من المتوقع أن يكون الصراع بين إسرائيل وحماس طويلاً، حيث يسعى الجانبان لتحقيق أهدافهما الأساسية، ولا يوجد طريق واضح لأي نوع من السلام الدائم.
وقد توعدت إسرائيل بتدمير حماس كقوة عسكرية وسياسية مهمة. وحماس مؤمنة بهدف تحرير فلسطين بالكامل، وقد تقبل بدولة على حدود 1967 بدون الاعتراف بإسرائيل مقابل هدنة طويلة، كما أنها لن تقبل بعودة الاحتلال إلى قطاع غزة أو إنشاء منطقة عازلة.
إن المخاطر التي لا يمكن تفاديها مخاطر وجودية بالنسبة لكليهما. وهذا يعني أنه حتى لو أدى وقف إطلاق النار إلى وقف الجولة الحالية من القتال في غزة، فإن الصراع بين إسرائيل وحماس سوف يستمر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
شكوك بإسرائيل في وعد نتنياهو بالانتصار على حماس
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مراراً، إن إسرائيل ستواصل حربها الحالية في غزة حتى تحقق التدمير الكامل لـ”حماس”. وقال نتنياهو يوم الخميس: “لا يوجد بديل للنصر الكامل على أعدائنا”.
لكن التقدم المحدود الذي أحرزه الجيش الإسرائيلي حتى الآن في القضاء على حماس في القطاع، يثير الشكوك بشكل متزايد في إسرائيل حول ما إذا كان هدف نتنياهو المعلن قابلاً للتحقيق، في أي وقت قريب.
وتتزايد الضغوط الدولية من أجل وقف طويل الأمد لإطلاق النار من شأنه أن يسمح بإطلاق سراح 100 أسير إسرائيلي لا تزال تحتجزهم حماس في غزة، فضلاً عن زيادة تسليم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في القطاع.
مؤشرات على أن الصراع بين إسرائيل وحماس سيطول
إن شروط وقف إطلاق النار التي تطالب بها إسرائيل وحماس ما زالت متباعدة، والتوصل إلى اتفاق غير مؤكد. وينطبق الشيء نفسه على ما إذا كان وقف إطلاق النار المطول سيشكل نهاية للحرب الحالية أم مجرد توقف مؤقت.
إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار، يقول كبار الضباط الإسرائيليين إنه من المرجح أن يستمر جيش الاحتلال في قتال حماس بغزة لعدة أشهر، وربما لبقية هذا العام، حتى يسيطر على غزة بشكلٍ كامل.
عند هذه النقطة، ستواجه إسرائيل معضلة. إذا واصلت القوات الإسرائيلية احتلالها لفترة طويلة لغزة، وهو ما قال نتنياهو إنه لن يحدث، فقد تصبح هدفاً لمقاومة طويلة الأمد.
إسرائيل بين خياري الانسحاب أو الاحتلال المكلف
وإذا انسحبت إسرائيل من غزة بسرعة، فمن الممكن أن تجدد حماس نفسها وتعود كقوة مسيطرة بحكم الأمر الواقع في القطاع. إنَّ منع مثل هذه النتيجة يتطلب إنشاء كيان حاكم جديد يُقدَّم بسرعة وبدعم من سكان غزة، فضلاً عن إسرائيل والجهات الفاعلة الخارجية. ويبدو هذا السيناريو بعيداً.
في العقود الأخيرة، كافحت الجيوش النظامية في الدول الصناعية المتقدمة من أجل قمع القوات غير النظامية بشكل كامل والتي لا تملك سوى جزء ضئيل من الموارد. وفي الآونة الأخيرة، فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في قمع حركة طالبان وبناء حكومة بديلة مستقرة في أفغانستان رغم المحاولات التي استمرت عشرين عاماً.
ويقول المحللون إن حماس تتمتع ببعض المزايا في غزة، والتي افتقرت إليها الجماعات المسلحة غير النظامية الأخرى في الآونة الأخيرة.
وقال عوفر فريدمان، الباحث في دراسات الحرب بكلية كينغز في لندن: “تمتعت حماس بدرجة عالية من الاستقلال لمدة 20 عاماً تقريباً لتطوير قدراتها في منطقة محددة للغاية وسكان كانوا تحت سيطرتها بالكامل”.
وقال فريدمان إن حماس أعدت نفسها للحرب وهي تعلم بالضبط أين سيحدث القتال، وأنها تستطيع استخدام شبكة أنفاقها، إضافة إلى سيطرتها على سكان غزة. وأضاف: “كل هذا يجعل الهدف (تدمير حماس) أكثر صعوبة من الناحية العسكرية”.
وتجدر الإشارة إلى أن حماس فازت في آخر انتخابات تشريعية أجريت في فلسطين، والتي أجريت عام 2006 وتفيد الاستطلاعات بتزايد شعبيتها بين الفلسطينيين (خاصة في الضفة حيث يمكن إجراء مثل هذه الاستطلاعات) منذ طوفان الأقصى وفي الحرب الحالية وفي حرب مايو/أيار 2021، هتف المتظاهرون في الضفة لقائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة مراراً.
حماس مستعدة لهدنة طويلة الأمد ولكن الإسرائيليين باتوا متوجسين من الاتفاق معها
ويتفق خبراء آخرون على أن هدف إسرائيل المركزي من الحرب سيكون من الصعب تحقيقه قريباً، حتى لو استولت القوات الإسرائيلية على كامل مساحة غزة.
إن هدف حماس على المدى الطويل والمتمثل في استبدال إسرائيل بدولة فلسطينية تمتد على الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط يبدو بعيد المنال. وقد اعترفت حماس نفسها ضمنياً بذلك عندما قامت بمراجعة ميثاقها في عام 2017، وأسقطت دعوتها العلنية إلى تدمير إسرائيل، وطالبت بدلاً من ذلك بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع ذلك، قال يحيى السنوار، القائد الأعلى لحركة حماس في غزة والعقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل، إن الاتفاق على التعايش بين دولتين على حدود عام 1967 لن يكون الحل التاريخي النهائي. وفي المقابل، قال السنوار إنها ستكون مرحلة مؤقتة، ربما تستمر لجيل أو أكثر، ولكنها تفسح المجال في النهاية لقيام دولة فلسطينية تغطي الأرض بأكملها.
بالنسبة للسنوار، يهدف الكفاح المسلح ضد إسرائيل إلى تعزيز موقف الفلسطينيين التفاوضي في المفاوضات المستقبلية، مع جعل حماس زعيمة القضية الوطنية الفلسطينية، حسب الصحيفة الأمريكية.
ومع ذلك، بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، فإن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول حطم أي اعتقاد بأن حماس يمكن أن تصبح جهة فاعلة براغماتية منفتحة على تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
حماس، التي كان عدد مقاتليها قبل الحرب يُقدَّر بنحو 30 ألف مقاتل وعدة آلاف من الصواريخ، أضعف من أن تهدد وجود دولة إسرائيل، التي لا تزال القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن الصراع الأوسع ضد حماس والجماعات الأخرى المعارضة لإسرائيل، وضمن ذلك حزب الله في لبنان والنظام الإسلامي في إيران الذي يدعمها، يُنظر إليه على أنه صراع وجودي في إسرائيل، لأن ترساناتها وأهدافها المتطرفة تهدد قدرة إسرائيل على توفير حياة آمنة لسكانها.
ويعزز هذا الرأي تصميم إسرائيل على مواصلة حربها الطويلة ضد حماس والأعداء الآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب تكلفة مؤلمة لإسرائيل من حيث الخسائر البشرية والأضرار الاقتصادية. في دولةٍ تعاني من صدمة كبيرة بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا تزال أغلبية واضحة من الرأي العام داعمة للحرب في غزة، حتى مع تزايد المخاوف.
في يوم الإثنين الماضي، عانت إسرائيل من أكثر أيامها دموية منذ بدء الغزو: حيث قُتل 24 جندياً، من بينهم 21 عندما انهار مبنيان عليهم. ورفع هذا الحادث عدد القتلى من الجنود الإسرائيليين في غزة إلى 221 على الأقل، ما يعني أن الحادث يمثل نحو 10% من إجمالي عدد الجنود الإسرائيليين الذين قُتِلوا في القطاع.
الأمريكيون يشككون في ادعاءات إسرائيل حول الخسائر التي ألحقتها بـ”حماس”
ألحقت القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة بجيش حماس. لكن وكالات الاستخبارات الأمريكية تشكك في ادعاء إسرائيل أنها قتلت 9 آلاف مسلح، وتعتقد أن إسرائيل لا تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق هدفها المتمثل في سحق القوات العسكرية لـ”حماس”.
ورغم الانتصارات التكتيكية الإسرائيلية ضد حماس في مدينة غزة وخان يونس وأماكن أخرى، فقد أثبت القضاء على مقاتلي الجماعة صعوبة أكبر مما كانت تتوقعه إسرائيل عندما شنت الغزو في أكتوبر/تشرين الأول.
حماس عادت لشمال قطاع غزة بعد انسحاب الإسرائيليين ولا فرصة للقضاء عليها
أدى القصف الجوي المكثف للجزء الشمالي من قطاع غزة إلى تدمير مناطق حضرية واسعة، وقتل عدة آلاف من المدنيين، وتشريد معظم السكان. لكن جيوب المقاومة مستمرةٌ في مدينة غزة وأجزاء أخرى من الشمال. وتواصل مجموعات صغيرة من مقاتلي حماس نصب كمائن للقوات الإسرائيلية، باستخدام شبكة أنفاقهم المعقدة للمناورة والاختباء. ومما يثير إحباط الإسرائيليين أنهم يواصلون أيضاً إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولو بشكل متقطع.
ومع قيام إسرائيل بسحب ألوية الجيش من شمال غزة، بدأت حماس في الظهور من جديد في المنطقة. وفي جنوب غزة، تصبح المهمة العسكرية الإسرائيلية أكثر صعوبة، لأن ما يقرب من مليوني مدني نازح يتجمعون في هذا الجزء من قطاع غزة.
شبكة الأنفاق معقدة للغاية واغتيال قادة الحركة لن يؤثر عليها
وما يزيد من تعقيد جهود إسرائيل في غزة هو الحجم الهائل لشبكة أنفاق حماس. تجد القوات الإسرائيلية صعوبة حقيقية في تطهير حماس من أي من المناطق الحضرية التي استولت عليها إسرائيل على مستوى الأرض. لقد ثبت أن الأنفاق عديدة وطويلة ومعقدة لدرجة أن أفضل الجهود التي بذلتها إسرائيل لتفجيرها أو إغراقها أو القتال فيها لم تحقق حتى الآن أكثر من تقدم جزئي.
وحتى قتل السنوار أو غيره من قادة حماس في غزة من غير المرجح أن يقضي على الجماعة باعتبارها تهديداً عسكرياً، لأن لديها هيكل سلطة منتشراً لا يركز على أي فرد، وفقاً لتهاني مصطفى، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية.
وقالت تهاني إن الاغتيالات السابقة، وضمن ذلك القتل المستهدف لنائب الزعيم السياسي لحركة حماس صالح العاروري في بيروت، فشلت في تعطيل عمليات الجماعة، وبدأت حماس في الظهور بقوة أكبر بين الفلسطينيين نتيجة للصراع.
وأضافت أن حماس لا تحدد النصر من الناحية العسكرية، بل من حيث العواقب الدبلوماسية والسياسية للحرب. وقالت: “بهذا المعنى أعتقد أن حماس تبلي حسناً”.