يثير الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسودان مخاوف من أن يكون ذلك مقدمة لتعقيد الصراع في الدولة العربية، فكيف قد تؤثر عودة طهران على الأبعاد الإقليمية والدولية في تلك الساحة المشتعلة؟
منصة أسباب المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي ألقت الضوء على ما تعنيه عودة العلاقات الإيرانية السودانية في هذا التوقيت ومدى تأثير تلك العودة على الحرب الأهلية في البلاد والأبعاد الإقليمية والدولية لتلك الحرب.
استئناف العلاقات بين إيران والسودان
أكد وزيرا خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره السوداني، علي الصادق علي، في طهران، على إعادة فتح السفارتين الإيرانية والسودانية واستئناف المهام الدبلوماسية لسفيري البلدين، في سياق جهود توسيع العلاقات الثنائية.
وشدد عبد اللهيان على ضرورة توسيع العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون، مشيراً إلى التجارب والطاقات الإيرانية المتاحة لتطوير السودان. فيما عبر الصادق علي عن رغبة الخرطوم في استئناف العلاقات وتعزيز التعاون.
عودة إيران إلى السودان؟
في أبريل/نيسان 2016، قطع السودان العلاقات مع إيران، ضمن مناورة إقليمية قام بها الرئيس السوداني وقتها عمر البشير لإعادة التموضع بينما كان المحور السعودي الإماراتي في ذروة اندفاعه الإقليمي، وهي مناورة تضمنت أيضاً تعزيز العلاقات مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وعقب عزل عمر البشير، واصل قادة الجيش السوداني نفس النهج الإقليمي، بل وبدأوا مسار التطبيع مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020. والآن، تأتي عودة العلاقات السـودانية الإيرانية بعد نحو 8 أشهر من اندلاع المعارك بين الجيش السـوداني وقوات الدعـم السريع في أبريل/نيسان 2023، والتي تسببت في تدهور علاقات الإمارات مع قادة الجيش على خلفية دعم أبوظبي الواسع لقوات الدعم السريع.
إذ كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
إيران ودعم الجيش السوداني
ومع تراجع سيطرة الجيش السـوداني ميدانياً في العديد من المدن السـودانية لحساب الدعـم السريع، بما في ذلك أجزاء من العاصمة الخرطوم، عملت إيران على استثمار هذا التراجع بتلبية الاحتياجات العسكرية للجيش، حيث زودت الجيش السـوداني بشحنات من الأسلحة وطائرات بدون طيار إيرانية من طراز “مهاجر 6”.
وقد ظهرت طائرة بدون طيار واحدة على الأقل وبرج راديو مرتبط بها في قاعدة وادي سيدنا الجوية الواقعة شمال العاصمة السودانية الخرطوم. ولا شك أن الدعم العسكري الإيراني، إذا تواصل، سيمثل تغيراً مهماً قد يؤثر على مستقبل الحرب وفرص الجيش الميدانية.
إذ تلعب قاعدة وادي سيدنا الجوية الدور الأبرز في هجمات الجيش على قوات الدعم السريع، وخاصة معسكرات القوات داخل الخرطوم الكبرى (نحو 11 معسكراً)، ونقاط تمركزها بالمحاور الاستراتيجية وبالأخص رؤوس الجسور، التي تربط مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، خرطوم بحري، أم درمان).
فقاعدة وادي سيدنا الجوية، التي تقع شمالي أم درمان، على بعد 22 كلم من مركز العاصمة السودانية الخرطوم، تضم مطاراً مدنياً، وبالمحاذاة منها تقع الكلية الحربية بمعاهدها المتخصصة مثل المشاة والمظليين، وأيضاً “مجمع الصافات للتصنيع العسكري”، المتخصص في الصيانة والصناعة والتطوير والتحديث لمختلف أشكال الطائرات المدنية والعسكرية.
ما تداعيات الوجود الإيراني في السودان؟
يثير تدفق المعدات العسكرية الإيرانية إلى السـودان العديد من الاحتمالات في ظل تنامي الصراع الإقليمي بين وكلاء إيران في المنطقة ضد إسرائيل، وتعزيز الحضور الأمريكي العسكري بالمنطقة، بما في ذلك في البحر الأحمر، خاصة بعد استهداف جماعة الحوثي باليمن إسرائيل والسفن المتوجهة لها في مضيق باب المندب.
ولا شك أن التأسيس لنفوذ عسكري إيراني في السـودان يوسع مجال النفوذ الإيراني إلى سواحل البحر الأحمر، وقد يفتح موضع قدم لها بالموانئ السـودانية على الممر التجاري بالغ الأهمية لكل من مصر، والسعودية، والأردن، وإسرائيل، فضلا عن تحقق هدف إيران القديم المتمثل في الحصول على موطئ قدم دائم على سواحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
كما تمثل عودة العلاقات مع السودان فرصة لإيران لاستعادة علاقتها مع دول الاتحاد الأفريقي بعد أن مارست كل من السعودية ومصر والسودان والمغرب ونيجيريا ضغوطاً على دول الاتحاد الأفريقي لقطع العلاقات مع إيران عقب اقتحام السفارة السعودية بطهران. وتسعى إيران إلى التوسع في أفريقيا ضمن استراتيجية تهدف إلى كسر العزلة الدولية وتوسيع تجارتها وعلاقاتها الأمنية.
وتعطي عودة العلاقات الإيرانية السـودانية، عقب تلقي الجيش دعماً مماثلاً من تركيا، مؤشراً هاماً على أن الدول الإقليمية، خاصة السعودية ومصر، لم تقدم الدعم اللازم للجيش السوداني في حربه مع قوات الدعم السريع، في المقابل تحصل قوات الدعـم السريع على دعم كبير من قبل الإمارات وقواعد دعم لوجيستي في تشاد، بجانب قتال مجموعات من فاغنر بجانب قوات الدعـم السريع. لذلك عمل السـودان على توسيع علاقاته لتلبية احتياجاته العسكرية.
ماذا يعني ذلك لموقف مصر؟
وبينما يغلب على موقف السعودية التردد أو الرغبة في التوازن بين طرفي الصراع والاحتفاظ بموقف الوسيط الرئيسي، فإن القاهرة أظهرت مجدداً تواضع قدرتها على إسقاط القوة خارج أراضيها رغم الحساسية الاستراتيجية لدى مصر إزاء السودان.
ومن المحتمل أن ينتج عن تزايد الدعم العسكري الإيراني للجيش السـوداني تحول الصراع في السودان لحرب جديدة بالوكالة بين إيران والإمارات، فضلاً عن تأثير ذلك على موقف كل من مصر والسعودية، اللتين لا ترغبان في جلب المزيد من النفوذ الإيراني في البحر الأحمر.
وتمثل استعانة الجيش السـودان بالدعم العسكري الإيراني إنذاراً ليس فقط للقاهرة التي لا ترحب بأي نفوذ منافس في السـودان، ولكنّه أيضاً سيثير امتعاضاً غربياً وإسرائيلياً، رغم تأكيد وزير الخارجية السـوداني بأن عودة العلاقات مع إيران ليست موجهة ضد أي دولة أخرى.
وبينما تمارس واشنطن ضغوطاً على قادة الجيش في السودان من أجل عدم المضي قدماً في اتفاق استراتيجي مع روسيا يسمح لموسكو بالتواجد العسكري في موانئ السودان، وإن احتمالات تواجد نفوذ إيراني سيكون له نفس الحساسية؛ لأنه قد يفتح المجال لتوسع تقديم إيران الدعم لجماعة الحوثي في اليمن، وحركات المقاومة في فلسطين، فضلاً عن التهديد الاستراتيجي لأمن الملاحة المرتبط بدولة الاحتلال.