في دليل على التطور والتخطيط السليم، وصل المنتخب الأردني لكرة القدم إلى نهائي كأس آسيا 2023، محققاً إنجازاً تاريخياً غير مسبوق في سجلات كرة القدم الأردنية. بقيادة المدرب المغربي الخبير حسين عموتة، أبهر النشامى العالم بأدائهم اللافت وقدرتهم على مقارعة الكبار والإطاحة بهم كما فعلوا مع أسود الرافدين والشمشون الكوري. اليوم، تنتظر الجماهير الأردنية المباراة النهائية على أحر من الجمر، وسط تطلعات عريضة لمستقبل يراه الكثيرون مشرقاً لكرة القدم الأردنية.
كان للتألق الأردني في البطولة المقامة في الأراضي القطرية عدة أسباب، كما ظهرت بضعة نقاط ضعف على أداء “النشامى”، نستعرضها جميعاً في هذا التقرير.
نقاط قوة المنتخب الأردني قبل نهائي كأس آسيا
لعبت الخطط التكتيكية الذكية التي اعتمدها المدرب عموتة، والروح القتالية التي تحلى بها رفاق النجم موسى التعمري دوراً كبيراً في تفوق الأردن على خصومه. وظف عموتة خبرته الطويلة في إدارة الفرق لبناء فريق متماسك يصعب اختراق دفاعاته، معتمداً على التنظيم الدفاعي الصارم والتحولات السريعة من الدفاع إلى الهجوم. أظهر اللاعبون مستويات عالية من الانضباط والتفاني، ما أدى إلى تحقيق نتائج مبهرة ضد منتخبات قوية.
القدرة على اللعب تحت الضغط
واحدة من أبرز نقاط قوة المنتخب الأردني هي قدرته على الحفاظ على هدوئه وتركيزه تحت ضغط المنافسين. في مباريات حاسمة، كان النشامى يظهرون استقراراً عاطفياً وتكتيكياً، مع الاعتماد على خطة لعب متوازنة تسمح لهم بالدفاع بقوة وشن هجمات مضادة خطيرة بقيادة النجمين يزن النعيمات وموسى التعمري.
المرونة التكتيكية
أظهر حسين عموتة قدرة عالية على التكيف مع المنافسين، مع تعديلات تكتيكية ذكية أثناء المباريات استناداً إلى سير اللعب. هذه المرونة سمحت للأردن بمواجهة مختلف أساليب اللعب والخروج منتصراً في مواقف كانت تبدو معقدة، خاصة المباراة ضد منتخب العراق في دور الـ16 من البطولة. ففي تلك المباراة كان المنتخب الأردني متأخراً في النتيجة (2-1)، لكن تدخَّل عموتة وأجرى عدة تغييرات وتعديلات تكتيكية خطفت الفوز في النهاية بنتيجة (3-2).
أسرة واحدة
ما يميز المنتخب الأردني في هذه البطولة هو أن الفريق والجهاز الفني متحدان بصورة كبيرة. ولقد أكد المدرب عموتة ذلك في تصريحاته الصحفية الأخيرة قبل مباراة النهائي أمام منتخب قطر، إذ قال: “أجواؤنا في المنتخب عائلية، وهذا سر التناغم بيننا، ووصولنا إلى هذه المرحلة”.
قوة هجومية ضاربة
سجل المنتخب الأردني في كأس آسيا 2023 حتى الآن 12 هدفاً في 6 مباريات، بمعدل هدفين في المباراة الواحدة، وهو معدل مرتفع للغاية. مع العلم أن 4 أهداف سجلت في شباك كوريا الجنوبية في المباراتين اللتين جمعتا المنتخبين في دور المجموعات وفي الدور نصف النهائي. كما سجل “النشامى” 3 أهداف في مرمى المنتخب العراقي العنيد في دور الـ16. ويقود هجوم منتخب الأردن، نجم مونبلييه الفرنسي موسى التعمري الذي سجل 3 أهداف، ويشاركه التألق والقيادة زميله يزن النعيمات بإحرازه 3 أهداف.
نقاط الضعف النشامى
رغم الإنجازات الكبيرة، هناك بعض النقاط التي يحتاج المنتخب الأردني لمعالجتها للحفاظ على تطوره ومنافسته على المستوى العالي.
الاعتماد على الدفاع المتأخر
وإن اعتبرنا “القدرة على اللعب تحت الضغط” نقطة قوة عند المنتخب الأردني، إلا أن المنتخب الأردني يعتمد بشكل مفرط أحياناً على التنظيم الدفاعي المتأخر، ويترك الاستحواذ للخصوم، ما يتسبب في تهديد المرمى الأردني بكثرة. ولقد منيت شباك المنتخب الأردني بـ6 أهداف خلال البطولة.
القدرة على إنهاء الفرص
على الرغم من قوته في بناء الهجمات المرتدة بكفاءة، واجه المنتخب الأردني صعوبات في ترجمة الفرص إلى أهداف. الفعالية أمام المرمى مسألة يجب تحسينها لضمان تحويل الفرص إلى أهداف، خاصة في المباريات التي تحتاج إلى قرارات سريعة ودقيقة في الثلث الأخير من الملعب مثل النهائي المقبل. على سبيل المثال، في مباراتهم الأخيرة أمام كوريا الجنوبية، سدد لاعبو الأردن 17 تسديدة، 7 منها فقط أصابت المرمى، و2 فقط هزتا الشباك. ولقد تكرر الأمر ذاته في مباراة طاجيكستان في دور الـ8.
دكة بدلاء فقيرة
رغم المرونة التكتيكية، لا يمتلك النشامى دكة بدلاء متنوعة قادرة على تقديم الحلول بشكل فعال في الأوقات العصيبة. في بعض الأحيان، كانت الخيارات المتاحة للمدرب المغربي عموتة قليلة ومحدودة. يفسر ذلك تأخر المدرب في إجراء التبديلات أثناء المباريات.
إلى أي مدى يمكن للمنتخب الأردني أن يواصل مسيرته الناجحة؟
وصول المنتخب الأردني لكرة القدم إلى نهائي كأس آسيا 2023 هو بداية فصل جديد في تاريخ الكرة الأردنية، يحمل معه آمالاً وطموحات لمستقبل أكثر إشراقاً.
بالعمل على تحسين نقاط الضعف والبناء على الأساس المتين الذي شيده الحسين عموتة، يمكن للنشامى أن يتطلعوا إلى تحقيق المزيد من الإنجازات على الساحة الدولية.
في ظل هذا التقدم الملحوظ، يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى يمكن للمنتخب الأردني أن يواصل مسيرته الناجحة ويثبت نفسه كقوة دائمة في كرة القدم الآسيوية؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال، ولكن إلى ذلك الحين، يظل النشامى مصدر فخر وإلهام للأردن ولعشاق كرة القدم في جميع أنحاء العالم بأدائهم الرائع في هذه البطولة.