يبدو أن نظام كوريا الشمالية بقيادة كيم جونغ أون صار خصماً أكثر قوة وقدرة على التهديد؛ إذ إن قدرة كوريا الشمالية على إطلاق العنان لنوع من الهجوم النووي العالمي لم يبدُ قط بهذا القدر الكبير من المصداقية، ولا بهذا القدر الكبير من التصور الخاطئ، ولا بهذا القدر الكبير من مقاومة الردع، كما تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
كيف تتضخم قوة كوريا الشمالية وقدرتها على التهديد؟
طور كيم جونغ أون أسلحة جديدة خلال الأعوام الخمسة الماضية، صُممت من أجل الحروب الإقليمية، وشوهد استخدامها مؤخراً عن طريق الجنود الروس خلال قتالهم في أوكرانيا. في يناير/كانون الثاني، تخلى الزعيم الكوري الشمالي عن آمال الاتحاد مع كوريا الجنوبية، وتبنى أهدافاً قتالية بدرجة أكبر.
وقد فقد الأمل في المحادثات مع الولايات المتحدة، بعد أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، وتودده المستمر نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يزور بيونغ يانغ في زيارة قريبة مرتقبة، رفع هامة بلاده في الأجندة العالمية أكثر مما كانت عليه منذ سنوات.
واستغل الزعيم الكوري الشمالي نظاماً عالمياً متصدعاً لتقوية كوريا الشمالية وتحويلها إلى دولة نووية تشكل تهديداً، وهي تعقيدات جديدة في عالم متورط بالفعل في الحروب الدائرة في أوروبا والشرق الأوسط.
توسع القدرات النووية لدى كوريا الشمالية
يلعب كيم لعبةً أطول أمداً واستراتيجيةً بدرجة أكبر بالترسانة النووية التي توسعت بسرعة منذ انهيار المحادثات، في فبراير/شباط، في قمة 2019، مع الرئيس السابق دونالد ترامب، في هانوي. وقد أضفى ذلك مزيداً من الغموض والقلق على عملية التنبؤ بخطواته القادمة.
يقول الخبراء إن الطريقة التي تبدو بها أقدام كيم أشد رسوخاً تعد مثيرة للقلق على نحو خاص، رغم انتشار شح الغذاء، ووجود إدارة كورية جنوبية أشد صدامية، ودولة أمريكية تناوب إرسال الأصول النووية إلى المنطقة في أحيان كثيرة.
على مدى عقود سابقة فسر المسؤولون في معظم الأحيان تحركات بيونغ يانغ عبر عدسة “قواعد لعبة قائمة على الاستفزاز”، راسخة لدى هذا النظام، حيث ساعدت اختبارات الأسلحة واللغة العدوانية في دفع الحاجة الملحة بجميع أنحاء العالم لعقد محادثات مع النظام الكوري الشمالي. واستخدم كيم وأسلافه جذب الانتباه بهذه الطريقة للارتقاء بالمكانة العالمية لبلادهم، والحصول على مساعدات أو تخفيف العقوبات عن طريق قطع الوعود بإيقاف نشاط الأسلحة، الذي يمضي قدماً سراً في معظم الأحيان، لكن كيم تخلى عن ذلك التقليد.
يطور كيم الآن أسلحته النووية مع هدفٍ ينصب على الاحتفاظ بها بدلاً من المقايضة بها، حتى إذا كان ذلك يعني التعرض لعقوبات. كذلك يعيد الزعيم الكوري الشمالي الربط بين الديناميكيات داخل نظامه لمشاركة السلطة وخلق حكومة طبيعية بدرجة أكبر، وضبط علاقاته مع الحلفاء عن طريق زيادة الاعتماد على روسيا، وذلك حسبما قال كين جوس، الخبير في شؤون القيادة الكورية الشمالية، الذي كان مستشاراً للحكومة الأمريكية.
قال جوس إنه من الصعب رؤية هذا التحول المشهود في تكتيكات بيونغ يانغ، بالنظر إلى طبيعتها الانعزالية، وعلاقتها العدائية مع واشنطن. وأوضح: “كيم جونغ أون يعتمد على نفسه في هذه المرحلة، المشكلة أن كثيراً من الناس لا يستطيعون أن يروا أن كوريا الشمالية تتغير”.
التخلي عن لمّ الشمل والاستعداد الضخم للحرب
برزت إشارةٌ واضحةٌ دالةٌ على استعراض كيم في الشهر الماضي، عندما تخلى عن عقيدة تأسيسية لأسلافه. أعلن كيم في خطبة محمومة أن بلاده لن تسعى بعد الآن وراء التوحيد السلمي مع سيول. وبدلاً من ذلك ينبغي أن تُصنف كوريا الجنوبية العدو الرئيسي للبلاد، وأمر بلاده بالاستعداد للحرب.
قال الزعيم الكوري الشمالي: “بمجرد أن تصبح الحرب حقيقة نواجهها فلن نحاول تجنبها قط”. وقد أثارت ماهية معنى الحرب أو الصراع في أعين كيم قلقاً متزايداً من جانب المسؤولين في واشنطن وسيول.
قالت كويون تشونغ، المستشارة السياسية لدى البحرية ووزارة الخارجية ووزارة التوحيد في كوريا الجنوبية، إن بيونغ يانغ حشدت تطورات خطيرة على صعيد الأسلحة في السنوات الخمس الماضية، أكثر مما أُحرز في أي مدة مماثلة على مدى تاريخ البلاد.
ما احتمالات غزو كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية؟
لكن وقوع احتمالية شن كوريا الشمالية غزواً شاملاً ضد كوريا الجنوبية تبدو غير مرجحة، حتى إن كيم نفسه استبعدها في خطابه السياسي. كذلك قللت كوريا الشمالية احتياطاتها من الأسلحة مؤخراً بحسب تقديرات أمريكية، حيث أرسلت الذخيرة التي لديها والصواريخ قصيرة المدى إلى روسيا من أجل القتال ضد أوكرانيا، وذلك حسبما يقول المسؤولون الكوريون الجنوبيون والأمريكيون. كذلك شوهد خلال الأسابيع الأخيرة الجنود الكوريون الشماليون يعيدون زرع الألغام في المنطقة منزوعة السلاح، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة، وهي خطوة قد تبدو غريبة إذا كانت هناك نوايا لشن هجوم بري.
لكن المسؤولين في واشنطن وسيول يقولون إنهم لا يزالون قلقين من احتمالية حدوث مناوشات ذات نطاق محدود بين الكوريتين، بما في ذلك تسلل الطائرات المسيرة أو التوغلات البحرية، لا سيما في البحر الأصفر أو عند المناطق الحدودية الغربية.
قال سيدني سيلر، المبعوث الأمريكي السابق للمحادثات السداسية مع كوريا الشمالية في 2014 و2015، إن تراجع دعم الأمريكيين للحرب في أوكرانيا وجهود إسرائيل في غزة ربما أعطت كيم انطباعاً بأن الولايات المتحدة مفرطة التوسع ومنهكة. وأوضح أن كيم ربما يحمل آمالاً بأن التهديد بالأسلحة النووية -أو حتى الاستخدام المحدود لها- ضد كوريا الجنوبية، قد يؤدي إلى تزايد الضغط الدولي بسرعة لنزع فتيل التصعيد والتخلي عن العقاب والسماح لكوريا الشمالية بالحصول على مكاسب مالية من أجل السلام.
أضاف سيلر، الذي كان أيضاً ضابط المخابرات الأمريكية المسؤول عن ملف كوريا الشمالية: “تتحقق أحلام كوريا الشمالية. قد يأتي كيم إلى طاولة المفاوضات بوصفه منتصراً”.
اعتقد مسؤولان أمريكيان سابقان أن كيم اتخذ القرار الاستراتيجي بالذهاب إلى الحرب في مقال في الشهر الماضي بموقع 38 North، وهو موقع مخصص لأخبار كوريا الشمالية. ربما استنتج كيم أن واشنطن لن تقبل قط بأن تكون بلاده دولة شرعية وتريد استئصالها، وذلك حسبما قال روبرت كارلين، المفاوض الأمريكي السابق مع كوريا الشمالية وأحد مؤلفي المقال. وأوضح أن بيونغ يانغ ربما تعتقد أن أية اتفاقية، بما في ذلك أية اتفاقية مع سيول، لن تكون دائمة في كل الأحوال.
وأضاف أن الخيارات التي لدى كيم ربما تكون قد استنفدت، وأن أهدافه تمتد الآن إلى ما هو أبعد من تخفيف العقوبات بالنظر إلى قوة الترسانة النووية التي تملكها كوريا الشمالية. وقال كارلين: “كل هجوم مفاجئ نجح بحكم التعريف. أسمع كثيراً مقولة: “لن يستخدموا الأسلحة النووية”. حسنا، ذلك هو ما يريدوننا أن نعتقده”.
عشرات الرؤوس النووية تمتلكها كوريا الشمالية الآن
وفقاً لتقييم سيغفريد هيكر، الذي شارك كارلين في كتابة المقال، فإن كوريا الشمالية ربما تملك ما بين 50 و60 رأساً نووياً. قبل خمس سنوات أشارت تقييمات هيكر وآخرين إلى أن مخزون بيونغ يانغ يصل إلى حوالي 35 رأساً نووية.
قال هيكر، الذي زار في الماضي المنشآت النووية لكوريا الشمالية بوصفه مفتشاً دولياً: “ما يقلقني بشدة أنهم استمروا في زيادة حجم وتعقيدات ترسانتهم النووية ومنصات الإطلاق”.
وبينما يصير العالم أكثر تسلحاً، فإن المخزون النووي لبيونغ يانغ والمعرفة التي يحوزونها تشكل مخاطر انتشار الأسلحة النووية مع العناصر المارقة الأخرى. وإنها زاوية يمتلكها كيم بصورة فريدة، وكانت كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي نفذت اختباراً نووياً في القرن الحالي.