بدأ الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام القليلة الماضية بلعب دورا مهما في تطور عالم التكنولوجيا، غير أنه من المتوقع أن يحتل مراتب أعلى بين ملفات الأمن القومي للدول في السنوات المقبلة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ومن الملاحظ أن التطور المتزايد والاستخدام الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي، بدأ بإجبار الدول على اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد نقاط الضعف الأمنية.
وتؤكد التقارير المهتمة بهذا المجال أن تطور الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة الهجمات السيبرانية، وستصبح القرصنة الإلكترونية أكثر فعالية.
ووقعت بعض الدول قبيل نهاية 2023، على سلسلة من مشاريع القوانين التي تتحكم وتقيد استخدام الذكاء الاصطناعي، من أجل منع العواقب السلبية المحتملة لهذا المجال، ولضمان الأمن.
مبادرة الولايات المتحدة
وذكر التقرير أن الإدارة الأميركية أصدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 مرسوما يهدف إلى الوقاية من المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي. وبموجب المرسوم الذي أُعد بأمر من الرئيس الأميركي جو بايدن، أُدخلت معايير جديدة لأمن الذكاء الاصطناعي.
وبينما يهدف المرسوم إلى حماية الأميركيين من المخاطر المحتملة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الشركات التي تقوم بتطوير هذه الأنظمة مطالبة بمشاركة نتائج الاختبارات الأمنية والمعلومات الهامة الأخرى مع الحكومة.
وبموجب المرسوم، يجب على المؤسسات وضع معايير للاختبارات الأمنية، ومعالجة مخاطر الأمن السيبراني. ومن أجل حماية الأشخاص من الاحتيال، استُحدثت قوانين جديدة للكشف عن المحتوى الذي أُنشئ باستخدام الذكاء الاصطناعي والتحقق منه.
الاتحاد الأوروبي
وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، توصلت مفوضية الاتحاد الأوروبي والبرلمان والدول الأعضاء، إلى اتفاق على أول قانون للذكاء الاصطناعي في العالم.
وبموجب القانون -الذي أقره الاتحاد الأوروبي ويتوقع أن يدخل حيز التنفيذ العام المقبل- سيُنظم الذكاء الاصطناعي وفق نهج قائم على احتمالات مخاطر الإضرار بالمجتمع. وستُفرض قواعد أكثر صرامة على أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر، كما سيتم تحديد معايير واضحة لتمييز الذكاء الاصطناعي عن الأنظمة البرمجية البسيطة.
كما سيعمل القانون على التأكد من أن الذكاء الاصطناعي لا يؤثر بأي حال من الأحوال على كفاءة الدول الأعضاء أو أي منظمة متخصصة في مجال الأمن القومي.
وبالتوازي مع ذلك، فإن دخول أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر إلى سوق الاتحاد الأوروبي، سيخضع لمجموعة من القواعد والالتزامات.
الذكاء الاصطناعي يزيد المخاطر
بدوره قال رئيس مجلس إدارة مجموعة “بافو” التركية المهتمة بمجال الذكاء الاصطناعي ألبير أوزبيلن: إن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يوفر فرصا ويخلق مخاطر في مجال الأمن. وأضاف أنه من المتوقع ظهور هجمات إلكترونية أكثر تطورا في الفترة المقبلة نتيجة تطور الذكاء الاصطناعي، وستزداد المخاوف بشأن الخصوصية الشخصية.
وتابع أوزبيلن: من المتوقع أن الأخطاء المحتملة للأنظمة الروبوتية المستقلة التي ستحيط بحياتنا أكثر، ستزيد المخاوف بشأن سلامة الأرواح والممتلكات. وشدد على وجوب إجراء المزيد من الاستثمارات في البنى التحتية للأمن السيبراني، وتطوير حلول أمنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمواجهة هذه المخاطر، وأكد على ضرورة استحداث اللوائح القانونية لحماية البيانات الشخصية أثناء تطوير واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة التوازن بين القدرة التنافسية والقيم الأخلاقية.
ولكي يتكيف سوق العمل مع التغيرات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، يحتاج الموظفون إلى إعادة تدريب وتأهيل فيما يخص كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، وفق أوزبيلن. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعتبر من الدول الرائدة على مستوى العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل الشركات العملاقة في القطاع الخاص مثل غوغل وأمازون وفيسبوك ومايكروسوفت والجامعات البحثية.
ولفت إلى أن واشنطن تلعب دورا هاما في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير تقنياته، وأشار إلى أن الصين تحقق أيضا نموا سريعا في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحاول أن تصبح القوة الثانية التي تنافس الولايات المتحدة عالميا.
وعن إجراءات الحكومة الصينية حيال هذا الملف قال أوزبيلن: إن بكين حددت تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية، وقامت باستثمارات كبيرة في هذا المجال. وأوضح أن الصين حققت تقدما كبيرا في أبحاث الذكاء الاصطناعي وتعليمه وتطبيقه، وذلك كي تصبح دولة مكتفية ذاتيا في هذا المجال. وبفضل قوة نظامها السياسي، وفق أوزبيلن، تمكنت الصين من أن تصبح رائدة في مجال تحليل البيانات الضخمة وتقنيات التعرّف على الوجه.
تركيا حققت التوازن
وفيما يخص اهتمام تركيا بالذكاء الاصطناعي قال أوزبيلن: إن على تركيا متابعة التطورات في هذا المجال عن كثب، ووضع سياسات تتماشى مع مصالحها الوطنية واحتياجاتها الصناعية. وأكد أن أولويات إستراتيجية الذكاء الاصطناعي في تركيا هي التركيز على البحث والتطوير، وتدريب الموارد البشرية الموهوبة، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.
وأشار إلى أن تركيا التي تمكنت من تحقيق التوازن بين القيم الأخلاقية والمتطلبات التكنولوجية، تتمتع بالقدرات التي تؤهلها لأن تصبح لاعبا مهما في مجال الذكاء الاصطناعي.
وانتشرت استخدامات الذكاء الاصطناعي في أكثر من مجال وقطاع، وتمكنت شركات التكنولوجيا من استقطاب 50 مليار دولار من الاستثمارات في 2023، بنمو فاق 70% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وتوقع تقرير لشركة الاستشارات الإدارية “ماكينزي”، أن يضيف الذكاء الاصطناعي التوليدي ما يتراوح بين 2.6 تريليون دولار و4.4 تريليونات دولار للاقتصاد العالمي كل عام.
واستُخدم الذكاء الاصطناعي في الحروب مؤخرا، حيث حولت إسرائيل قطاع غزة إلى ميدان تجارب لاستخداماته في الحرب، وذلك عندما ضاعفت عدد الأهداف التي ضربتها في القطاع باستخدام الذكاء الاصطناعي، بحسب تقرير الأناضول.
ووفق الباحثة الفلسطينية العاملة في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي نور نعيم، فإن إسرائيل ضربت 15 ألف هدف باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي المسماة “غوسبيل” في أول 35 يوما من الهجمات (التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي).
وأشارت نعيم إلى أن هذا الرقم أعلى بكثير من عدد الأهداف التي ضربتها في العمليات السابقة، حيث إن إسرائيل تمكنت من ضرب ما يقرب من 6 آلاف هدف خلال الصراع الذي استمر 51 يوما في 2014.