ربما تكون مصر أكثر دول المنطقة أهمية لتحقيق السلام، لكنها تواجه أزمة اقتصادية خانقة، فهل تستحق صفقة إنقاذ مالية عاجلة؟ الإجابة في تقرير لصحيفة الإيكونوميست.
وتحت عنوان “مصر لا تستحق صفقة إنقاذ مالية جديدة”، نشرت صحيفة The Economist البريطانية تقريراً يرصد لماذا يجب أن تحصل أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان على صفقة إنقاذ مالية عاجلة، رغم أن حكومتها قد لا تستحق ذلك.
مصر.. احتمالات الحرب والسلام في المنطقة
تقول الصحيفة في تقريرها إن احتمالات الحرب أو السلام في الشرق الأوسط حالياً تعتمد على العديد من الأطراف، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والحوثيين في اليمن، وإيران، وإسرائيل، والفلسطينيين، والسعودية، وغيرها، لكن هناك دولة واحدة تُعد أكثر أهميةً مما يُدركه غالبية الناس: مصر.
إذ إن مصر هي دولة ضخمة بتعداد سكانها الذي يبلغ 110 ملايين نسمة. وتدير قناة السويس، التي يمر عبرها 10% من تجارة العالم، وتتمتع بحدود برية مع قطاع غزة، كما أن لديها اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتساعد حالياً في الوساطة الجارية لوقف الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع.
تستطيع مصر أن تلعب دوراً حيوياً في المساعدة على تأمين قيام دولة للفلسطينيين وتوفير الأمن داخل قطاع غزة. أما في حال انهيار هذه الدولة، فقد يزيد ذلك من زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأسره. ولا شك أن هذا النوع من الانهيار يُعد احتمالية قائمة بدرجة مخيفة، بالتزامن مع مواجهة الاقتصاد لأزمة مالية متصاعدة.
وتقول صحيفة الإيكونوميست إن “النظام المصري العاجز لا يستحق صفقة إنقاذ مالية جديدة”، لكن على الرغم من ذلك فلا مفر من حصول مصر على صفقة إنقاذ بشكل عاجل.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد قاد انقلاباً عام 2013 وتولّى الرئاسة في العام التالي. وبعد 10 سنوات في الحكم، أثبت الرجل أنه مدير سيئ للاقتصاد. إذ أحكم الجيش وأعوانه قبضة احتكارهم الخانق على اقتصاد مصر الواهن خلال العقد الماضي.
وجاء الإنفاق الضخم ليخدم الجنرالات، بينما فرّ المستثمرون الأجانب. وأصبح العجز المالي وعجز ميزان المدفوعات حالةً مستمرة. حيث اقترض السيسي أكثر من اللازم بكثير، ووصل حجم الدين العام إلى 89% من إجمالي الناتج المحلي، بينما وصل الدين الخارجي إلى 37%. وتدخل صندوق النقد الدولي لمنح الحكومة أربع صفقات إنقاذ مالي. ويَعِدُ السيسي بالإصلاحات الاقتصادية في كل مرة، لكنه لا يفعل منها سوى القليل، بحسب الصحيفة البريطانية.
رفع أسعار الفائدة في مصر
وزادت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من سوء الأوضاع بالنسبة لمصر. ففي العام العادي، كانت مصر تجمع إيرادات بالعملة الصعبة من تشغيل قناة السويس تصل إلى 2% من إجمالي ناتجها المحلي، بينما تضيف عائدات السياح الأجانب 3% أخرى إلى الناتج المحلي الإجمالي. لكن مصدري النقد المذكورين تقلّصا بشدة.
فقد صرحت مديرة صندوق النقد الدولي، مساء الخميس 1 فبراير/شباط، أن إيرادات قناة السويس المصرية تراجعت في النصف الأول من يناير/كانون الثاني بمعدل 100 مليون دولار شهرياً، مضيفاً أن الخسائر تتزايد.
أما سعر الصرف الرسمي، الذي يساوي 30 جنيهاً مقابل الدولار الواحد فهو سراب، حيث يصل السعر في السوق السوداء إلى 70 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، وهو السعر الذي يدفعه المشترون الراغبون في الحصول على العملة.
ويجب على مصر أن تخفض قيمة عملتها رسمياً، لكن فعل لك سيعني ارتفاع قيمة ديونها الدولارية بالنسبة لناتجها المحلي الإجمالي. وهذا سيرفع أسعار الغذاء -وخاصة الحبوب- التي تستوردها مصر في الأغلب.
وأصدرت لجنة السياسات النقدية، الخميس 1 فبراير/شباط 2024، قراراً برفع أسعار الفائدة بنسبة 2%، ورفع البنك سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة إلى 22.25% من 20.25%، كما رفع الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 21.25% من 19.25%.
رانيا يعقوب، من ثري واي لتداول الأوراق المالية، أرجعت رفع سعر الفائدة إلى ارتفاع التضخم في يناير/كانون الثاني، خاصة فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية، ومع توقع استمرار هذا الارتفاع خلال الشهرين الجاري والمقبل.
وأضافت لرويترز: “من المتعارف عليه أن رفع سعر الفائدة يكون له تأثير سلبي على مناخ الاستثمار.. ولكن في الحقيقة في ظل الظروف الحالية وفي ظل أننا نتوقع تحركات أسعار صرف مرنة وتخفيض لقيمة العملة المحلية أمام الدولار، أعتقد إن الأمر لن تكون له تأثيرات عنيفة على المناخ الاقتصادي أكثر من الحالة القائمة حالياً، خاصة أننا تقريباً في حالة ركود وتوقف للنشاط الاقتصادي بسبب أسعار الصرف”.
ما الحل لأزمة مصر الاقتصادية؟
بحسب الإيكونوميست، كان بالإمكان وصف دواء مرّ لمصر لو كان المنطق الاقتصادي هو الاعتبار الوحيد هنا. لكن أي قرض إضافي من صندوق النقد الدولي أو الحكومات الأجنبية سيأتي مشروطاً بإعادة هيكلة الديون، وعيش مصر في حدود إمكانياتها، وإخراج الجيش من السوق.
لكن هذه الدرجة من التقشف ستكون شديدة الخطورة؛ إذ ربما تقضي مصر سنوات في التخلف عن السداد، وهي منطقة محرمة من الناحية المالية. وسيعاني السيسي من أجل إطعام شعبه وسداد أجور موظفي الحكومة. ومن المحتمل أن يخرج الشباب المصري المحبط في احتجاجات حاشدة قد تتم مواجهتها بقمعٍ عنيف.
وسيكون من الصعب احتواء أي اضطراب من هذا النوع، خصوصاً في هذا التوقيت المضطرب للغاية بسبب الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية “طوفان الأقصى” العسكرية، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة، تبعه اجتياح بري، تسبب في ارتقاء أكثر من 27 ألف شهيد، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، من نساء وأطفال، كما دمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل.
و”طوفان الأقصى” هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول، رداً على “الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني”، والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء منذ تولي أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً المسؤولية أواخر عام 2022.
وإذا ما انفجرت الأوضاع الاجتماعية في مصر وهددت حكومة السيسي، في وجود الحريق المشتعل في منطقة الشرق الأوسط الأوسع بالفعل، فإن المنطقة لن تستطيع احتمال اشتعال مصر أيضاً، بحسب الإيكونوميست. إذ إن هذا الأمر سيجعل مصر عاجزةً عن المساعدة في الوساطة أو تطبيق اتفاق سلامٍ بين إسرائيل والفلسطينيين.
لهذا يتعيّن على العالم أن يتحامل على نفسه وينقذ مصر مرةً أخرى، تقول الإيكونوميست. ويحتاج هذا البلد إلى 10 مليارات دولار من التمويل قصير الأجل على الأقل حتى يُعيد تمويل ديونه، ويخفف الصدمة الناجمة عن التخفيض الكبير لقيمة العملة.
ويجب أن تشارك الدول الغربية، وصندوق النقد الدولي، ودول الخليج الغنية في هذا الإنقاذ. وفي المقابل، سيتعيّن عليهم الضغط على الجيش علناً حتى يتخلى عن قبضته المفروضة على الاقتصاد.
سيفعلون ذلك وهم يدركون تماماً أن الجيش لن ينصاع لرغباتهم على الأرجح، وخاصةً لأن السيسي نفسه هو جنرال سابق، لكن مصر لن تزدهر مطلقاً حتى يُفسح أصحاب الزي العسكري المجال أمام الجميع، وهذا هو ما يجب أن يسمعه المصريون العاديون، بحسب الإيكونوميست.