غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

تقارير

هل يحوِّل الرد على هجوم الأردن “حرب الظل” بين أمريكا وإيران إلى صراع مباشر؟

نتائج الثانوية العامة

أعلنت إدارة جو بايدن أنها قررت الرد على هجوم الأردن، فهل تتحول “حرب الظل” المحدودة بين أمريكا وإيران إلى صراع مباشر وشامل؟

رصد تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية السيناريوهات المحتملة للتصعيد الكامن في الحرب غير المباشرة بين العدوين، وهو ما ينذر بالتحول إلى حرب مباشرة بين واشنطن وطهران.

فقد خاضت الولايات المتحدة وإيران حربَ ظلٍّ مشتعلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط طيلة عقود من الزمن على أساس قاعدةٍ أضمرَ الطرفان التوافقَ عليها، وهي أنه إذا هاجم أيُّ طرف منهما الآخر، فإن الطرف الآخر سيرد عليه، وبالقوة ذاتها على الأقل.

بايدن يقرر الرد على هجوم الأردن

وفي هذا الإطار، تتأهب إدارة الرئيس جو بايدن الآن للردِّ على الغارة التي شنتها ميليشيات مدعومة من إيران على قاعدة “البرج 22” في الأردن، وأدت إلى مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة عشرات آخرين نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن حسابات الخصمين القديمين مختلفة هذه المرة، فقد بدا أن الطرفين حريصان على عدم الانجرار إلى ردٍّ أقوى من اللازم، وتجنب المواجهة العسكرية المباشرة.

كان هجوم الطائرة المسيَّرة على المرتكز العسكري الأمريكي في الأردن بالقرب من الحدود مع العراق وسوريا، هو أول هجوم يشنه وكلاء مدعومون من إيران منذ أكتوبر/تشرين الأول ويتسبب في مقتل أمريكيين، وأثار الهجوم مطالبات من الكونغرس إلى البيت الأبيض للردِّ بعمل عسكري يستهدف طهران مباشرة.

لكن إدارة جو بايدن تعتقد أن مهاجمة قوات الحرس الثوري الإيراني يُخاطر بتعريض القوات الأمريكية وقواعد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لضربات مقابلة تستخدم فيها طهران ترسانتها الهائلة من الصواريخ الباليستية المتقدمة والطائرات المسيَّرة، ويعني ذلك المجازفة بتوسيع الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة إلى صراع إقليمي ممتد، وهو أمر يسعى البيت الأبيض إلى تجنب وقوعه لأن الإدارة الأمريكية مقبلة على الانتخابات الرئاسية، بحسب تقرير وول ستريت جورنال.

ولا تقل الحسابات تعقيداً عن ذلك لدى إيران، فهي إن تشددت في كبح جماح القوات التي تدعمها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، فإنها تخاطر بالطعن في ادعاءات قيادتها لما يسمى بـمحور المقاومة”، الذي يضم ميليشيات وحلفاء معادين لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، فإن طهران إذا تركت الأمور تتصاعد إلى مواجهة مباشرة للولايات المتحدة، فإنها تخاطر باستفزاز ردٍّ قوي، والتعرض لهزيمة عسكرية محتملة.

جيرالد فيرستين، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية والزميل البارز في “معهد الشرق الأوسط” الأمريكي، قال لـ”وول ستريت جورنال”: “يتحرى كل طرف [إيران والولايات المتحدة] التوازن في استعمال القوة أثناء السعي لحملِ الطرف الآخر على تعديل مساره في المناوشات الجارية، لكن أياً منهما لا يريد تجاوز الخطوط الحمراء”.

حركة النجباء
حركة النجباء وحزب الله العراقي قاما باستهداف قاعدة أمريكية في الأردن – رويترز

أعلن بايدن أنه يحمل إيران المسؤولية عن الهجوم الذي تعرَّضت له القوات الأمريكية، وحُجته في ذلك أن الميليشيات العراقية المتَّهمة بالهجوم تنتمي إلى القوات التي تعمل بالوكالة عن إيران في المنطقة، وتتلقى التمويل والتسليح من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

مسؤول أمريكي أكد، الخميس 1 فبراير/شباط، أن إيران هي التي صنعت الطائرة المسيّرة، التي استخدمت في هجوم الأردن، بحسب تقرير لشبكة Foxnews، كما ذكرت وكالة رويترز، نقلاً عن عدة مسؤولين أمريكيين، المعلومة نفسها.

ولم يقدم المسؤولون أية تفاصيل بخصوص طراز الطائرة من دون طيار باستثناء أنها إيرانية الصنع. وقالوا إن الولايات المتحدة تمكنت من تأكيد المصدر بواسطة الشظايا التي جُمعت من موقع الهجوم.

ماذا عن موقف إيران؟

قال مسؤولون أمريكيون إن بايدن وافق على خطط وزارة الدفاع الأمريكية بتوجيه ضربات لأفراد ومنشآت إيرانية في العراق وسوريا على مدى عدة أيام، ويتوقع أن يكون الرد خلال الأيام المقبلة، وأن يكون “متعدد المستويات”، بحيث يمزج بين الأعمال العسكرية وخطوات أخرى تتناسب مع سعي واشنطن إلى قطع الطريق على مزيد من التصعيد.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الرد سيكون مصمماً لتحقيق الهدف، وهو دفع إيران ووكلائها إلى تقليل حدة هجماتهم في جميع أنحاء المنطقة، بينما يواصل البيت الأبيض وحلفاؤه المحادثات بشأن وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومن ثم تهدئة التوترات في المنطقة.

كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية “طوفان الأقصى” العسكرية، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة، تبعه اجتياح بري، تسبب في ارتقاء أكثر من 27 ألف شهيد، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، من نساء وأطفال، كما دمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل.

و”طوفان الأقصى” هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول، رداً على “الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني”، والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء منذ تولي أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً المسؤولية أواخر عام 2022.

ومن جانبها، أرسلت إيران إشارات بأنها أيضاً لا تريد التصعيد، وشددت على أنها لم تأمر بالهجوم، وقالت محذرةً إنها سترد على أية أعمال انتقامية أمريكية تتعرض لها أراضي إيران أو القوات التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة. وقال الخبراء إن الفحوى الأساسي لرسائل طهران هو أن تكون حريصة على ضبط النفس ما دامت واشنطن لم تتجاوز خطوطها الحمراء.

سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة “تشاتام هاوس” البحثية البريطانية، قالت لوول ستريت جورنال إن “ما نشهده هو نوع من التفاوض وراء الكواليس، والغاية هي إدارة التوترات حتى لا تتصاعد”.

أمريكا قوات
قوات تابعة للجيش الأمريكي في العراق””أرشيفية”/ رويترز

وقال محللون إن البيت الأبيض ربما انتوى بإعلانه عن الضربات قبل مدةٍ من البدء فيها، أن يمنح إيران مهلةً لتغيير مواقع أفرادها ومعداتها، وقد يقلل ذلك من فعالية الهجمات الأمريكية، لكنه يخفف الضغط الذي سيقع على طهران للردِّ.

ومع ذلك، قال جوزيف فوتيل، الجنرال المتقاعد بالجيش الأمريكي والقائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، إن الرد الأمريكي لن يكون فعالاً إلا إذا تضمن هجمات مباشرة على أهداف إيرانية، وضربات أخرى على وكلائها، و”يجب أن نرسل رسالة لا لبس فيها إلى إيران بأننا نحملهم المسؤولية عن تصرفات هذه الميليشيات”، لذا “أرى أن الردَّ الأمريكي يجب أن يشمل بعض الأهداف ذات الشأن لدى إيران”.

إذ يرى فوتيل أنه ليس من الضروري أن تكون الأهداف داخل إيران لتوصيل الرسالة الأمريكية، لكن ينبغي للولايات المتحدة أن تختار أهدافها بعنايةٍ لتجنب التصعيد إلى حرب أوسع نطاقاً”، فالإيرانيون “لديهم القدرة على الرد في جميع أنحاء المنطقة بقدرات صاروخية قوية إلى حدٍّ ما”.

هل تخرج الأمور عن السيطرة دون قصد؟ 

في هذا الإطار، كادت التوترات بين واشنطن وطهران أن تتحول في مطلع عام 2020 إلى صراع حامي الوطيس بعد أن أمر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب آنذاك باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، في غارة جوية أمريكية بالقرب من بغداد. وردَّت إيران وقتها بوابلٍ من الصواريخ الباليستية على قواعد للقوات الأمريكية في العراق، وأسفر الهجوم عن إصابة عشرات من الجنود الأمريكيين، ولكن لم يسفر عن سقوط قتلى.

ومع ذلك، لا يمكن لأحدٍ الجزم بقدرة واشنطن وإيران على تجنب التصعيد هذه المرة، حتى وإن كان الطرفان لا يريدانه. إذ يمثل الدعم العسكري والمالي الإيراني العمود الفقري الذي تستند إليه شبكة وكلائها في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن طهران ليست لديها القيادة والسيطرة الكاملة على هذه المجموعات، ولا ينتسب أفرادها جميعهم إلى المذهب الشيعي الذي تتبناه إيران، وجميع المجموعات لديها أغراض محلية تتعارض أحياناً مع أهداف طهران، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وتنشط بعض المجموعات الحليفة لإيران في مناطق معزولة عنها جغرافياً، ومن ثم يصعب على طهران توفير الأسلحة والمستشارين والتدريب. ومن هذه المجموعات جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، والتي أدت هجماتها على سفن الشحن البحري المتجهة لإسرائيل إلى اضطراب كبير في حركة التجارة العالمية.

جو بايدن حرب غزة إسرائيل
الرئيس الامريكي جو بايدن /رويترز

أعلنت مدمرة صواريخ موجهة تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر أنها اعترضت، الأربعاء 31 يناير/كانون الثاني، صاروخاً باليستياً أُطلق من منطقة يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، وأسقطت 3 طائرات مسيرة إيرانية “في محيطها” من دون وقوع إصابات في الطاقم أو أضرار بالسفينة.

وقال فيرستين إنه إذا أصاب صاروخ حوثي سفينةً حربية أمريكية، فإن ذلك سيُزيد من الضغوط على البيت الأبيض للردِّ بهجمات على إيران.

بينما يرى علي فايز، مدير قسم الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، أن مقتل جنود أمريكيين في الهجوم على الأردن سيدفع بايدن، على الأغلب، إلى اختيار أهداف يُسفر الهجوم عليها عن سقوط ضحايا إيرانيين.

وأوضح فايز: “إذا استهدفت [الولايات المتحدة] منشآت تابعة للحرس الثوري الإيراني مع تقليل الخسائر البشرية إلى الحدِّ الأدنى، فليس من الضروري أن تردَّ إيران بطريقة تؤدي إلى اتساع دائرة العنف”، “ولكن إذا سقط قتلى من الحرس الثوري الإيراني، فيصعب عليه احتمال ذلك من دون ردٍّ”.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة