“شرطة حماس تعود لشمال غزة”.. تبدو مخططات أمريكا للتعامل مع أزمة غزة، في مهب الريح، تريد واشنطن إنهاء حكم حماس وأن يتم حكم غزة بسلطة فلسطينية مقبولة لإسرائيل والغرب، مع إطلاق مسار التطبيع مقابل خطة لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، كل ذلك يبدأ بـ”صفقة تبادل الأسرى” دون ضمانات لوقف إطلاق نار دائم.
ولكن كل هذه الخطط تتعثر أمام مساومات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتتياهو السياسية ورفضه لفكرة إقامة دولة فلسطينية، وفي الوقت ذاته إخفاق الجيش الإسرائيلي في الاقتراب من تحقيق هدفه المعلن بالقضاء على حماس، بل على العكس تبدو الحركة تعيد فرض سلطتها لدرجة أن شرطة حماس تقوم بضبط الأمن في شمال غزة المنطقة التي تلقت النصيب الأكبر من نيران الحرب الإسرائيلية.
خلافات حول صفقة تبادل الأسرى
وجاء وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين للمنطقة أملاً في الضغط من أجل اتفاق وقف إطلاق نار محتمل والتخطيط لما بعد الحرب، بالتزامن مع محاولة تهدئة التوترات الإقليمية.
والتقى وزير الخارجية الأمريكي بولي العهد السعودي يوم الإثنين، الخامس من فبراير/شباط، في مستهل زيارته الخامسة إلى منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة.
لكنه أنتوني بلينكن يواجه تحديات كبرى على الجبهات الثلاث؛ إذ إن هناك خلافات علنية بين حماس وإسرائيل على عناصر رئيسية في الهدنة المحتملة. كما رفضت إسرائيل دعوات الولايات المتحدة لتأسيس مسارٍ ينتهي بإقامة دولة فلسطينية. فيما لم تظهر مؤشرات كبيرة على أن القصف الأمريكي قد ردع حلفاء إيران المسلحين في المنطقة، حسبما ورد في تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
السعودية مستعدة للتطبيع مقابل خطة موثوقة لإقامة دولة فلسطينية
والتقى بلينكن بولي العهد محمد بن سلمان بعد وقتٍ قصير من وصوله إلى العاصمة السعودية الرياض. وقال المسؤولون السعوديون إن المملكة لا تزال مهتمةً بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اتفاق تاريخي محتمل، لكن بشرط وجود خطة موثوقة لإنشاء دولة فلسطينية.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيانٍ لها إن بلينكن “أكّد على أهمية التطرق للاحتياجات الإنسانية في غزة ومنع انتشار الصراع على نطاقٍ أوسع”، كما ناقش مع ولي العهد “أهمية بناء منطقة أكثر تكاملاً وازدهاراً”.
لكن أي صفقة كبرى من هذا النوع ما تزال بعيدة المنال في ظل استمرار الحرب المشتعلة داخل غزة، حيث استقبلت المستشفيات 113 جثة في آخر 24 ساعة فقط، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع الذي تحكمه حماس. بينما قالت الوزارة إن 205 أشخاص آخرين وصلوا كمصابين.
إسرائيل تتوعد باجتياح رفح بينما هدفها بسحق حماس يبدو بعيد المنال
في غزة، بدأت شرطة حماس في العودة للظهور داخل أكثر المناطق دماراً بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منها، في مؤشر على أن هدف إسرائيل المحوري بسحق الحركة ما يزال بعيد المنال. وأظهرت مشاهد الفيديو من المناطق نفسها حجم الدمار المهول، حيث تعرضت جميع البنايات تقريباً للدمار أو الأضرار، الوكالة الأمريكية.
أي أن قوات شرطة حماس قد نجت من القصف الإسرائيلي، وهو أمر قد ينطبق بشكل أكبر على قوات النخبة الخاصة بالحركة.
بينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن جيش الاحتلال سيواصل عملياته في شمال غزة لعدة أشهر وسيمضي قدماً في هجومه الرئيسي بجنوب القطاع، حيث تخوض قواته قتالاً عنيفاً منذ أسابيع، وذلك حتى يفرض “سيطرته الكاملة” على كافة أراضي القطاع.
وأردف “أن الهجوم سيصل في النهاية إلى مدينة رفح على الحدود مع مصر، التي لجأ إليها نحو 1.5 مليون نازحٍ فلسطيني. فيما قالت مصر إن الانتشار الإسرائيلي بطول الحدود يهدد اتفاقية السلام المُبرمة بين البلدين قبل أكثر من أربعة عقود”.
شرطة حماس تعود إلى شمال غزة الذي دمرته إسرائيل وتقبض على اللصوص
وأظهر مقطع فيديو متداول على الإنترنت يوم الإثنين مسلحين ملثمين يقودون صفاً من المعتقلين منزوعي القمصان أمام بنايات شمال غزة المقصوفة، ويجبرونهم على الصراخ قائلين إنهم لصوص.
ولم تنجح وكالة Associated Press الأمريكية في التحقق من صحة الفيديو بشكل مستقل، لكنه يتوافق مع تقارير الوكالة الأخرى والتي ترجح أن هذه القوات هي شرطة حماس.
وكانت تلك الواقعة بمثابة آخر علامةٍ على أن حماس أعادت فرض سيطرتها في أجزاءٍ من شمال غزة، التي تحكمها منذ عام 2007.
ويقول السكان إن شرطة حماس، والتي كانت أعدادها تصل إلى عشرات الآلاف قبل الحرب، قد بدأت تعاود الظهور في بعض المناطق للتركيز على توزيع رواتب الموظفين المدنيين وقمع اللصوص.
بينما يقول الجيش الإسرائيلي إنه شن عمليات استهداف في شمال غزة الأسبوع الماضي لمنع حماس من إعادة بناء قدراتها.
نتنياهو يقول إنهم دمروا ثلاثة أرباع كتائب الحركة، ولكن أين الدليل؟
وتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب حتى تنجح إسرائيل في تحطيم قدرات حماس العسكرية وأدوات حكمها، كما تعهد بإعادة الأسرى الإسرائيليين الذين تجاوز عددهم الـ100 والذين لا يزالون في قبضة حماس منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول -الذي كان سبباً في اشتعال الحرب.
وخلال لقائه مع الجنود يوم الإثنين، قال نتنياهو إن إسرائيل هزمت 18 من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس دون تقديم أدلة (أي ثلاثة أرباع كتائبها). وأردف: “نحن على الطريق نحو تحقيق نصر مطلق، وأريد أن أخبركم بأننا ملتزمون بهذا الهدف ولن نتخلى عنه”.
في المقابل، أفادت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، الإثنين 5 فبراير/شباط، بأن التخلص كلياً من قدرات حماس الصاروخية فقط، بعيداً تماماً عن الأفق القريب، ويحتاج إلى مدة تتراوح بين عام أو عامين. ويُعزى السبب الرئيسي في صعوبة هذا الهدف إلى الحقيقة التي تشير إلى أن كثيراً من الصواريخ التي لدى حركة حماس مدفونة تحت الأرض، مما يصعب على قوات الاحتلال تحديد مواقعها.
محادثات وقف إطلاق النار تشهد تقدماً، ولكن حماس تريد إنهاء الحرب بشكل دائم
وضعت الولايات المتحدة وقطر ومصر مقترحاً لوقف إطلاق النار لعدة أسابيع، مع الإفراج عن بقية الرهائن بشكلٍ تدريجي.
لكن حماس لم ترد على المقترح علناً بعد، كما قالت إنها لن تُفرج عن أي أسرى آخرين قبل أن تنهي إسرائيل عدوانها على غزة. ومن المتوقع أن تطلب الجماعة المسلحة الإفراج عن آلاف السجناء الفلسطينيين في المقابل -وهي المطالب التي استبعد نتنياهو الموافقة عليها علناً.
وأثارت الحرب التوترات في كافة أرجاء المنطقة، مع سلسلة من القصف والهجمات المضادة التي زادت خطر اندلاع صراعٍ أوسع، شملت العراق وسوريا ولبنان والبحر الأحمر.
ووصل التوتر الإقليمي للحظة التي كان يخشاها الجميع، عندما أسفر هجوم بالطائرات المسيرة من مسلحين تدعمهم إيران عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين قرب الحدود الأردنية-السورية الأسبوع الماضي، ما أدى إلى موجة من الغارات الأمريكية الانتقامية.