غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

تقارير

مع قرب انتهاء مهلة الشهر التي منحتها “العدل الدولية” لإسرائيل.. ما الخطوة التالية في ظل عدم استجابة الاحتلال؟

نتائج الثانوية العامة

في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.​​​​​​​ ومنحت المحكمة الجانب الإسرائيلي مهلة حتى الثالث والعشرين من فبراير الجاري لتقديم تقرير للمحكمة حول مدى التزام القوات الإسرائيلية بالقرارات الستة التي أصدرتها المحكمة، والتي تشمل كذلك إلزام الجانب الإسرائيلي بالتوقف عن أي تحريض لارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين واتخاذ كافة التدابير لتوفير المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.

ومع اقتراب انتهاء هذه المهلة واستمرار عمليات القتل والمجازر في قطاع غزة، ما الخطوة التالية المتوقعة من المحكمة إذا استمر الاحتلال في حرب الإبادة على غزة؟

إسرائيل تنتهك أوامر محكمة العدل الدولية

بعد توجه جمهورية جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية قبل حوالي شهر لمقاضاة إسرائيل لانتهاكها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الموقّعة عام 1948، وذلك خلال هجماتها على فلسطين. عقدت محكمة العدل الدولية أولى جلسات الاستماع في القضية وبعثت قرارات المحكمة الأمل حول العالم في وقف المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بعد أن قدمت جنوب أفريقيا لائحة اتهام مُكوّنة من 70 صفحة مدعومة بـ 700 صفحة من الوثائق.

وأمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع حدوث الإبادة الجماعية ومعاقبة التحريض عليها، من خلال الامتناع عن جميع أعمال القتل والعدوان والتدمير في فلسطين والحفاظ على الأدلة على مثل هذه الأعمال، والسماح فوراً بتقديم المساعدات الإنسانية إلى السكان الذين يعانون من المجاعة في غزة، وتقديم تقرير إلى المحكمة خلال شهر عن الخطوات التي اتخذتها.

لكن إسرائيل على أرض الواقع لم توقف عمليات القتل والاجتياح والتجويع والحصار وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع. واستهدفت إسرائيل العديد من المرافق الطبية في غزة، بما في ذلك مستشفى ناصر، منذ صدور حكم محكمة العدل الدولية. وبدلاً من وقف الأعمال التي يمكن أن تشكل إبادة جماعية بموجب المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، توسعت العمليات العسكرية الإسرائيلية نحو رفح جنوب قطاع غزة، مما أدى إلى تفاقم الوضع المتردي بالفعل في الملجأ الأخير للنازحين في غزة٬ على الرغم من تحديدها من قبل الاحتلال بأنها منطقة آمنة للمدنيين.

وفي 5 فبراير/شباط، نشرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر قافلتها الغذائية التي تم قصفها من قبل الاحتلال بعدما كانت تتجه نحو شمال غزة. ومثل هذا الإجراء سيكون مخالفة مباشرة للأمر الصريح لمحكمة العدل الدولية بأن تضمن إسرائيل وصول الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.

كما تواصل إسرائيل ضخ مياه البحر إلى الأنفاق التي تجدها في جميع أنحاء غزة في هجومها على حماس، والتي يحذر الخبراء من أنها قد تجعل غزة غير صالحة للسكن لمدة 100 عام من خلال تلويث المياه العذبة الجوفية٬ وهو ما يعد مخالفة واضحة أيضاً لما نصت عليه العدل الدولية.

لذلك قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، الأحد 11 فبراير/شباط 2024، إن إسرائيل تنتهك على ما يبدو أوامر محكمة العدل الدولية بشأن قطاع غزة والتي تطالبها باتخاذ الخطوات اللازمة لحماية حقوق الفلسطينيين وتجنب جميع الإجراءات التي يمكن أن تشكل جريمة إبادة جماعية”.

وذكرت ألبانيز، في تصريحها لصحيفة الغارديان البريطانية، أنها لا تتفق مع تفسير بعض الحقوقيين وإسرائيل للأوامر القضائية التي أعلنتها محكمة العدل الدولية، على أن الأفعال المذكورة غير محظورة “طالما أن إسرائيل ترتكبها دون نية الإبادة الجماعية”.

وأوضحت المقررة الأممية أن محكمة العدل الدولية قضت بوجوب امتناع إسرائيل عن جميع الأعمال التي يمكن أن تشكل جريمة إبادة جماعية. وفي وقت لاحق، نشرت ألبانيز مقابلتها مع الغارديان على حسابها بمنصة “إكس”، مؤكدة أن إسرائيل ملزمة باحترام قرارات المحكمة، ويتعين على الدول أن تتحرك بشكل حاسم لمنع وقوع المزيد من الظلم.

المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز قالت إن إسرائيل تنتهك أوامر محكمة العدل الدولية/ رويترز
المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز قالت إن إسرائيل تنتهك أوامر محكمة العدل الدولية/ رويترز

ما الخطوة التالية بالنسبة لمحكمة العدل الدولية؟

يقول موقع Middle East Eye البريطاني إنه على الرغم من أن المحكمة المعروفة على نطاق واسع بالعمل بوتيرة هادئة، سارعت إلى إصدار أوامر قضائية فورية تتماشى إلى حد كبير مع طلبات جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أنها لم تصل إلى حد الأمر صراحةً بوقف إطلاق النار المطلوب، ومنحت إسرائيل شهراً لتقديم تقريرها بدلاً من أسبوع، إلا أن حكم المحكمة الذي صدر بالإجماع تقريباً يخلق التزامات قانونية على إسرائيل واجبة التنفيذ.

وفي حين قالت جنوب أفريقيا إن تعليمات المحكمة تُترجَم ضمنياً على أنها دعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، أشارت إسرائيل إلى غياب تلك الصياغة المحددة، وأكدت أنها ستواصل هجومها على غزة. وحتى لو تجاهل قادة إسرائيل قرار المحكمة، فقد أُخطِر داعموها الدوليون رسمياً بأنهم قد يواجهون احتمال التورط في المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية.

بالتالي فإن قرار المحكمة بشأن التدابير المؤقتة مُلزِم على الفور ونهائي وغير قابل للاستئناف، لكن لا تملك المحكمة وسيلة مباشرة لتنفيذ حكمها على إسرائيل بعد الشهر. وتنتقل أوامرها تلقائياً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأغراض الإشراف على الامتثال، وتلتزم جميع الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وعددها 153 دولة، بمنح الحكم أثراً فورياً للمساهمة في منع الإبادة الجماعية.

وبناءً على طلب الجزائر، العضو غير الدائم المُنتخَب حديثاً في مجلس الأمن وممثلها العربي، عُقِدَت جلسة للمجلس لمناقشة القوة المُلزِمة لحكم محكمة العدل الدولية. وإذا مُنِع تدخل مجلس الأمن باستخدام الفيتو الأمريكي، تماشياً مع دعمها الثابت غير المتزعزع لإسرائيل، فقد تلجأ جنوب أفريقيا إلى رفع الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صوتت في السابق لصالح وقف إطلاق النار في غزة.

لا عقوبات جزائية بيد المحكمة، وروسيا مثالاً

في النهاية فإن الامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية بشأن فلسطين هو مسؤولية جميع الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقية. ومع ذلك، فإنَّ الطبيعة الملزمة للأحكام لا يترتب عليها عقوبات جزائية في حال عدم التنفيذ٬ كما يقول تقرير لموقع The Conversation لأنَّ محكمة العدل الدولية ليست لديها آلية فرض جزاءات٬ من الممكن ألا تلتزم إسرائيل بقرارات محكمة العدل الدولية، تماماً كما فعلت روسيا مع قرارات محكمة العدل الدولية بشأن أوكرانيا. ومع ذلك، في هذه المرحلة، ثمة بعض الاختلافات بين قضيتي روسيا وإسرائيل.

الاحتلال مجازر جديدة حصيلة الشهداء خان يونس
قوات الاحتلال في غزة/رويترز

لذلك أحد التأثيرات المهمة لقرارات محكمة العدل الدولية يتمثّل في قيمتها لدى الرأي العام الدولي. حيث إن إدانة محكمة العدل الدولية لدولة ما بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية -على الرغم من عدم امتلاك المحكمة سلطة فرض جزاءات- من شأنه أن يدفع كافة الدول، سواء كانت أطرافاً في الاتفاقية أم لا، إلى إعادة النظر في علاقاتها مع تلك الدولة المُدانة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

وينطبق الوضع نفسه على التدابير المؤقتة الصادرة عن المحكمة، قد تعاني الدول التي لا تلتزم بتنفيذ تلك التدابير من فقدان هيبتها ومكانتها وتصبح معزولة وقد تتدهور علاقاتها مع دول أخرى، وذلك لأن محكمة العدل الدولية جزء مهم من النظام الدولي الليبرالي والمضيّ قدماً في مسار يتعارض مع قراراتها يمكن اعتباره معارضة للنظام الدولي الليبرالي نفسه.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة