أثارت المقابلة التي أجراها مذيع أمريكي شهير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماماً عالمياً وجدلاً أمريكياً واسعاً، فمن هو المذيع السابق بشبكة فوكس نيوز الذي كان ترامب يشاهد برنامجه بانتظام؟
يذكر أن كارلسون، الذي يقدم برنامجه الخاص عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) منذ ترك العمل بفوكس نيوز أواخر أبريل/ نيسان 2023، كان قد أعلن عن المقابلة مع بوتين قبل أسبوعين، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة، ومطالبات بمنع المذيع الشهير من السفر إلى روسيا.
من هو تاكر كارلسون؟
وُلد تاكر كارلسون يوم 16 مايو/أيار عام 1969 في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية. ووالدته هي الفنانة الأمريكية ليزا ماكنير، أما والده ديك كارلسون فهو إعلامي شهير عمل مديراً لشبكة الأخبار الحكومية “صوت أمريكا”، كما عمل سفيراً للولايات المتحدة في سيشيل.
وعندما كان تاكر في السادسة من عمره انفصلت والدته عن والده، وحصل الأب على حضانة تاكر وأخيه الأصغر، بينما انتقلت والدته إلى فرنسا ولم يرَها مرة أخرى. وألحقه والده لفترة قصيرة بمدرسة داخلية في سويسرا، لكنه سرعان ما طُرد منها، بحسب ما قاله تاكر لاحقاً عن تلك الفترة.
التحق تاكر بمدرسة سانت جورج في رود آيلاند للمرحلة الثانوية، وهي مدرسة داخلية، حيث تعرف على زوجته سوزان أندروز. ثم درس في كلية ترينتي بهارتفورد في كونيكتيكيت، لكنه لم يكمل دراسته بها ولم يحصل على شهادة جامعية.
وحاول تاكر كارلسون الالتحاق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لكن تم رفض طلبه، فقرر التوجه للعمل في مجال الإعلام، حيث بدأ مشواره الإعلامي مطلع تسعينات القرن الماضي صحفياً في مجلة Weekly Standard، وكان له مشوار طويل في الصحافة المطبوعة، حيث كان له عمود في مجلة نيويورك تايمز وصحف ومجلات أخرى.
وفي الفترة من 2000 حتى 2005، عمل معلقاً سياسياً في شبكة CNN وكان مذيعاً مشاركاً في برنامج الشبكة الإخباري الرئيسي الذي يبث في وقت الذروة.
وانتقل بعد ذلك إلى قناة MSNBC ليقدم برنامجاً سياسياً باسمه “تاكر” في الفترة من 2005 حتى 2008. ثم التحق بشبكة Foxnews اليمينية وعمل فيها محللاً سياسياً تتم استضافته في برامج الشبكة قبل أن يكون له برنامجه الخاص “تاكر كارلسون الليلة Tucker Carlson Tonight)، في الفترة من 2016 حتى مغادرته فوكس نيوز العام الماضي.
أشهر مذيعي فوكس نيوز ومقرب من ترامب
خلال عمله في فوكس نيوز، كان برنامج تاكر كارلسون، الذي يبث في وقت الذروة، واحداً من أكثر البرامج التلفزيونية مشاهدة في الولايات المتحدة، وأصبح كارلسون أحد أشهر المذيعين المنتمين للتيار المحافظ والمروجين لنظريات المؤامرة ويوصف بأنه “صوت رائد في الدفاع عن سياسات الرجل الأبيض”، وأدخل بقوة نظريات اليمين المتطرف إلى المجال السياسي والإعلامي العام.
فمن “نظرية الاستبدال الديموغرافي” إلى “كوفيد-19 مؤامرة وليس وباء”، مروراً بالترويج لوجود أسلحة بيولوجية تطورها أمريكا في أوكرانيا، حتى مؤامرة تزوير الانتخابات الأمريكية 2020 لصالح جو بايدن، وظف تاكر كارلسون شهرته الواسعة للتأكيد على تلك النظريات بشكل يومي.
كان برنامجه “تاكر كارلسون الليلة” على فوكس نيوز واحداً من أعلى البرامج مشاهدة على الإطلاق، وعندما ظهر دونالد ترامب على المسرح السياسي في الولايات المتحدة عام 2015 وترشح عن الحزب الجمهوري وفاز بالرئاسة عام 2016، أصبح المذيع الشهير يتمتع بعلاقة قوية للغاية مع الرئيس السابق، وكان الأخير حريصاً دائماً على مشاهدة برنامج الأول.
وكان كارلسون من أعلى المذيعين راتباً في الإعلام الأمريكي، إذ أفادت تقارير إعلامية أنه كان يتقاضى راتباً سنوياً يبلغ 8 ملايين دولار، وعندما غادر فوكس نيوز العام الماضي، أفاد موقع Celebrityworth أنه كان يتاقضى خلال السنوات الأخيرة راتباً قدره 10 ملايين دولار سنوياً، أي أنه كان الأعلى راتباً على الإطلاق بين مذيعي الشبكة.
أما لماذا ترك تاكر كارلسون شبكة فوكس نيوز فجأة، فلا توجد معلومات مؤكدة سواء من جانبه أو من جانب الشبكة، على الأرجح بسبب “اتفاق سري” تم توقيعه بين الطرفين، يحظر على المذيع والشبكة الحديث عن تفاصيل إنهاء العقد بينهما.
لكن وسائل إعلام أمريكية ذكرت أن سبب الطلاق المفاجئ بين الطرفين هو قضية آلات التصويت لشركة Dominion، والتي كان ترامب والمروجون لنظرية تزوير انتخابات 2020 قد روجوا لها بشدة، وبطبيعة الحال كان كارلسون على رأس تلك الحملة التي طالت الشركة.
كانت شركة Dominion لأنظمة التصويت في الولايات المتحدة قد رفعت قضية تشهير ضد شبكة فوكس نيوز بسبب تلك الادعاءات، وانتصرت الشركة في القضية، مما دفع الأخيرة إلى دفع مبلغ قدره 787 مليون دولار كتعويض، وهي التسوية التي تم التوصل إليها في أبريل/ نيسان 2023، وبعد الإعلان عن تلك التسوية بأسبوع واحد، فوجئ الجميع بتاكر كارلسون يعلن لمشاهديه في بداية برنامجه “تاكر كارلسون الليلة” أن “هذه هي الحلقة الأخيرة من البرنامج”، وأصدرت فوكس نيوز بياناً يؤكد على نفس الأمر.
انتقل تاكر كارلسون بعدها إلى منصة إكس ليقدم برنامجه اليومي عبر منصة التواصل الاجتماعي، وواصل نفس مساره كإعلامي يميني محافظ وأحد أبرز المقربين من دونالد ترامب، الساعي الآن للعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى عبر انتخابات 2024 رغم مشاكله القانونية التي لا تنتهي.
ما قصة مقابلة كارلسون مع بوتين؟
منذ اندلعت الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لم يجرِ أي صحفي أو مذيع غربي مقابلة خاصة مع الرئيس الروسي بوتين، في ظل الحصار الغربي المفروض على روسيا على جميع المستويات.
لكن قبل أسبوعين تقريباً، أعلن تاكر كارلسون، عبر حسابه الرسمي على منصة إكس، أنه بصدد السفر إلى روسيا لإجراء مقابلة خاصة مع الرئيس فلاديمير بوتين، وهو ما أثار جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها أيضاً، حيث تعرض المذيع الشهير لحملة انتقادات عنيفة واتهامات بأنه يقدم فرصة ذهبية لزعيم الكرملين كي يبرر موقفه للمواطنين الغربيين.
لكن كارلسون برر موقفه بأنه من حق الأمريكيين أن يستمعوا إلى وجهة النظر الأخرى في قضية تؤثر عليهم بشكل مباشر، على أساس أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقدم دعماً ضخماً لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “من حق الأمريكيين كل ما يمكنهم معرفته عن حرب هم متورطون فيها”.
واتهم كارلسون البيت الأبيض بالتجسس عليه بطريقة غير شرعية والسعي لمنعه من السفر إلى روسيا لإجراء المقابلة مع الزعيم الروسي، لكن البيت الأبيض نفى مزاعم المذيع السابق في فوكس نيوز ووصفها بأنها “اتهامات سخيفة”، بحسب تقرير لشبكة Sky News.
كما شن كارلسون، في مقطع فيديو للإعلان عن موعد بث المقابلة مع بوتين: “وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية فاسدة وتكذب على جماهيرها؛ لأنها تنشر دعاية من أبشع الأنواع. وفي الوقت نفسه، كان السياسيون ووسائل الإعلام لدينا يفعلون ذلك، من خلال الترويج لزعيم أجنبي وكأنه علامة تجارية استهلاكية جديدة، ولم يكلف أي صحفي غربي نفسه عناء إجراء مقابلة مع رئيس الدولة الأخرى المتورطة في هذا الصراع: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
أما من يقصده كارلسون بإشارته إلى الزعيم الأجنبي الذي يروج له الإعلام الأمريكي، فهو الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي كان ولا يزال مادة للسخرية والاستهزاء من جانب المذيع الأمريكي الشهير، فقد وصف كارلسون زيلينسكي من قبل بأنه “فأر”.
مذيعة شبكة CNN الشهيرة كريستيان أمانبور ردت على كارلسون، بالقول: “هل يعتقد تاكر حقاً أننا كصحفيين لم نحاول إجراء مقابلة مع الرئيس بوتين كل يوم منذ غزوه الشامل لأوكرانيا؟ إنه أمر سخيف – سنستمر في طلب إجراء مقابلة، تماماً كما فعلنا منذ سنوات حتى الآن”.
وموقف كارلسون من الحرب في أوكرانيا، التي يصفها الغرب بأنها “غزو روسي غير مبرر” بينما يصفها الكرملين بأنها “عملية عسكرية خاصة لمنع تهديد وجودي لأمن روسيا القومي”، ليس سراً، فالمذيع الأمريكي يندد مذ البداية بموقف إدارة جو بايدن ويتهمها بأنها لعبت دوراً رئيسياً في إشعال الحرب التي كان يمكن منعها بسهولة من خلال التعهد بعدم ضم كييف لحلف الناتو.
وقبل وقت قليل من بث مقابلة كارلسون مع الرئيس الروسي، الخميس 8 فبراير/شباط، وجه جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، تحذيراً للأمريكيين: “تذكروا أنكم تستمعون إلى فلاديمير بوتين. لا يجب أن تأخذوا أي شيء يقوله على علاته أبداً”.
أما الكرملين فقد قال إن بوتين وافق على إجراء المقابلة مع كارلسون؛ لأن النهج الذي يتبعه مذيع فوكس نيوز السابق يختلف عن التغطية “أحادية الجانب” للصراع في أوكرانيا التي تتبعها العديد من وسائل الإعلام الغربية، بحسب رويترز.