لا شك في أن كثيراً منا قد رفع أصابع يده الوسطى والسبابة على شكل الحرف الإنجليزي (V) للدلالة على النصر أو الشعور بالنصر، وربما للدلالة على السلام أيضاً، أو على الأقل سبق أن شاهد شخصاً عادياً أو زعيماً ما رافعاً يده بهذه الشارة، بل تكاد تكون إشارة النصر حركة نضال للفلسطينيين في مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي، ولعلّ حظر الإسرائيليين وتضييقهم على رفع هذه الإشارة من قبل الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم مؤخراً في إطار صفقة التبادل الأولية بين المقاومة وإسرائيل، لدليلٌ واضحٌ على حجم تأثير هذه الإشارة في المحتل الصهيوني.
فهذه الإشارة العالمية التي بتنا نستخدمها بكثرة، ترمز إلى النصر والاستمرار في المقاومة، إلا أنها حقيقة لا تعني ذلك بالضرورة، إذ يعود تاريخها إلى “حرب المئة عام” بين فرنسا وإنجلترا التي كانت رمزاً للسخرية، قبل أن تشتهر برمزيتها الحالية مع استخدامها من قبل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية على أنها علامة النصر، ويؤكد الفلسطينيون هذه الرمزية باستخدامها رمزاً للنضال ضد الاحتلال الصهيوني.
بدأت قصة إشارة النصر مع حرب المئة عام كعلامة سخرية
هناك عدة تفسيرات لرمزية علامة النصر المشكّلة من أصبعي السبابة والوسطى، ولعل أشهر تلك الروايات أنها تعود لحرب المئة عام التي استمرت من 1337م إلى غاية 1453م، والتي تواجه من خلالها الرُّماة البريطانيون والجنود الفرنسيون. وقد كره الفرنسيون الرُّماة البريطانيين الذين استخدموا الأقواس الإنجليزية الطويلة لغرض تأثيري مدمر.
وفي حال وقع هؤلاء الرماة أسرى في قبضة الفرنسيين، كانت تقطع أصابع السبابة والوسطى من اليد اليمنى بغرض إخافة بريطانيا والضغط عليها.
إلا أن هؤلاء الرُّماة لم يتأثروا بذلك، فكانوا خاصة في وقت الحصار، وكنوع من السخرية من الجنود الفرنسيين، يرفعون هذين الإصبعين “تحية الإصبعين” بمعنى “أنكم لم تقطعوا أصابعي”. وكانت تلك الأحداث في معركة اجينكورت في أكتوبر/تشرين الأول عام 1415م، والتي تمكّن خلالها الجيش الإنجليزي من هزيمة الجيش الفرنسي، فكانت الغرض الأوّل من استعمال إشارة v هو السخرية من الجنود الفرنسيين
ونستون تشرشل كان سبباً في شهرة علامة النصر
تدين علامة النصر v في شهرتها واستخدامها للتعبير عن النصر إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي أشار بها إلى التعبير عن النصر، فقد استخدم ونستون تشرشل علامة (V) بإصبعيه مرة راحة اليد إلى الداخل ومرة أخرى راحة اليد الى الخارج، قاصداً حرف الـ(V) بمعنى (Victory) باللغة الإنجليزية والتي تشير إلى انتصار بريطانيا والحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضد النازية.
وقد استخدم تشرشل إشارة النصر وفي يده سيجار بين إصبعيه وبعدها صار يلوح بها دون سيجار، ولاحقاً استخدمها وراحة اليد إلى الخارج بعد أن علم أن لها معنى مسيئاً لدى الإنجليز عندما تكون راحة اليد إلى الداخل.
كما استخدم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الإشارة بمعنى النصر في حرب أمريكا بفيتنام، وأصبحت شيئاً يعرف به الرئيس واشتهر به، وقد استخدمها أيضاً عند مغادرته مكتب الرئاسة في 1974، حيث أخذ نيكسون العلامة من الرئيس أيزنهاور، حيث كان نيكسون نائباً له.
الرياضة كانت سبباً إضافياً في انتشار علامة النصر
لم تكن الحروب والسياسيون سبباً حصرياً في انتشارها، فقد كان الأولمبياد الشتوي لعام 1972 الذي نظمته اليابان، سبباً في انتشارها بالبلد الآسيوي، وذلك عندما استخدمتها متزلجة عند سقوطها على الثلج، وهو الأمر الذي جعلها تنتشر في الثقافة اليابانية والآسيوية كإشارة للنصر.
وحتى إن تأسيس نادي النصر السعودي كان تخليداً لاسم النصر، فقد كانت بداية الفريق بشعار حرف v، إضافة إلى نادي الجزيرة الذي يعرفه أنصاره بعلامة النصر.
فلسطين تعيد إشارة النصر إلى الواجهة
ارتبطت علامة النصر بالقضية الفلسطينية بشكلٍ وثيق، فخلال العقود السابقة كانت إشارة النصر لا تفارق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان يلوّح بها في كل محطة وترحال، حتى إن صور عرفات بدون إشارة النصر لا تكاد تذكر، مقارنة مع صوره التي يرفع فيها الإشارة.
وخلال مرحلة العمل الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً من أواسط الستينيات من القرن الماضي، رفعت الشارة من أجل التعبير عن النصر الآتي، كما رفعها عرفات في الأمم المتحدة خلال إلقائه خطابه الأول بعد الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني.
كما رُفعت الإشارة من قبل المناضلين والناشطين الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم وأفكارهم السياسية أمام الكاميرات وفي كل مكان.
ولم ترمز الإشارة إلى النصر دائماً مع الفلسطينيين ورئيسهم عرفات، الذي رفعها أيضاً عند توقيع اتفاقية أوسلو بالبيت الأبيض في الصورة التي جمعته بإسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي كان فيها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يقف بينهما.
وخلال الانتفاضة الثانية، عادت شارة النصر لتلعب دورها الأساسي في التعبير عن النصر الآتي والمقاومة المستمرة، ومنذ ذلك الوقت أرقت العلامة الاحتلال الإسرائيلي الذي حارب الإشارة واعتقل من يرفعها.
وخلال الحرب الحالية، قامت قوات الاحتلال باعتقال الفتى المقدسي محمد وائل مِزعرو (16 عاماً ونصف)، بتهمة رفع شارة النصر بإصبعيه، كما قامت بالتضييق ومنع الأسرى الفلسطينيين من الأطفال والنساء المفرج عنهم في إطار صفقة الأسرى الأولى التي وقّعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتهديدهم بإعادة اعتقالهم إذا رفعوا الإشارة بعد إطلاق سراحهم.
وفي مشهد مؤثر، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بمقطع فيديو بطولي يُظهر شاباً فلسطينياً يرفع علامة النصر لحظة خروجه من تحت أنقاض منزل استهدفه الاحتلال الإسرائيلي بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، في مشهد يؤكد صمود وثبات الشعب الفلسطيني رغم حرب الإبادة التي يواجهها، فكانت إشارة النصر أكبر تعبيرٍ عن شعور الفلسطينيين أمام همجية ووحشية الاحتلال.