غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

الموسوعة

خط بارليف.. أقوى خط دفاع إسرائيلي اخترقه الجيش المصري

نتائج الثانوية العامة

نظام دفاع عسكري ثابت، يتكون من سلسلة من التحصينات العسكرية المنيعة، تدعمها عوائق طبيعية، شيده الاحتلال الإسرائيلي على امتداد الساحل الشرقي لقناة السويس عام 1969، بهدف البقاء الدائم في سيناء، والحيلولة دون استعادتها من قبل القوات المصرية.

وُصف بأنه أقوى خط دفاع عسكري حينها، ومع ذلك تمكن الجيش المصري من اختراق دفاعاته وتحطيم حصونه خلال بضع ساعات أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وسجل بذلك أول نصر عربي على إسرائيل، تهاوت معه أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”.

تاريخ الإنشاء

اعتمدت إسرائيل طوال حروبها في دفاعاتها على إستراتيجية خط الدفاع المتحرك، وتبنت مبدأ الإبقاء على قوات قليلة في خطوط الدفاع خلال الأوقات العادية والتعبئة الشاملة أثناء الحروب فحسب، أما خط الدفاع الثابت، فإنه يتطلب استقرار أعداد كبيرة من الجنود والعتاد بشكل دائم، وهو ما يخالف عقيدة إسرائيل العسكرية.

وفي أعقاب الانتصار الذي حققته قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب يونيو/حزيران 1967، والذي كان من جملة نتائجه احتلال شبه جزيرة سيناء، كان من أولويات إسرائيل الحفاظ على ما استولت عليه من أراض، مما أجبرها على تغيير الإستراتيجية نحو الدفاع الثابت -الذي فرضه واقع المنطقة- ومنع العبور المصري إلى سيناء من جديد.

وقد نفذ الجيش المصري مجموعة من الهجمات على سيناء في يوليو/تموز من العام نفسه، كبدت جيش الاحتلال خسائر كبيرة، وعندها بدأ العمل جديا على إقامة تحصينات ثابتة، فأُنشئت خنادق وأحيطت بأكياس من الرمل، ثم أُقيمت ملاجئ عند نقاط المراقبة، لكن هذه الإستراتيجيات كانت بدائية، ولم تسفر إلا عن فشل ذريع.

ولاحقا استخدمت قوات الاحتلال الرمال التي نتجت عن حفر قناة السويس ورمال الكثبان في سيناء لإنشاء سواتر رملية وتعليتها، بهدف حجب تحركات الجيش الإسرائيلي عن نقاط المراقبة المصرية في الضفة الغربية للقناة، وكانت تلك المحاولة ناجحة إلى حد ما.

ومع نهاية عام 1967 قررت قوات الاحتلال إنشاء خط دفاع ثابت غرب شبه جزيرة سيناء، يتضمن تحصينات وحواجز دفاعية، وذلك بناء على اقتراح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حينها “حاييم بارليف”، والذي حمل خط الدفاع ذاك اسمه فيما بعد.

كلّف بارليف قائد وحدات المدرعات أبراهام أدان وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال يشعياهو غافيتش بالعمل على المشروع، وشارك خبراء من ألمانيا وبلجيكا وأميركا بالتخطيط للمشروع، الذي بدأ في منتصف مارس/آذار 1968، واستمر عاما كاملا، وبلغت تكلفة بنائه نحو 500 مليون دولار.

وتميز المشروع بأنه استوعب عند الإنشاء خط المواجهة مع مصر بكامله، ثم تواصلت عملية تحصيناته، إذ عمل أرييل شارون، الذي كان يتولى في ذلك الوقت منصب قائد الجبهة الجنوبية فيما بعد على زيادة التحصينات وتدعيمها.

 وشملت أهداف إنشاء “خط بارليف”:

  • بقاء إسرائيل الدائم في سيناء.
  • تأمين القوات الإسرائيلية في المنطقة.
  • منع عبور القوات المصرية إلى شرق القناة وتدميرها إذا حاولت العبور.
  • التحصينات العسكرية والمرافق.
L-R: Israeli General Haïm Bar-Lev, the deputy chief-of-staff of the Israeli army, General Yitzhak Rabin, chief-of-staff and General Ezer Weizman during a meeting 06 June 1967 at the beginning of the third Israeli-Arab war. On 05 June 1967, Israel launched preemptive attacks against Egypt and Syria. In just six days, Israel occupied the Gaza Strip and the Sinai peninsula of Egypt, the Golan Heights of Syria, and the West Bank and Arab sector of East Jerusalem (both under Jordanian rule), thereby giving the conflict the name of the Six-Day War. (Photo by AFP FILES / AFP)
من اليسار حاييم بارليف وإسحاق رابين وعازر وايزمن في اجتماع خلال حرب 1967 (الفرنسية)

شُيّد “خط بارليف” على امتداد شرق قناة السويس بطول 170 كيلومترا، ابتداء من البحر الأبيض المتوسط شمالا، وحتى خليج السويس جنوبا، وبلغ اتساعه داخل شبه جزيرة سيناء نحو 12 كيلومترا.

وكانت طليعة التحصينات عبارة عن ساتر ترابي، بلغ ارتفاعه بين 20 و22 مترا أُقيم على حافة القناة مباشرة، وانحدر باتجاهها بزاوية ميل لا تقل عن 45 درجة، وقد بلغت في مواضع حوالي 80 درجة، وزُرِع بالألغام ونصبت شراك خداعية فيه، وهو الأمر الذي شكل عقبة عسيرة أمام عبور العربات والمدرعات، وزاد من مخاطر محاولات تجاوزه.

وخلف الحاجز الترابي تقع التحصينات الرئيسية للخط، وتتكون من سلسلتين من الدشم، ومن قاعدتها تُوَصَّل أنابيب لقذف “النابالم” في القناة مباشرة، مما يؤدي إلى تكوين طبقة من اللهب بارتفاع متر واحد، ورفع حرارة المياه إلى درجة الغليان، لردع أي محاولة إنزال بحري أو عبور لقوات الجيش المصري.

ووُزّع 20 مركز مراقبة على طول الخط، يضم كل منها 15 جنديا، مهمتهم الإبلاغ عن محاولات الاختراق وتوجيه المدفعية نحوها، كما أُعدت منصات خاصة للدبابات كنقاط ثابتة للقصف في حالات الطوارئ.

واستوعبت التحصينات 22 موقعا دفاعيا و36 نقطة حصينة، سُلِّحت بالإسمنت والكتل الخرسانية والقضبان الحديدية، لتقاوم أنواع القصف المختلفة، وكل نقطة عبارة عن منشأة معقدة تتكون من عدة طوابق، لها عمق تحت الأرض تقدر مساحته بـ4 آلاف متر مربع.

وتشتمل كل نقطة حصينة على 26 مكانا لرشاشات المدافع والدبابات، متصل بعضها ببعض عن طريق خنادق عميقة، إضافة إلى حظائر للدبابات والمدفعية، تُحشد فيها المدرعات ومضادات الدبابات ووحدات المدفعية، ومخازن للذخيرة والسلاح.

وتحيط بكل نقطة نطاقات من الأسلاك الشائكة والألغام. وتحرس الخط فرقة مكونة من 3 ألوية مدرعة واثنين من ألوية المشاة، تضم حوالي 260 دبابة و70 قطعة مدفعية وأكثر من 400 جندي.

A general view of tourists visiting the Moses fountain – a former Israeli strongpoint along the Bar Lev defence line, October 11, 1975. (AP Photo)
موقع خط بارليف تحول فيما بعد إلى مزار سياحي (أسوشيتد برس)

وقد وفر “خط بارليف” ملاجئ للجنود محمية من الأسلحة الكيميائية والغازات، ومزودة بوسائل التهوية والإضاءة، وبها خدمات طبية ومطابخ وقاعات للترفيه والتسلية ومخازن للمؤن.

وزُوِدت كل نقطة بشبكة اتصالات سلكية ولاسلكية، للتواصل الداخلي بين النقاط المختلفة، وكذلك الاتصال مع القيادة المحلية. ومن جهة أخرى، رُبطت شبكة الاتصالات الأرضية بالشبكة المدنية في إسرائيل، ليبقى الجنود على تواصل مع عائلاتهم هناك.

التحصينات الطبيعية

وُصف “خط بارليف” عند تأسيسه بأنه خط الدفاع الأقوى في التاريخ الحديث، فبالإضافة إلى التحصينات العسكرية التي أقامها الاحتلال، تميز “خط بارليف” بعدد من الدفاعات الطبيعية، التي شكلت حواجز ليس من السهل اختراقها، لا سيما قناة السويس، التي صُنفت من قبل خبراء عسكريين كأقوى حاجز مائي طبيعي في العالم، لما تتميز به مياهها من تيارات ذات اتجاهات متعددة وسرعات متباينة.

كما أن طرفي التحصينات الجنوبي والشمالي محاطان بعوائق مائية، حيث البحر الأبيض شمالا وخليج العقبة جنوبا، ومن ثم لا يمكن اختراق الدفاعات من قِبلهما، وخصوصا أن القوات المصرية لم تكن تمتلك آنذاك القدرة العسكرية على إنزال بحري يسمح بتطويق الجانبين.

وبهذه المميزات عُد “خط بارليف” أقوى من خطي “ماجينو” الفرنسي و”سيغفريد” الألماني، ووصفه عسكريون بأنه من أكبر الحصون العسكرية الدفاعية في تاريخ المعارك العسكرية، وافتخرت إسرائيل بكونه الخط الذي لا يمكن اختراقه.

خط بارليف.. أقوى خط دفاع إسرائيلي اخترقه الجيش المصري
القوات المصرية نجحت بالسيطرة على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال أقل من 6 ساعات (أسوشيتد برس)

الإعداد للمعركة

كان الساتر الترابي العقبة الأولى التي تعترض تحرير سيناء، لذلك بدأ التفكير في الجيش المصري حول الطريقة المثلى لاختراقه، وبعد عدد من الاقتراحات، تمت الموافقة على اقتراح المهندس اللواء باقي زكي يوسف، الذي قدمه لقائد فرقته اللواء سعد زغلول عبد الكريم.

وتتمحور فكرة الاقتراح حول استخدام مضخات مياه بضغط عال، بهدف فتح ثغرات داخل الحاجز الترابي، تشكل ممرات تسمح بمرور الدبابات عبرها، وقد أوحى له بالفكرة ما كان عليه العمل أثناء بناء السد العالي، فقد كانت المياه المضغوطة تستخدم لتجريف جبال الرمال، ثم استغلالها في أعمال البناء.

وبعد الموافقة على الاقتراح، صمم باقي زكي مضخة مائية فائقة القوة، لتحطيم العوائق الرملية والترابية وإزالتها خلال زمن قصير، وأسند صنع المضخات لشركة ألمانية، تحت ذريعة استخدامها في مجال إطفاء الحرائق.

وبين العامين 1969 و1972 قامت إدارة المهندسين بإخضاع المضخات لما يزيد على 300 تجربة بجزيرة “البلاح” بالإسماعيلية، وكشفت النتائج عن كفاءتها وصلاحيتها للمهمة، وعليه أُقرّ استخدامها في المعركة وتدريب الجنود على استعمالها.

اختراق “خط بارليف” وتحطيم دفاعاته

هاجم الجيش المصري على نحو مفاجئ “خط بارليف” في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، مستغلا عنصري المفاجأة والتمويه العسكريين اللذين سبقا الاشتباك، إذ لم تُبدِ مصر أي نية للقيام بتحرك عسكري، الأمر الذي جعل الهجوم غير متوقع، كما شكل عنصر اختيار الزمن المناسب عاملا فعالا في إنجاح الهجوم، فقد شنه الجيش في الوقت الذي كان فيه الجنود الإسرائيليون يستمتعون بعيد الغفران.

وكانت المعركة على 3 جبهات، بحرية وجوية وبرية في آن واحد، فقصفت التحصينات بأكثر من ألفي مدفع ثقيل، في الوقت الذي حلقت فيه 280 طائرة عسكرية فوق القناة، ثم توجهت في عمق سيناء، وضربت القوات الإسرائيلية الرئيسية ومراكز القيادة والسيطرة.

وبالتزامن مع ذلك، شنت وحدات من سلاح المدفعية بلغت نحو ألف قطعة مدفعية قصفا كثيفا على حصون “بارليف” وحقول الألغام، في حين نقل نحو ألف زورق هجومي مطاطي حوالي 8 آلاف من قوات الكوماندوز المصرية وجنود المشاة ومراقبي المدفعية، ووحدات الصواريخ المضادة للدبابات إلى الضفة الشرقية للقناة.

وقد تمكن خلال المعارك أكثر من 30 ألف جندي مصري من عبور القناة، واستخدموا مدافع المياه ذات الضغط العالي لاختراق الساتر الترابي، واعتُمد في تشغيلها على محركات ديزل عملاقة من أجل الوصول إلى معدلات ضغط مرتفعة، وأحدثت أكثر من 80 ثغرة في مواقع مختلفة، وكانت القوات المصرية الخاصة قد قامت بعملية استطاعت من خلالها سد أنابيب “النابالم” تمهيدا للعبور.

ونجحت القوات المصرية في السيطرة على الضفة الشرقية لقناة السويس بنقاطها وحصونها‏ في أقل من 6 ساعات، ورُفع العلم المصري فوق “خط بارليف”، وتم نصب الجسور فوق القناة بواسطة سلاح المهندسين، وبدأت الفرق المدرعة بعبور القناة إلى سيناء.

وقد أسفرت معركة العبور عن مقتل 126 جنديا إسرائيليا وأسر 161 آخرين من أصل 441 عسكريا إسرائيليا كانوا يرابطون في التحصينات، في حين تمثلت الخسائر المصرية باستشهاد 64 مقاتلا وجرح 420 جنديا، وأصيبت 17 دبابة، وتعطلت 26 عربة.

وقد كان تحطيم دفاعات “خط بارليف” واجتياح نقاطه الحصينة أول هزيمة عسكرية لإسرائيل على أيدي العرب، التي عملت على إسقاط هيبة إسرائيل، وأدت إلى انهيار أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة