خلال معركة طوفان الأقصى، التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، برزت طائرات القسام المسيّرة، بصفتها سلاحاً استراتيجياً مكّن المقاومة من التسلل إلى غلاف غزة وضرب الاحتلال في قواعده العسكرية، ناهيك عن دوره في التصدي لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، هذا السلاح كان وراءه العديد من المهندسين والعلماء الذين ساهموا في تطويره، ومن بينهم الشهيد محمود فارس مهندس طائرات القسام المسيّرةالذي يلقّب بفارس السماء، كنايةً عن دوره الكبير في هذه الصناعة العسكرية للمقاومة.
فقد كان اسم الشهيد فارس مرتبطاً بالطائرات المسيّرة التي كرّس حياته الجهادية في تصنيعها وتطويرها، وبرز دور المهندس محمود فارس في تصنيع الهيكل الأول لطائرة “أبابيل”، وتصميم نماذج طائرتي “الزواري” و”شهاب”، وكان أيضاً ممن تتلمذ على يد الشهيد القائد محمد الطحلة (الذي استُشهد معه في المعركة الأخيرة) وعمل معه على تطوير أسلحة “القسّام”.
من هو مهندس طائرات القسام المسيّرة؟
وُلد محمود محمد فارس يوم 10 يونيو/حزيران 1983 في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، لأسرة متواضعة ربّت أبناءها على حب الله والتضحية في سبيل تحرير الوطن.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدينة غزة، وبعد الثانوية العامة حصل على منحة دراسية بداية الانتفاضة الثانية إلى سوريا، وهناك درس هندسة الميكانيكا في جامعة اللاذقية، أين حصل على درجة التميّز في تخصصه.وخلال مسيرته الجامعية، كان محمود فارس أبرز قيادات العمل الطلابي الفلسطيني في سوريا.
وفي عام 2005 أطلقت دائرة العمل العسكري لحماس في الخارج العنان لتجسيد مشروع تصنيع الطائرة من دون طيار، وباشرت حشد الإمكانات الفنية والطاقات النوعية من كوادر ومهندسين، لإدارة المشروع من أبناء فلسطين والأمة الإسلامية. ثم ما لبث أن تولى الشهيد التونسي المهندس محمد زواري قيادة وحدة تطوير وتصنيع الطائرات من دون طيار.
تزامن ذلك مع تخرج المهندس محمود من الجامعة، وعُرض عليه الانتساب إلى صفوف كتائب القسام في دائرة العمل العسكري عام 2007، والعمل في قسم التصنيع الحربي فيها، وقد وقع الاختيار عليه ليكون من المهندسين الرئيسيين في مشروع الطائرة من دون طيار، وتلقى دورات تدريبية في صناعة الطائرات المسيّرة في عدة دول عربية.
كما كانت له الفرصة في التدرب على يد الشهيد المهندس محمد الزواري الذي كان مسؤولاً عن وحدة تطوير وتصنيع الطائرات من دون طيار، فكانت يده اليمنى في تطوير العديد من النماذج، إضافة إلى التدرّب والعمل مع الشهيد المهندس جمعة الطحلة.
وبعد النجاح في نيل التجارب والخبرات المناسبة لصناعة طائرات القسام المسيّرة، عاد محمود فارس إلى غزة سنة 2011، من أجل تجسيد مشروع الطائرات من دون طيار وتطوير نماذجها الجديدة، وتأهيل المهندسين على ذلك.
معركة الشهيد محمود فارس مع الاحتلال
بعد معركة العصف المأكول عام 2014، والتي شهدت استخدام كتائب القسام لمسيرات “أبابيل” لأول مرة أصبح اسم محمود فارس من أكثر الأسماء المطلوبة لدى جيش الاحتلال، خلال تلك المعركة قام الطيران الإسرائيلي بتدمير منزله ومنزل أهله في خان يونس، بنيّة اغتياله، لكن محمود فارس لم يكن موجوداً في المنزلين المستهدفين.
وبعد مفاجأة طائرة أبابيل، عمل “فارس السماء” على تطوير طائرتي “شهاب” و”الزواري” إضافة إلى محركات الصواريخ. وعمل على تطوير التصنيع الحربي لدى القسام، وتمكن من وضع بصمته على كل مسيّرة تحلّق في سماء الاحتلال، إضافة إلى التدريب ونقل الخبرات لعناصر وحدة التصنيع العسكري في كتائب القسام.
وخلال تلك المدة عجز الاحتلال عن اغتياله، على الرغم من نجاحه في اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري سنة 2016.
وتمكن الاحتلال من اغتياله يوم 12 مايو/أيار 2021 في معركة “سيف القدس” رفقة القائد المهندس جمعة الطحلة، لكن “فارس السماء” كان قد أكمل مشروعه قبل الاستشهاد بتخريجه وتدريبه لعددٍ كبير من مهندسي القسام على صناعة المسيّرات.
وبعد استشهاده، كشفت كتائب القسام عن سيرة المهندس محمود فارس ودوره في صناعة سلاح الجو لدى كتائب القسام من خلال فيلمٍ وثائقي، إذ يقول قائد في وحدة التصنيع العسكري عن انضمام فارس السماء إلى كتائب القسام، “لفت انتباه الكتائب إلى الشهيد محمود الطموح والاهتمام بأدق التفاصيل، ووقع عليه الاختيار ليكون ضمن مهندسي القسام، وانخرط مع طواقم العمل لصناعة سلاح فلسطيني نوعي يحدث التغيير في معادلة الصراع”.
وكشفت القسام أن الشهيد تلقى دورات تدريبية في الطائرات دون طيار خلال سفره في سوريا، قبل أن يعود إلى غزة عام 2010، وينخرط في تطوير المسيَرات، كما يقول أحد قادة التصنيع العسكري الذي شارك معه في هذه المشاريع.
وذكرت أن فارس عمل مع الشهيد جمعة طحلة، في تطوير أسلحة القسام، بالإضافة للمهندس محمد الزواري، الذي عمل معه في فلسطين وخارجها.
ويروي أحد مهندسي “القسام”، الذي شارك مع فارس في تطوير مشاريع الكتائب، أنه تلقى مع الشهيد دورات حول تطوير الطائرات من دون طيار، في عدد من الدول التي وصفها بأنها “داعمة لمشروع المقاومة”، وأثناء الفيلم عرضت الكتائب صوراً ومقاطع فيديو لعمل الشهيد في تطوير المسيَرات.