“لا توجد عدالة في هذا، كان هناك الكثير مما يمكن قوله ولن يقال أبدا”، هكذا وصفت إحدى ضحايا جيفري إبستين الأمر بعد انتحاره وعدم تمكن الناجيات من رؤيته يلقى الجزاء العادل جراء ظلمه وانحرافه.
نصدق الناجيات
على الرغم من أن انتحار الملياردير الأميركي إبستين جرى في 2019 ولم تطرح منصة نتفليكس المسلسل الوثائقي القصير “جيفري إبستين.. ثراء فاحش” سوى في 2020 فإن صناع المسلسل بدؤوا تنفيذه في 2018 قبل اعتقال إبستين المفاجئ وعودة القضية إلى دائرة الضوء إعلاميا، وكانوا وقتها لا يملكون ما يكفي من اليقين أن العمل سيرى النور، خاصة في ظل ما واجهوه من صعوبة بالحصول على الشهادات من الضحايا وتردد الكثيرات بالمشاركة.
لكن أمام إصرار مؤلفة ومخرجة المسلسل ليزا بريانت وشجاعة بعض الناجيات خرج هذا العمل إلى الجمهور، وإن كان لا يمكن وصفه بالعميق أو الموثق بالمستندات والأدلة كون أغلبية ما جاء فيه أتى على لسان الضحايا وليس إبستين نفسه أو دائرته المقربة.
ومع ذلك لا يمكن إنكار أهمية تلك الوثائقيات وحقيقة أنها تكشف خبايا نظام العدالة الأميركي، وكيف يمكن لمن يملكون النفوذ السياسي أو المادي ليّ ذراع الدولة والقانون وقلب ميزان العدل رأسا على عقب.
من هو جيفري إبستين؟
وُلد إبستين في نيويورك عام 1953، واتسم بالذكاء حتى أنه تخطى أعواما دراسية عدة بسبب قدراته، ومع أنه لم يحصل على شهادة جامعية إلا أنه استطاع التحايل والعمل بالتدريس دون أن يفطن أحد لكذبته.
كانت تلك مجرد البداية بعدها عمل في الاستثمار المصرفي ثم أسس شركته الخاصة، وبسبب قدرته الهائلة على الإقناع التي طالما مكنته من الحصول على ما يريد نجح بعمل شبكة من العلاقات مع المشاهير والساسة حتى صار أحد كبار رجال الأعمال والصفوة.
ما لم يكن يعرفه أحد أنه شخص منحرف ارتكب الكثير من الجرائم المخلة بحق فتيات قاصرات لسنوات طويلة.
ومع أن الرسامة ماريا فارمر وشقيقتها المراهقة آني سبق أن أبلغتا المباحث الفدرالية عن تعدي إبستين عليهما في 1996 لكن الأخير استطاع بنفوذه الخروج من المأزق دون أن يلقى أي عقاب.
صفقة القرن
في عام 2005 عادت شرطة بالم بيتش للتحقيق في الأمر بعد أن اتهمته امرأة بالتحرش بابنة زوجها المراهقة، وشرعت الشرطة في تجميع الأدلة التي تثبت سلوكيات إبستين.
من جديد انتصر نفوذ إبستين على العدل، إذ استطاع محاموه إجراء صفقة عرفت وقتها باسم “صفقة القرن”، وبموجبها أفلت من عقوبة السجن مدى الحياة ومنح اتفاقية عدم الملاحقة القضائية لعام 2007 له ولأشخاص في دائرته متورطين معه، وعلقّت القضية ضده مقابل الحكم عليه بالسجن لمدة 18 شهرا والإفراج عنه لمدة 12 ساعة يوميا لمدة 6 أيام في الأسبوع يستطيع خلالها مقابلة الأصدقاء وممارسة العمل والاستمتاع بحياته، قبل أن يطلق سراحه المشروط تحت المراقبة بعد 13 شهرا فقط، مما تسبب في صدمة للعديد من عناصر الشرطة الذين أشرفوا على القضية، وخذلان الضحايا اللاتي تدمرت حياة بعضهن بعد انكشاف أمرهن ونشر الصحف صورهن وبياناتهن الحقيقية.
من قتل إبستين؟
في 2018 عاد إبستين محطا للأنظار بعد أن سلطت إحدى الصحف الضوء على دور المدعي العام الأميركي ألكسندر أكوستا في التفاوض على “صفقة القرن”، مما ترتب عليه إصدار قرار باحتجاز إبستين.
في 10 أغسطس/آب 2019 وبعد أن تخلى المقربون عنه وبات بانتظار حكم المحكمة بشأن التهم المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الفتيات عُثر عليه مشنوقا في زنزانته.
ووفقا للطب الشرعي فقد سجل الحادث انتحارا، وإن كانت هناك الكثير من النظريات التي يظن أصحابها أنه قُتل لتموت كافة الأسرار معه، من بينها تلك التي تبناها اختصاصي الطب الشرعي الذي وكله مارك شقيق إبستين، مؤكدا أن إبستين لم ينتحر، والدليل بعض الكسور في رقبته، والتي لا يمكن أن تنتج بفعل الشنق إنما الخنق.
وبعيدا عن الأسباب الطبية هناك بعض الإشارات الضمنية الأخرى المثيرة للريبة، مثل الحراس الذين كانوا مكلفين بحراسته والاطمئنان عليه كل نصف ساعة لكنهم قرروا النوم ليلة الوفاة، وتعطل كاميرات المراقبة، وزميله بالزنزانة الذي جرى نقله دون الاستعاضة عنه بآخر، فهل يمكن لكل تلك التفاصيل أن تجتمع مصادفة في اليوم نفسه الذي يقرر فيه إبستين الانتحار؟
ومع ذلك، لا تزال القضية قابلة للعودة إلى دائرة الضوء في أي وقت، وبالتالي يمكننا أن نشهد وثائقيات أخرى مستقبلا تعرفنا على تفاصيل لا ندركها اليوم.