يتمنى الكثير من الديمقراطيين ألا يترشح الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الخريف. إذ يرفض 38% من الديمقراطيين بشدة أن يكون بايدن مرشحهم، في مقابل 28% فقط الذين أعربوا عن حماسهم، في استطلاع جديد أجرته صحيفة The New York Times وكلية سيينا في نيويورك.
لكن على الرغم من أنَّ العديد من الديمقراطيين في واشنطن وفي جميع أنحاء البلاد يتوقون سراً إلى شخص آخر ليواجه الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يتقدم على مستوى البلاد في الاستطلاع بعدة نقاط مئوية، لكن لا يبدو أنَّ أياً من المسؤولين من فريق بايدن على استعداد لإخبار بايدن بذلك، وحتى إذا كانوا يفعلون ذلك، فلا يبدو أنه يستمع إليهم٬ كما تقول الصحيفة الأمريكية.
رسالة فريق بايدن للديمقراطيين الراغبين في مرشح بديل: تقبلوا الواقع!
لم يُعطِ بايدن، المحاط بدائرة داخلية “مخلصة ومتفانية”، أية إشارة إلى أنه سيفكر في التنحي للسماح لشخص آخر بقيادة الحزب. بل في الواقع، يشعر هو والمقربون منه بالغضب من هذه الفكرة. وبالرغم من كل مظاهر القلق هذه، ألمح مستشارو الرئيس إلى أنه لم يظهر أي منافس “جدّي”، وقد هيمن بايدن على الانتخابات التمهيدية الديمقراطية المبكرة بنتيجة أكثر حسماً مما حققه ترامب في منافسات الترشيح لحزبه.
وقال ديفيد بلوف، مهندس حملات الرئيس باراك أوباما وأحد الاستراتيجيين الذين ساهموا في اختيار بايدن لمنصب نائب الرئيس في عام 2008: “لا يوجد مجلس للحكماء، وحتى إذا كان يوجد واحدٌ فلست متأكداً من أنَّ أي رئيس حالي، بغض النظر عمّن يكون، سيستمع إليهم. ويعتقد بايدن أنه فاز وهزم الرجل الذي سيخوض الانتخابات ضده في السابق؛ لذا يعتقد أنه يمكنه فعلها مرة أخرى”.
وتقول صحيفة The New York Times الأمريكية إن أعضاء فريق بايدن يصرون على أنهم لا يشعرون إلا بالقليل من القلق حول ترشيحه. ويرد أقرب مساعدي الرئيس بغضب على أولئك الذين يشككون في قراره بالترشح مرة أخرى ويرفضون نتائج استطلاعات الرأي معتبرين أنَّه لا معنى لإجرائها قبل التصويت بفترة طويلة. ويجادلون بأنَّ المُشكَّكين يقللون باستمرار من شأن بايدن وأنَّ الديمقراطيين فازوا أو تفوقوا على التوقعات في أعوام 2018 و2020 و2022 و2023 وحتى في الانتخابات الخاصة لمجلس النواب هذا العام.
وقال مايكل تايلر، مدير اتصالات حملة بايدن الانتخابية، يوم السبت 2 مارس/آذار: “نتجاهل الضجيج وتدير حملة قوية للفوز، تماماً كما فعلنا في عام 2020”.
القواعد الشعبية للديمقراطيين تبدو ساخطة على ترشيح بايدن مجدداً
لكن خارج البيت الأبيض، يرغب العديد من الديمقراطيين وقواعدهم الشعبية في أن تظهر إدارة بايدن التي لا تعاني من الذعر بمظهر أكثر جدية. فقد أدى ضعف بايدن في استطلاعات الرأي، وخاصة تلك التي تظهر تأخره في كل الولايات المتأرجحة الستة اللازمة لتجميع أغلبية في المجمع الانتخابي، إلى إثارة قلق واسع النطاق داخل الحزب.
ويقول البعض سراً إنَّ جورجيا وأريزونا قد تكونان بعيدتين المنال عن الديمقراطيين؛ مما يتطلب من بايدن تحقيق فوز كاسح في ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا٬ وهي مهمة صعبة أيضاً خصيصاً بعد الحرب على غزة.
ولا يرجع هذا السخط بالضرورة إلى ما حققته رئاسة بايدن. لكن دعمه تقلص بسبب القلق بشأن عمره ووضعه الصحي، ودعمه للحرب الإسرائيلية على غزة، والتدفق القياسي للمهاجرين على الحدود الجنوبية الغربية، والآثار المتبقية للتضخم على الرغم من تراجعه. وقد صوَّت أكثر من 100 ألف ديمقراطي في ميشيغان، أو 13% من المجموع، بالكلمة الاحتجاجية “غير ملتزم” للتعبير عن استيائهم، وعلى الأخص بشأن الحرب على غزة.
وقالت إيلين كامارك، مديرة مركز الإدارة العامة الفعالة في معهد بروكينغز وعضو اللجنة الوطنية الديمقراطية: “هل أفضل أن يكون جو بايدن في الـ65 من العمر وليس 81؟ بالتأكيد، فسيكون ذلك رائعاً. لكن هذا ليس الواقع؛ ولهذا السبب أعتقد أننا في وقت سخيف حيث يبحث الجميع عن سيناريو بديل”.
هل يوجد بديل لبايدن لدى الديمقراطيين؟
لكن لا تزال سيناريوهات المرشح البديل بعيدة المنال. ولم يحظَ المنافس ضعيف الحظوظ، النائب دين فيليبس من ولاية مينيسوتا، بأي اهتمام، ومع حلول يوم الثلاثاء الكبير هذا الأسبوع، فمن المؤكد أنَّ الأوان قد فات بالنسبة لمرشح أكثر ثقلاً للقفز إلى المنافسة حتى لو كان أي منهم على استعداد لمواجهة الرئيس. وهو ما لا يبدو أنَّ أحداً مستعد لفعله.
وتركز الكثير من المحادثات على مائدة العشاء في واشنطن هذه الأيام على ما يمكن أن يحدث إذا غير بايدن رأيه في اللحظة الأخيرة، كما فعل الرئيس ليندون جونسون في عام 1968، أو تعرض لوضع صحي دفعه إلى ترك الانتخابات. وإذا حدث ذلك قبل انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس/آب، فإنه سيمهد الطريق لأول منافسة مفتوحة في المؤتمر منذ عقود.
ومع ذلك، فإنَّ كل الحديث يدور حول أنَّ بايدن يساعده حقيقةً أنه لا أحد من الجيل القادم من الديمقراطيين الموجودين على المقاعد الاحتياطية، مثل نائبة الرئيس كامالا هاريس أو المحافظين جافين نيوسوم من كاليفورنيا أو غريتشن ويتمر من ميشيغان، لديه قاعدة وطنية قوية أو سجل نجاح في الانتخابات التمهيدية.
وقالت كامارك، وهي واحدة من أبرز الخبراء في البلاد في عملية الانتخابات الأمريكية: “يمكنك تسمية خمسة أو ستة بدائل لبايدن، لكنهم لم يمروا عبر عملية الترشيح. هذا جنون… وليس هناك بديل”.
الديمقراطيون يعّولون على عداء ترامب
تقول صحيفة نيويورك تايم٬ إنَّ اقتراح وجود شخص ما من خارج عائلة بايدن يستطيع إقناعه بالتنحي مجرد فكرة خيالية. إذ هناك عدد قليل من الديمقراطيين الذين يتمتعون بالثقل لدى بايدن. ولا يزال يشعر بالألم لأنَّ أوباما دفعه بلطف إلى عدم الترشح في عام 2016، مستسلماً لهيلاري كلينتون، التي خسرت أمام ترامب في الخريف.
وبايدن كبير بما يكفي لعدم وجود مرشدين له متبقين على قيد الحياة ولا يتبقَّ سوى عدد قليل من أقرانه منذ أيام عضويته في مجلس الشيوخ. وتدعم زوجته جيل بايدن وأفراد الأسرة الآخرون بقوة خوضَه هذه الجولة النهائية٬ رغم الشكوك حول وضعه الصحي.
وقال ديفيد بلوف، مهندس حملات الرئيس باراك أوباما: “لا يوجد سوى شخصين يستطيعان منع جو بايدن من الترشح؛ جو بايدن نفسه أو شخص قد يمثل تحدياً جدياً. وبغض النظر عن مدى جاذبية فكرة وجود مرشح ديمقراطي شاب، لكن لا شيء مؤكد حتى يترشح شخص ما ويفوز بالفعل. وأضاف: “المقبرة السياسية مليئة بالأشخاص الذين يبدون جيدين على الورق”.
وستأتي لحظة مهمة ليثبت الرئيس نفسه مساء الخميس، 7 مارس/آذار، عندما يلقي خطابه عن حالة الاتحاد أمام أكبر جمهور تلفزيوني تاريخياً لهذا العام. وسيتحدث عن سجله وما يريد فعله خلال السنوات الأربع المقبلة. لكن الطريقة التي يقدم بها نفسه لا تقل أهمية عن أي تصريح سياسي.
ويعرب مستشارو الرئيس عن ثقتهم في أنه عندما تحين لحظة القرار، فإنَّ معظم الناخبين سيفضلون بايدن مرة أخرى، مهما كانت أخطاؤه، على ترامب، الرئيس السابق المهزوم الذي أدانه الكونغرس مرتين والذي يواجه 91 تهمة جناية، وقد ثبت أنه مسؤول في محاكمات مدنية عن عمليات احتيال كاسحة واعتداء جنسي، بخلاف الحديث الذي دار عن كونه “ديكتاتوراً”٬ كما يصفه الديمقراطيون.
وقال بلوف: “موقف معظم الديمقراطيين هو: برغم الصعوبة الشديدة للموقف الحالي، لكن في النهاية ربما يكون هناك عدد كافٍ في البلاد ممن لا يريدون ترامب مرة أخرى؛ وهذا سيجعلنا ننجح”.