في عام 2017، بدأ العالم يعرف شاباً فرنسياً يتمتع بمواصفات مشابهة تماماً لمواصفات النجم الفرنسي تييري هنري؛ هذا الشاب كان كيليان مبابي وفريقه موناكو.
مبابي حينها، كان يُقدم الكثير من اللحظات الاستثنائية، مقارنة بشاب في عمره، وفي مواجهات صعبة عليه مثل مواجهة موناكو ومانشستر سيتي، ثم موناكو وبروسيا دورتموند، وبعد ذلك الخروج على يد نادي يوفنتوس الإيطالي.
حينها، ضجت مواقع التواصل والصفحات المهتمة بلعبة كرة القدم، بقصة هذا الشاب الصغير، الذي كان مُتيماً بنجوم وأساطير ريال مدريد، وكان يلصق صورهم في غرفته حين كان يافعاً.
لكن، وفي خطوة مفاجئة تماماً، قرر كيليان مبابي أن ينتقل إلى الغريم الأقوى في فرنسا؛ باريس سان جيرمان، ويتجه بذلك إلى ترك ناديه موناكو، ويضع خلف ظهره حب جماهير موناكو له، ويذهب نحو تجربة في نادٍ يصل إليه في نفس العام نيمار من برشلونة!
موهبة كيليان مبابي كانت استثنائية طوال الوقت، لم يكن كيليان مبابي أبداً إلا متنافس على الزعامة في كل مراحله مع نادي باريس سان جيرمان، سواء كان يتنافس مع الأوروغوياني إدينسون كافاني، أو البرازيلي نيمار دا سيلفا، أو حتى حين وصل الأرجنتيني ليونيل ميسي إلى صفوف الفريق فيما بعد.
فرض كيليان مبابي نفسه بقوة، وأصبح من الصعب إزاحته عن خط هجوم الفريق، رغم أنه كان الأصغر سناً طوال الوقت، وربما كانت موهبته هي التي أجبرت إدارة باريس على الحفاظ عليه مهما طلب، وحتى وإن كان عليها أن تُضحي بأي من النجمين: ليونيل ميسي ونيمار دا سيلفا، أو كلاهما معاً!
حصل كيليان مبابي على مزايا لم يحصل عليها غيره، في ملعب يوجد فيه نيمار، ثم نيمار وميسي معاً؛ يُنفذ ركلات الجزاء، يتمتع بالقدرة على اتخاذ القرار دون الخوف من ردات الفعل على أنانيته، يتعامل كأنه النجم الأول للفريق، ويحصد الجوائز والإنجازات الفردية في وجودهما.
أصبح باريس هو المكان الذي يحكمه كيليان مبابي فعلاً، ميسي ونيمار لم يكونا إلا مجرد ضيفين فيه، غادرا وسيغادر كيليان مبابي، لكن الإدارة الباريسية منحت الفرنسي حقوقاً أبلغ مما منحتها للثنائي المذكور، رغم قيمتهما الكبيرة.
للكاتب الأروغوياني إدواردو غاليانو كلمات خالدة في وصف الأسطورة الأرجنتيني ليونيل ميسي، قال فيها: “مشكلة ميسي أنه لا يعرف أنه ميسي” في كناية عن تواضع الرجل الأرجنتيني.
لكن على الجهة المقابلة، أعتقد أن كيليان مبابي كان يعرف أنه سيكون كيليان مبابي، ورسم هذا الطريق لنفسه منذ أول صورة تم التقاطها له في بطولة دوري أبطال أوروبا أو أية مسابقة رسمية أخرى.
كل الظروف وضعت كيليان في القمة، بداية من انتقاله المفاجئ لنادي باريس سان جيرمان برقم فلكي حينها، مروراً بمستواه الرائع في بطولة كأس العالم روسيا 2018، وجلب النجمة الثانية تاريخياً لمنتخب بلاده.
الأصغر سناً، لكنه يتمتع بشيء يفوق عُمره؛ إنه لا يخاف، لا يخاف أية مواجهة ولا أي فريق، يلعب كل مباراة كأنها بنفس النسق والقوة مهما كان اسم الخصم، وهذا الأمر ما يُميزه عن أقران جيله كلهم.
ما يجعل كيليان مبابي مميزاً عن البقية؛ أنه فهم من اللحظة الأولى مقدار موهبته وقدرها، وبدأ يُساوم ناديه الباريسي بشتى الطرق ليحصل على كل المنافع الممكنة من وراء ذلك.
المنافع الخاصة بقيادة الفريق، وأن يُصبح في النهاية هو النجم الأول والأوحد في الفريق مهما جلبوا من نجوم، ثم أن يختار متى وكيف سيُجدد عقده، ومتى وكيف سيُغادر إذا أراد.
ضغطت والدته على إدارة النادي طوال الوقت، وانتشرت إشاعات كثيرة خاصة باقترابه في العديد من المرات بنادي ريال مدريد، لكن في كل مرة كان الأمر يستمر حتى اللحظات الأخيرة في كل سوق، صيفي أو شتوي.
ثم يُجدد كيليان مبابي عقده مع باريس سان جيرمان، أو يتحدث عن الاستمرارية، وهو مسلسل اعتدنا عليه في السنوات الأخيرة، لدرجة جعلتنا نتوقع نهايته في كل حلقة.
وسواء كان الأمر منذ سنتين، أو الآن، أو حتى بعد سنتين؛ فإن كيليان مبابي كان سيخرج من نادي باريس سان جيرمان لا محالة، والسبب الرئيسي في ذلك هو رغبته الشديدة في البحث عن تجارب يُثبت لنفسه قبل الآخرين إمكانية نجاحه خلالها!
لكن الفكرة الحالية: إلى أين يذهب كيليان مبابي؟!
هذا السؤال، بكل تأكيد يُقربه أكثر من ريال مدريد، النادي الأكثر سعياً لضمه والأكثر بحثاً عنه، والنادي الذي يُحبه كيليان مبابي منذ طفولته، وهو أقرب الأندية في الوقت الراهن للظفر به من كل النواحي، المادية منها قبل أي اعتبار آخر.
سيصل كيليان مبابي إلى ريال مدريد، وهو النجم الأول لمنتخب بلاده، وازدادت قيمته كما ازداد سعره؛ بسبب المستوى الكبير الذي قدمه في آخر بطولتين لكأس العالم، وهُما البطولتان اللتان لعبهما لأول مرة في مسيرته التي من المفترض أنها لم تبدأ بعد، وسجل فيهما مقدار ما سجله أساطير كُثر وأكثر حتى من بعضهم في بطولة بحجم وقيمة كأس العالم.
سينجح كيليان مبابي في أي مكان يذهب إليه؛ هذه حقيقة لا شك فيها، سواء استمر مع باريس سان جيرمان لمدة إضافية، أو خرج نحو ريال مدريد أو برشلونة أو تجربة إنجليزية، وسيحصد الجوائز ويُسجل الأهداف، وسيكون النجم الأول في أي فريق بسبب اسمه الكبيرة من الناحية الفنية والتسويقية معاً.
لكن من الواضح أن وصول مبابي لن يكون سهلاً إلى ريال مدريد؛ ففي ريال مدريد ليست الأوضاع كما هي في باريس سان جيرمان، حيث سيذهب كيليان مبابي إلى فريق حقق بطولة دوري أبطال أوروبا في السنوات الماضية بدونه، وبعناصر ليست بنفس الموهبة التي عليها مبابي.
ريال مدريد، الذي يُريد رئيسه الإسباني فلورنتينو بيريز إعادة اكتشاف فكرة فريق الأساطير؛ الفريق الذي يضم من كل قرية ساحراً، لن يستعصى عليه أن يتفاوض مئات المرات للظفر بالموهبة الأفضل في العالم، واللاعب الذي يُتوقع له أن يحصد جائزة الكرة الذهبية في الفترة المقبلة.
في ريال مدريد، لن يكون كيليان مبابي النجم الأوحد، يوجد في مركزه البرازيلي فينسيوس جونيور، وفي المقدمة يلمع بشدة جود بيلنجهام، بالإضافة إلى البرازيلي رودريجو جوياس، كتيبة من العناصر التي أنجزت أشياء ربما لم تحتج فيها الحاجة الماسة إلى كيليان مبابي؛ مما يجعل ريال مدريد قد يستغنى عن مبابي وفكرة التعاقد معه متى أراد ذلك.
في ريال مدريد، قد يكون وصول مبابي ممهداً في البداية، لكن مع الوقت، لن يرضخ ريال مدريد لفكرة المماطلة التي ماطلها مبابي لإدارة ناديه في باريس، ولن يقبل الفريق ورئيسه بالتفاوض السخيف في كل سوق على فكرة الخروج أو زيادة في العقد.
من الواضح أن كيليان مبابي لن يكون إلا لاعباً يأبى أن يعيش في دور الوصافة، وسيرغب في فرض سيطرته واسمه على أي فريق يدخله، وهو أمر يحتاج منه إلى التدقيق في تاريخ نادي ريال مدريد.
النادي الذي لم يُمانع في التخلي عن البرتغالي كريستيانو رونالدو، رغم تحقيقه 4 ألقاب لدوري أبطال أوروبا مع الفريق، ولم يُوافق على زيادة راتب سيرخيو راموس حين أراد ذلك، وهو القائد التاريخي للنادي وصاحب أبرز الأمجاد فيه.
مبابي لن يكون أعلى شاناً من هؤلاء، من قبل أن يصل إلى ريال مدريد وحتى بعد أن يصله إذا حدث له ذلك؛ فالرئيس فلورنتينو بيريز يُحب هذه الصفقات التي تؤرشف في السجلات باسمه، وبأنه صنع لريال مدريد حقبة لا تُمحى من العناصر التي يكفي مشاهدة صورها للاندهاش من جودتها، حتى وإن لم تكن النتائج في الوقت نفسه مثالية لهذا الحد.
وبالتالي، قد يكون هذا الكبرياء المُبالغ فيه بين مبابي؛ النجم الذي يبحث عن السلطة والقوة في كل مكان، ونادي ريال مدريد، الذي لا يرضخ لأي لاعب، حتى وإن طاف خلفه للتفاوض، هو السبيل لفكرة استثنائية وغريبة بالنسبة لكيليان نفسه!
اللاعب الذي قد يبحث عن نادٍ يذهب إليه فيخترع حقبة جديدة معه، قد تكون فكرة كيليان مبابي في الوقت الراهن أن يذهب إلى فريق يُدون في سجلاته أن الموهبة الفرنسية قد أعادته إلى الألقاب والإنجازات، قد تكون فكرة كيليان مبابي هي المال بكل تأكيد، لكنه سيبحث عن مكان يُوفر له فرصة حقيقية ليقف الند بالند مع النرويجي إيرلينج هالاند، الذي سبقه لنفس المصير بعد أن أكدت كل المصادر اقترابه من ريال مدريد، ثم فاجأ الجميع بالذهاب لفريق مانشستر سيتي، وأصبح وحشاً لا يمكن إيقافه.
من بين كل الفرق التي قد يذهب كيليان مبابي؛ هو فريق ليفربول الإنجليزي، الذي يعيش مرحلة إعادة بناء جديدة، بعد أن استطاع الفريق أن يكون موجوداً على قمة الدوري بعد غياب 30 عاماً، وحقق لقب بطولة دوري أبطال أوروبا بعد غياب 14 عاماً عنها.
اللاعب الذي ينال كل هذه الامتيازات في فريق يوجد فيه نيمار وميسي، بكل تأكيد يعرف أنه يستطيع فرض زمامه على أي مكان آخر، لكن لن يرضخ الجميع لمثل ما فعل مبابي في باريس.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]