بعد نحو عقد ونصف، أجرت تركيا أول رحلة تجريبية لطائرتها المقاتلة، التي تشبه المقاتلة الشبحية الأمريكية إف-22 رابتور، فما أبرز مواصفات “قآن” محلية الصنع؟
وشهدت تركيا يوم 21 فبراير/شباط 2024 انطلاق أول طائرة مقاتلة محلية الصنع في رحلتها التجريبية الأولى، وهو ما وصفته مجلة Popular Mechanics الأمريكية بأنه حدث تاريخي مثير.
تفاصيل رحلة “قآن” التجريبية
انطلقت المقاتلة التركية إلى السماء للمرة الأولى من مطار مورتيد، الذي يقع على بعد 22 ميلاً شمال العاصمة التركية أنقرة، وقاد الطائرة طيار الاختبار لدى الشركة التركية لصناعات الفضاء (TAI)، بربروس دميرباس.
وعلى مدى 13 دقيقة، طارت الطائرة التجريبية بحرص على ارتفاع 8 آلاف قدم وبسرعة أقل من 256 ميلاً في الساعة، وكانت مصحوبة بطائرة مقاتلة إف-16 دي، تابعة للقوات الجوية التركية. وبعد ذلك، عادت الطائرة “قآن” ونفذت هبوطاً بمساعدة مظلة الكبح في مطار مورتيد.
كانت تركيا، في أواخر عام 2022، قد أعطت أول نظرة للعالم على النموذج الأولي لطائرتها الشبحية، وقد بدأ برنامج تطويرها منذ عام 2010 من جانب شركة “الصناعات الجوية التركية” توساش.
وتلعب الطائرة “قآن” دوراً رئيسياً في خطط تركيا الهادفة إلى تطوير جيش بكفاية ذاتية، على الرغم من التكاليف الباهظة والتعقيدات التقنية التي تعد جوهرية في بناء الطائرات الحربية الحديثة.
مواصفات الطائرة التركية
تمتلك الطائرة التركية “قآن” ملامح عامة تشبه المقاتلة الشبحية الأمريكية إف-22 رابتور. فلدى الطائرة التركية مقدمة مصنوعة من الألومنيوم وجسم مركزي مصنوع من التيتانيوم، ويُغطى سطح الطائرة بلدائن حرارية كربونية مركبة خفيفة وعاكسة للرادار، وهي مادة كانت الشركات التركية تصنعها في الأساس من أجل طائرات إف-35.
أما على صعيد الحركيات، فإن الطائرة التركية “قآن” تستهدف أن تكون في نطاق الأداء المعياري للمقاتلات الحديثة النموذجية، إذ تبلغ السرعة القصوى لها 1.8 إلى 2.2 ماخ، ويبلغ سقف الخدمة 55 ألف قدم، وقدرة على المناورة 9 g، ومدى طيران يصل إلى 700 ميل اعتماداً على الوقود الداخلي.
كما يُتوقع أيضاً أن تتمتع بقدرات فائقة، ما يعني أنها ستكون قادرة على الطيران بطريقة مستدامة بسرعات خارقة لسرعة الصوت بدون اللجوء إلى الحارقات اللاحقة التي تستهلك كمية كبيرة من الوقود. صحيحٌ أن استخدام محركين سوف يرفع التكاليف، ولكن يُفترض أنه سيقلل الخسائر الناتجة عن تعطل المحركات.
وصممت الطائرة قآن بحجرة استطلاع بالإضافة إلى الأسلحة بعيدة المدى الموجهة بدقة، التي تتضمن صواريخ الناتو المعيارية مثل صاروخ ميتور، والتسليحات التركية محلية الصنع مثل صواريخ بوزدوغان قصيرة المدى، وصواريخ جوكدوجان جو-جو متوسطة المدى، وصواريخ سوم كروز (التي يصل مداها إلى 171 ميلاً)، وصواريخ MAM-T المضادة للدبابات.
المواصفات الشبحية المستهدفة
إضافة إلى ذلك، من المفترض أن تتضمن إلكترونيات الطيران قمرة زجاجية حديثة -معززة بطيران آلي يعمل بالذكاء الاصطناعي ويستجيب للأوامر الصوتية، كي تتمكن الطائرة من الهبوط إذا فقد الطيار وعيه- وأيضاً مقعد طرد من إنتاج شركة مارتن بيكر البريطانية (وسيكون موديل المقعد على الأرجح يو إس-16 إي).
كذلك تتعهد الشركة التركية لصناعات الفضاء بأن تضم الطائرة أجهزة استشعار مدمجة (بما في ذلك رادار مصفوفة الطور النشط المصنوع من نيتريد الغاليوم (AESA) الذي تصنعه الشركة التركية أسلسان، وهو رادار شبحي مقاوم للتشويش)، ومستشعر يعمل بالأشعة تحت الحمراء مثبت عند مقدمة الطائرة، ونظام استهداف كهروضوئي بتغطية 360 درجة أسفل جسم الطائرة، وأنظمة مهمات قتالية ببنية مفتوحة، ومنظار رؤية مثبت على الخوذة، فضلاً عن الإمكانات التي تتيح للطيار السيطرة على طائرات أنكا-3 المُسيّرة المصاحبة له.
ونظراً إلى أن الأسلحة المثبتة خارجياً تقلل من السمة الشبحية للطائرات، فإن هذه الطائرة تملك سلاحين صغيرين داخليين بجوار المحركين، ويستطيع كل سلاح منهما إطلاق صاروخين جو-جو قصيري المدى. لكن الإعدادات المتعلقة بالجزء الرئيسي أسفل جسم الطائرة تتسع لما يصل إلى 4 صواريخ جو-جو ذات مدى أطول، أو أسلحة جو-أرض يقال إنها استغرقت وقتاً أطول لإضفاء اللمسات الأخيرة عليها، مع أن هناك صورة منتشرة تشير إلى أن ذلك الجانب ربما جرى التوصل إلى حل له.
ثمة جانب أكثر إشكالية يتمثل في أن المحركات التوربينية الأمريكية جنرال إلكتريك إف110-جي إي-129 الخاصة بهذا النموذج التجريبي (التي تستخدم أيضاً في المقاتلات إف 16) ليست الأمثل من أجل سمة التخفي التي تتسم بها الطائرات الشبحية.
فكلما قل المقطع العرضي للرادار (RCS) الخاص بالطائرة المقاتلة من خلال تصميمها الهندسي والمواد الماصّة للرادار المستخدمة في بنائها، زادت قدرتها على الاقتراب بأمان من مقاتلي العدو ودفاعاته الجوية وتجاوزهم أو الانقضاض عليهم بالهجوم قبل أن يردوا. وتجدر الإشارة إلى أن مدى خفض المقطع العرضي للرادار، الذي ينطبق على جانب الطائرة المقاتلة ومؤخرتها (وليس فقط مقدمتها)، هو ما يحدد إلى أي مدى تستطيع اختراق المجال الجوي للعدو.
متى تدخل “قآن” الخدمة الفعلية؟
في واقع الأمر، لا تزال أمام طائرات قآن رحلة طويلة تنتظرها؛ إذ إن النماذج التجريبية الحالية تفتقر إلى أنظمة المهام. ويُفترض أن النموذجين التجريبيين اللاحقين، اللذين من المخطط إطلاقهما في 2025 و 2026، سوف يحتويان على الكثير. بعد إنتاج ما بين 7 و 10 نماذج تجريبية في المجمل، فإن تسليم الدفعة الأولى من أجل استخدامها عسكرياً من المنتظر أن يكون بين عامي 2030 و 2033. وحينها فقط يبدأ عقدٌ زمنيٌ من الإنتاج الضخم (بمعدل 24 طائرة سنوياً)، من أجل أن تحل محل الأسطول التركي من طائرات إف-16 تدريجياً، كي تصل إلى هدفها في سبعينات القرن الحالي.
وإذا لم تنجح تركيا في الحصول على طلبات لتصدير الطائرة من أجل توسيع إجمالي أوامر الإنتاج وتقليل تكاليف بناء الطائرات، فإن كل طائرة من طائرات قآن ستتجاوز تكلفتها على الأرجح 100 مليون دولار للطائرة الواحدة، أي بتكلفة أكثر من تكلفة شراء طائرات إف-35 المقاتلة الشبحية، التي تملك على الأرجح سمات تخفٍ متفوقة.
وكانت لدى تركيا خطط لشراء طائرات F-35 للعمل جنباً إلى جنب مع مقاتلاتها المحلية، ولكن بعد فشل هذه الخطط، أثيرت أيضاً مخاوف بشأن قدرة البلاد في الحصول على محركات من الجيل الخامس أمريكية الصنع. وبشكل عام، تأمل تركيا في أن تكون هذا المقاتلة في الخدمة بحلول عام 2028.
لكن ذلك لا يعني أن الطائرة قآن لن تكون أفضل من ناحية تصميمها لتتلاءم مع متطلبات تركية محددة، بما في ذلك الأداء الأفضل المحتمل للمهام القتالية جو-جو التي تكون في نطاق المدى البصري، وكذلك اندماجها مع النظام البيئي التسليحي التركي الآخذ في النمو، والمكون من أسلحة ومستشعرات وطائرات مسيرة وشبكات لإدارة المعارك وجميعها محلية الصنع، بحسب المجلة الأمريكية.
وتماماً مثلما تخطط كوريا الجنوبية لتحديث طائراتها القتالية المماثلة كيه أيه أي كيه أف-أكس، فإن تركيا أيضاً تأمل أن تستخدم في نهاية المطاف طائرات قآن لتكون الأساس لطائرة شبحية بسمات مثالية بدرجة أكبر، على أن تكون ذات قدرات معززة بالذكاء الاصطناعي. وتجدر الإشارة إلى أن أذربيجان وأوكرانيا (وكلا البلدين من العملاء الراسخين للمسيرات القتالية التركية)، بالإضافة إلى باكستان وإندونيسيا والإمارات، يشار إليهم بوصفهم مشترين مستقبليين محتملين.
لكن الأهم، في الوقت الذي يشهد توتر العلاقات بين تركيا من جانب والولايات المتحدة وألمانيا من جانب آخر، فإن الطائرة قآن تفرض استيعاب الأهمية الإضافية لمنح تركيا خيار بناء طائراتها بغض النظر عن علاقاتها مع البلاد الغربية.