يعرف الكثير من الناس دولة نيجيريا من خلال منتخب بلدها القوي لكرة القدم، والذي عاد إلى الأضواء من جديد من خلال تأهله إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية 2023 بساحل العاج للمرة الثامنة في تاريخها، غير أنّ هذا البلد الأفريقي الواقع غرب القارة السمراء يعدّ ثاني أكبر اقتصاد في قارة أفريقيا، ويطلق عليها مواطنوها “قلب أفريقيا”، ولديها أكبر عدد من السكان في القارة السمراء، وأكبر عدد من المسلمين بين الدول الأفريقية، كما أنّ لها صناعة سينمائية أقوى من بوليوود الهندية، مع ذلك فإنّ هذه الدولة التي استقلت عن بريطانيا سنة 1960، تعد من أكثر الدول التي ينهش الفقر مواطنيها، هذا الفقر ناجم عن عدم الاستثمار الأمثل لثروات البلد الواقع غربي أفريقيا، بنفس الطريقة التي تستثمر فيها في لاعبي كرة القدم.
تاريخ دولة نيجيريا.. مستعمرة بريطانية أكثر من قرن ونصف
بسبب الهيمنة الفرنسية التاريخية على دول غرب أفريقيا، لا يعرف الكثير أنّ نيجيريا كانت الاستثناء في المنطقة، إذ كانت مستعمرة بريطانية، والذين كانوا سبباً في تسمية هذه البلاد بنيجيريا، والتي اشتُقت من اسم نهر النيجر الذي يخترق البلاد، بحيث أطلقت الصحفية البريطانية فلورا شو هذا الاسم في 8 يناير/كانون الثاني 1897.
اُحتلت نيجيريا من قِبَل البريطانيين تدريجياً مع مطلع القرن التاسع عشر، إذ حوّل التجار البريطانيون نيجيريا إلى سوقٍ يجلب منه العبيد إلى أوروبا وباقي أرجاء العالم، ليكون ذلك مفتاح التدخل البريطاني في نيجيريا بذريعة محاربة تجارة العبيد.
ومع الوقت بدأ النفوذ البريطاني في التوسع بالبلد الأفريقي، إذ تدخلت بريطانيا في الصراع السلطوي في مملكة لاغوس عبر قصفها لاغوس في عام 1851، ما أدى إلى خلع الملك المناصر لتجارة العبيد أوبا كوسوكو، وساعدت على تنصيب أوبا أكيتوي المتعاون، ووقعت معاهدة بين بريطانيا العظمى ولاغوس في 1 يناير/كانون الثاني 1852، وفي عام 1864، أصبح صامويل أجاي كروثر أول قسيس أفريقي للكنيسة الأنجليكانية في المستعمرة البريطانية السابقة.
في عام 1885، لقيت المطالب البريطانية بمنطقة هيمنة في غرب أفريقيا اعتراف الدول الأوروبية الأخرى في مؤتمر برلين، وشرعت بريطانيا في الزحف عسكرياً ضد الممالك القائمة في البلاد.
بحلول عام 1902، تبلورت خطة بريطانيا في الزحف شمالاً على خلافة صكتو، وفي عام 1903، منح الانتصار البريطاني في معركة كانو البريطانيين اليد الطولى للسيطرة على ما تبقى من إمبراطورية بورنو.
وفي 1 يناير/كانون الثاني 1914، نجح البريطانيون رسمياً في توحيد مستعمرتهم في شقيها الجنوبي والشمالي، وعملت من خلال البعثات التبشيرية على تحويل سكانها من الإسلام إلى المسيحية.
وبحلول منتصف القرن العشرين، عصفت بأفريقيا موجة كاسحة تنادي بالحرية والاستقلال، وكانت نيجيريا إحدى السفن التي قاومت من أجل هذا المطلب الأفريقي، وهكذا نالت المستعمرة البريطانية السابقة استقلالها أخيراً في عام 1960، ليعلن بعد 3 سنوات عن تأسيس جمهورية نيجيريا.
نيجيريا بلد متنوع عرقياً وتقافياً
تعدّ المستعمرة البريطانية السابقة بلداً متعدد الإثنيات والعرقيات، إذ يقطنه أكثر من 250 مجموعة إثنية تتحدث 500 لغة مختلفة، وتنتمي جميعها إلى طيف واسع من الثقافات المتنوعة.
أكبر ثلاث جماعات إثنية في البلاد هي: الهوسا والفولاني في الشمال، واليوروبا في الغرب، والإيغبو في الشرق، ويشكّلون ما مجموعه 60% من عدد السكان، أمّا اللغة الرسمية في نيجيريا فهي اللغة الإنجليزية الموروثة عن الاستعمار البريطاني، والتي تم اختيارها بهدف تحقيق الوحدة الوطنية على المستوى اللغوي.
تتوزع نيجيريا بشكل تقريبي بين المسلمين، الذين يعيشون غالبهم في الشمال، والمسيحيين، الذين يعيشون أغلبهم في الجنوب، وتضم البلاد خامس أكبر نسبة من السكان المسلمين وسادس أكبر نسبة سكان مسيحيين في العالم، مع وجود أقلية تدين بالديانات الأصلية، كتلك التي تعتنقها إثنيات الإيغبو واليوروبا، إذ يكفل دستور نيجيريا حرية العبادة والاعتقاد.
الثانية عالمياً في الصناعة السينمائية
تُعد المستعمرة البريطانية السابقة صاحبة أكبر كثافة سكانية في أفريقيا وسابع أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 206 ملايين نسمة وفقاً لإحصائيات على السكان أجريت عام 2019، هذه الكتلة البشرية أغلبها من الشباب، إذ تضم المستعمرة البريطانية السابقة ثالث أكبر نسبة شباب في العالم، بعد كل من الهند والصين، بحيث إنّ نصف سكان نيجيريا تقريباً هم تحت سن الثامنة عشرة.
الإقتصاد النيجيري هو الأكبر في أفريقيا ويأتي في المرتبة 24 بين أكبر اقتصادات العالم، بقيمة تبلغ 450 مليار دولار تقريباً في الناتج الإجمالي المحلي النقدي، ويبلغ معادل القوة الشرائية 1 تريليون دولار، وجيشها يعد رابع أكبر قوة عسكرية في أفريقيا.
وفقاً للبنك الدولي، تُعتبر نيجيريا الآن قوة إقليمية في القارة الأفريقية، وقوة وسطى في الشؤون الدولية، ويُنظر إليها باعتبارها قوة دولية صاعدة، إذ هناك قوة اقتصادية كبرى تزحف بنيجيريا إلى العالمية، فالسينما النيجيرية أو ما يطلق عليها “نوليوود” أصبحت هي الأكبر في العالم بعد صناعة السينما الأمريكية المعروفة بهوليوود من ناحية كثافة الإنتاج والدخل.
ورغم ذلك، فإن مؤشر التنمية البشرية يضع المستعمرة البريطانية السابقة في المرتبة 158 على مستوى العالم، وتُصنف البلاد بوصفها ذات اقتصاد منخفض متوسط الدخل، بدخل قومي إجمالي يتراوح بين 1,026 دولار و3,986 دولار للفرد الواحد.
كما تعد المستعمرة البريطانية السابقة بلد التناقضات والمفارقات، إذ إنّ مواطنيها يعدون من أفقر الشعوب الأفريقية، ويعاني هذا البلد الأفريقي من عدم كفاية النظام الصحي، ويعد متوسط العمر في المستعمرة البريطانية السابقة أقل من العديد من الدول، فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية يبلغ متوسط عمر الرجال فيها 53 عاماً، و56 عاماً للنساء. وسنوياً، تحصد الأمراض حياة مئات آلاف النيجيريين، وعلى رأسها الملاريا، والتيفوئيد، والإيدز.