غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

تقارير

الغرب وبعض العرب يريدون دولة فلسطينية “منزوعة السلاح”.. لكن لماذا يستحيل تطبيق ذلك بالأساس؟

نتائج الثانوية العامة

قاوم رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو منذ فترة طويلة مفهوم حل الدولتين، ولكن نادراً ما كان ذلك صريحاً كما كان الحال في الأشهر التي تلت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب اللاحقة في غزة. ومع ذلك، يصر الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن هناك طريقاً للمضيّ قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالتعاون مع حكومة نتنياهو.

لكن يبدو أن ما كان يدور في ذهن بايدن هو إقامة دولة فلسطينية “مستقلة” و”منزوعة السلاح” في آن واحد متناقض. وأفاد موقع Axios الأمريكي بأن مسؤولي وزارة الخارجية قد كُلِّفوا بالفعل بالنظر في الشكل الذي ستبدو عليه فلسطين منزوعة السلاح “استناداً إلى نماذج أخرى من جميع أنحاء العالم”، حسب تعبيرهم.

الغرب وبعض العرب يريدون دولة فلسطينية منزوعة السلاح

تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية إن هناك قبولاً متزايداً للفكرة في الغرب باعتبارها وسيلة ممكنة للخروج من المعضلة الحالية، أي من خلال تهدئة المخاوف الأمنية الإسرائيلية ومنح الفلسطينيين دولة خاصة بهم لإنهاء دائرة العنف كما يعتقد الأمريكيين وحلفاؤهم. وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز إن أستراليا قد تعترف بالدولة الفلسطينية إذا كانت “منزوعة السلاح”. ويبدو أن هناك دعماً من بعض الأطراف المهمة في العالم العربي.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بحضور رئيسي الوزراء الإسباني والبلجيكي: “نحن مستعدون لأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح”. والسيسي حليف وثيق لدولة الإمارات والمملكة السعودية والأردن، ومن المفترض أن القاهرة تتشاور مع هؤلاء وربما تعبر عن موقفهم من شكل هذه الدولة.

الغرب وبعض العرب يريدون دولة فلسطينية “منزوعة السلاح”.. لكن لماذا يستحيل تطبيق ذلك بالأساس؟

لكن حقل ألغام من التحديات الدبلوماسية يحتاج إلى اجتيازه لإنجاح هذه الفكرة الافتراضية. ولا تُقارَن أي من الدول والأقاليم القائمة التي لا تمتلك قوات مسلحة بالظروف الصعبة الفريدة التي يواجهها الفلسطينيون، ولا تقدم أي منها نموذجاً يمكن ببساطة تبنيه لحل أحد أكثر الصراعات استعصاءً على الحل في إحدى أكثر مناطق العالم اضطراباً، كما تقول “فورين بوليسي”.

ما الفرق بين الدول منزوعة السلاح وفلسطين؟

هناك ما يقرب من 40 دولة وإقليماً ليس لديها جيش دائم، وجميعها تقريباً صغيرة نسبياً من حيث الحجم وعدد السكان. والعديد منها عبارة عن دول جزرية، مثل غرينادا، المشهورة بصادراتها من جوزة الطيب، أو دومينيكا، المعروفة بينابيعها الطبيعية الساخنة وغاباتها الاستوائية المطيرة. ويتمتع العديد منها بالحماية من دول أكبر حجماً وجيدة التسليح مثل الولايات المتحدة، أو من حلف شمال الأطلسي لبعض الدول الموجودة في أوروبا.

وفي حين لا تتمتع ليختنشتاين بعضوية عسكرية ولا عضوية في حلف شمال الأطلسي، فإنها مع ذلك تستفيد بشكل غير مباشر من المظلة الواقية التي يوفرها الحلف.

قال سفير ليختنشتاين لدى الاتحاد الأوروبي، باسكال شافهاوزر، لمجلة Foreign Policy الأمريكية في مكتبه ببروكسل: “إذا اندلعت حرب، فستكون هناك العديد من الدول الأخرى التي ستعبرها الحرب أولاً”. تقع هذه الدولة غير الساحلية بين النمسا وسويسرا، وتقوم بتنسيق جهود الشرطة مع جيرانها المباشرين، وتحظى افتراضياً بحماية جيران أقوى عسكرياً مثل ألمانيا وفرنسا في المنطقة الممتدة. ويقيم سكان ليختنشتاين البالغ عددهم نحو 40 ألف نسمة في منطقة مسالمة ومزدهرة، ولم يجدوا بعد سبباً مقنعاً لإلغاء القرار الذي أدى إلى تجريد البلاد من السلاح في عام 1868.

لكن ليختنشتاين وفلسطين مختلفتين تماماً. ففي حين أن جغرافية ليختنشتاين وجيرانها المزدهرين على حد سواء يحمونها من التهديدات الخارجية، فإن فلسطين في مواجهة مع إسرائيل، عدوها الاحتلالي اللدود الذي يهدد بابتلاع كل شيء. علاوة على ذلك، لا يزال يتعين الأخذ بعين الاعتبار اللاعبين الآخرين في المنطقة مثل إيران وحزب الله والحوثيين وغيرهم.

وتقول “فورين بوليسي” إنه كثيراً ما يُحتفى بكوستاريكا باعتبارها نموذجاً للتنمية في منطقة أمريكا اللاتينية. وفي حين أن هناك العديد من العوامل وراء نجاحها، فإن أحد هذه العوامل على الأقل يعتبر على نطاق واسع هو نزع السلاح. في عام 1948، ألغت كوستاريكا الجيش، وعلى عكس بعض جيرانها، لم تتورط في انقلابات واستيلاءات عسكرية على السلطة منذ ذلك الحين. وفي المقابل، أنفقت الأموال التي كانت ستُخصَّص لميزانية الدفاع على التنمية البشرية. ولكن على النقيض من فلسطين، لا يحاول أي من جيرانها غزو أراضيها وقتل شعبها بشكل مستمر.

ومع ذلك فإن ديناميكيات الأمن الداخلي المتغيرة في كوستاريكا تقدم لنا درساً. في بحث حديث بعنوان “أسطورة التجريد من السلاح في كوستاريكا”، سلط ماركوس هوخمولر وماركوس مايكل مولر الضوء على حقيقة أن الجريمة آخذة في الارتفاع هناك، وأن هناك دعوات لتسليم صلاحيات متزايدة لوحدات الشرطة الخاصة المدججة بالسلاح مثل وحدات القوات الخاصة. وهذا يوضح الخطر المتمثل في إمكانية عسكرة حتى البنية الشرطية الأساسية في مرحلة لاحقة.

وهناك دول مشلولة وفاشلة 

ومن ناحية أخرى، تشكل هايتي مثالاً كلاسيكياً لكيفية إصابة دولة منزوعة السلاح بالشلل الداخلي بسبب العصابات المسلحة المحلية. وقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرة أخرى على إرسال قوات أجنبية لمساعدة الحكومة هناك على استعادة الأحياء والبنية التحتية الأساسية التي استولت عليها العصابات الإجرامية.

وتقول المجلة الأمريكية إن حماس لن توافق على نزع سلاحها، وربما لن تنضم الفصائل المسلحة الأخرى في غزة إلى التسوية النهائية، وما زال الاحتلال مستمراً ويرفض حتى حل الدولتين، لذلك ستكون هناك مخاوف مماثلة من استمرار الاضطرابات، ليس فقط بين هذه الفصائل وإسرائيل، ولكن أيضاً بينها وبين السلطة الفلسطينية المستقبلية.

تُظهر حالة تبني جزر سليمان لبكين أنه حتى لو كانت الدولة منزوعة السلاح، فيمكنها اختيار حلفاء عسكريين يمكنهم إعادة تشكيل ديناميكيات أمنية أوسع في المنطقة. لفترة طويلة، كانت الدولة الواقعة في المحيط الهادئ تحت النفوذ الأمني لأستراليا، ولكن في منتصف عام 2023، التقى رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري نظيره الصيني ووقع اتفاقية لتعزيز التعاون الشرطي الذي من شأنه أن يسمح لبكين بتدريب ضباط الشرطة.

“حلول” أكثر تطرفاً وإثارة للجدل

وتختلف فلسطين إلى حد كبير عن أي من هذه البلدان، فهي تحت تهديد الاحتلال وربما جارتها، وتواجه انقساماً حول ما يمكن اعتباره تسوية داخل سكانها. وقد اقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرف نتنياهو بدلاً من ذلك “دولة ناقصة”، والتي من شأنها أن تشمل قيوداً على السيادة وضمانات لإسرائيل تتجاوز نزع السلاح، وهو ما يقول المراقبون إنه أكثر انسجاماً مع المزاج العام للإسرائيليين.

ووفقاً لاستطلاع حديث أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أيد 72% من الفلسطينيين هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وهذا يثبت أن الدعم الجماهيري لحركة المقاومة الفلسطينية مرتفع.

الغرب وبعض العرب يريدون دولة فلسطينية “منزوعة السلاح”.. لكن لماذا يستحيل تطبيق ذلك بالأساس؟

من جانبه، اقترح الرئيس المصري عبد الفتاح أنه يمكن الاستجابة للمخاوف الأمنية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين إذا نُشِرَت قوة أمنية متعددة الجنسيات لتسهيل العملية الانتقالية. وقال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: “من الممكن أيضاً أن تكون هناك ضمانات للقوات، سواء كانت قوات من الناتو، أو قوات من الأمم المتحدة، أو قوات عربية أو أمريكية، حتى نحقق الأمن لكلا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة ودولة إسرائيل”.

وقد أيد بعض المثقفين الإسرائيليين فكرة إنشاء قوة متعددة الجنسيات وملتزمة، لكنهم يريدون تجربة ذلك في غزة أولاً لمعرفة ما إذا كان سينجح، حسب زعمهم. وكل هذا يفترض مسبقاً أن نتنياهو، أو أي خليفة يمكن تصوره، سوف يفكر بجدية في الموافقة على إنشاء أي دولة فلسطينية مستقلة من الأصل، وهذا لم يحدث حتى الآن.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة