن التي غرقت بمقبرة السفن هي سفينة “لوسيتانا”، التي كانت تُلقب بـ”فخر البرتغال”، والتي انقلبت عند عودتها إلى لشبونة، بعد أن استخدم قبطان السفينة المنارة كدليل للعودة إلى الوطن ومع ذلك، تسببت الظروف الجوية السيئة والسحب المنخفضة المعلقة في مشاكل في الرؤية.
وانزلقت “لوسيتانيا” بعد يومين من محاولات النجاة، وتقع الآن على عمق 37 متراً تحت مستوى سطح البحر.
كم تستغرق رحلة السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح؟
تستغرق رحلات السفن التجارية عبر طريق رأس الرجاء الصالح وقتاً أطول من عبورها من خلال قناة السويس، فعلى سبيل المثال:
تقدَّر الرحلة بين الخليج العربي ولندن بحراً عبر قناة السويس بنحو 6400 ميل بحري (12000 كلم) وتستغرق 14 يوماً، بينما تمتد الرحلة نفسها لنحو 11300 ميل بحري (20900 كلم) عبر طريق رأس الرجاء الصالح وتستغرق 24 يوماً، أي إن الرحلة عبر ممر البحر الأحمر توفر أكثر من 40% من المسافة والزمن مقارنة برأس الرجاء الصالح.
تكلفة عبور السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح
وفقاً لخبراء قطاع النقل والخدمات اللوجستية، تجنب البحر الأحمر سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف بسبب وقت السفر الأطول، إذ تضيف عمليات العبور عبر رأس الرجاء الصالح ما لا يقل عن 10 أيام وأكثر من 15% إلى تكاليف الشحن.
هناك بضائع لا تحتمل العبور من رأس الرجاء الصالح
معضلة أخرى تواجه التجارة البحرية العالمية عبر طريق الرجاء الصالح، إذ سيكون نقل البضائع ذات العمر الافتراضي القصير صعباً على الطرق البديلة الأطول -ومنها رأس الرجاء الصالح- التي يجب أن تسلكها السفن في الوقت الحالي بدلاً من البحر الأحمر، فالسلع القابلة للتلف، بما في ذلك منتجات الألبان، قد لا تكون قادرة على تحمل الطرق الأطول، كما ستواجه السلع الاستهلاكية تضرراً كبيراً حال سلوك سفن الشحن مسارات أطول.