قبل الحديث عن دور الأدوية المضادة للاكتئاب، يجب الإشارة إلى أن الصداع النصفي يُعتبر أحد أكثر أنواع الصداع شيوعاً وتأثيراً على الناس في جميع أنحاء العالم؛ إذ يسبب هذا النوع من الصداع آلاماً حادة، تصاحبها أعراض أخرى مثل الغثيان والقيء وحساسية الضوء والأصوات.
يتم تشخيص الصداع النصفي على أنه حالة مزمنة يمكن أن تؤثر سلباً على جودة حياة الأفراد وقدرتهم على أداء مهامهم اليومية.
وحسب مجموعة من الدراسات، التي جاءت للبحث حول الأسباب المحتملة للصداع النصفي، تم التوصل إلى العديد من العوامل، من بينها الوراثة والبيئة والهرمونية، إلا أنه ما زالت الأبحاث مستمرة لمعرفة الطرق المناسبة لعلاج هذه الحالة المرضية المزمنة.
في هذا السياق، يثير الاكتئاب اهتمام الباحثين؛ نظراً لارتباطه القوي بالصداع النصفي، فقد أظهرت الدراسات أن هناك علاقة بين الصداع النصفي واضطرابات المزاج مثل الاكتئاب، حيث يبدو أن هناك تداخلاً بين العمليات الكيميائية في الدماغ المسؤولة عن الصداع النصفي وتلك المسؤولة عن الاكتئاب.
لذلك تمثل الأدوية المضادة للاكتئاب أحد العلاجات المحتملة للصداع النصفي، حيث أظهرت الدراسات بعض الفوائد من استخدامها في تقليل تكرار النوبات وشدتها.
ومع ذلك، فإن هذا المجال يتطلب المزيد من البحث لفهم كيفية تأثير الأدوية المضادة للاكتئاب على الصداع النصفي بشكل أفضل وتحديد الاستخدام الأمثل لها.
ما علاقة الاكتئاب بالصداع النصفي؟
مع هذا النوع من آلام الرأس، قد تكون الأدوية المضادة للاكتئاب من بين الحلول التي قد تعمل بشكل أفضل لعلاج الصداع النصفي.
إذ إن جميع من يعاني من هذه الآلام المزمنة، فهو على دراية بالعلامات التحذيرية التي تشير إلى أن هذا الصداع على وشك الحدوث، منها حساسية للضوء، وتصلب في رقبتك.
يمكن أن تكون نوبات الصداع النصفي مؤلمة بشكل لا يصدق. ووفقاً لمؤسسة الصداع النصفي الأمريكية، فإن هذا الصداع الشديد يعاني منه واحد من كل سبعة أشخاص على مستوى العالم، وقد يكون مصحوباً بعدة أعراض.
إذ إن الصداع النصفي يكون مؤلماً بعدة أضعاف من الصداع العادي، وله مدة تأثير طويلة قد تستمر من ساعات لعدة أيام.
ويزداد الأمر سوءاً؛ لأن الصداع النصفي قد يكون من بين الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب مرتين إلى أربع مرات مقارنة بالآخرين، وفقاً لمراجعة في العلوم العصبية.
ولكن هذا يحيلنا إلى طريقة علاج جديدة لهذا المرض المزمن، على شكل أدوية يمكن أن تساعد في علاج آلام الرأس وانخفاض الحالة المزاجية.
الأدوية المضادة للاكتئاب لعلاج الصداع النصفي
على الرغم من أنك قد تكون معتاداً على تناول دواء الصداع النصفي الموصوف طبياً أو وضع كمّادة باردة على رأسك خلال النوبات، فإن بعض الأدوية المضادة للاكتئاب قد تكون فعالة بنفس القدر في الوقاية من الصداع النصفي، وفقاً للأدلة الواردة في خيارات العلاج الحالية في علم الأعصاب. وتنقسم الأدوية المضادة للاكتئاب التي تخفف الصداع النصفي إلى فئتين، وهما كالتالي:
- أميتريبتيلين (إلافيل، فاناتريب) والفينلافاكسين (إيفكسور، إيفكسور-XR)
- نورتريبتيلين (أفنتيل، باميلور) ودولوكستين (سيمبالتا، دريزالما سبرينكل، إيرينكا)
أميتريبتيلين وفينلافاكسين للصداع النصفي
يلجأ المهنيون الطبيون إلى أدوية معينة من فئتين من مضادات الاكتئاب عند وصفها لعلاج الصداع النصفي، وهما مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنوربينفرين (SNRIs) – على وجه التحديد فينلافاكسين – وفئة أقدم من الأدوية يشار إليها باسم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCAs)، والذي يعتبر أميتريبتيلين هو الأكثر فاعلية للصداع النصفي.
كلتا الفئتين من الأدوية تعمل بشكل مماثل، إذ يُعتقد أن جميع الأدوية تقلل من آلام الصداع النصفي عن طريق تغيير تركيزات الناقلات العصبية السيروتونين والنورإبينفرين، كما يعتقد كذلك أن هذه الناقلات العصبية هي التي تساهم في آلام الصداع النصفي.
وجدت إحدى الدراسات في علم الأعصاب السريري وجراحة الأعصاب أن 72٪ من المشاركين عانوا من الصداع النصفي بعد تناول أميتريبتيلين.
تشير دراسة إلى أن “الفينلافاكسين” عزَّز اختلافاً كبيراً في نوبات الصداع النصفي بين أولئك الذين تناولوا الدواء مقارنةً بمجموعة تناولوا الدواء الوهمي.
وعلى الرغم من أنها قد تبدو رائعة لتحسين الحالة المزاجية وتقليل نوبات الصداع النصفي، فإن هناك اعتبارات أخرى عند تناول هذه الأدوية.
إذ يشير المختصون إلى أنه على الرغم من أن الأميتريبتيلين لديه أكبر دليل على الفاعلية، فإنه يرتبط بمزيد من الآثار الجانبية ولا يُفضل دائماً اللجوء إليه كنوع علاج.
بعض الآثار الجانبية المحتملة للأميتريبتيلين تشتمل على:
- إمساك
- فم جاف
- مشاكل في الذاكرة
- انخفاض ضغط الدم الانتصابي (شكل من أشكال انخفاض ضغط الدم)
- التخدير
- احتباس البول
- زيادة الوزن
وفي الوقت نفسه، يمكن للفينلافاكسين أن يتسبب كذلك في:
- اضطراب الجهاز الهضمي
- ارتفاع ضغط الدم
- أرق
- العجز الجنسي
نورتريبتيلين ودولوكستين للصداع النصفي
يُستخدم هذان النوعان الآخران من مضادات الاكتئاب في بعض الأحيان لعلاج الصداع النصفي، ولكن ليس بنفس معدل استخدام أميتريبتيلين وفينلافاكسين.
إذ تُستخدم أحياناً عوامل مثل نورتريبتيلين ودولوكستين، ولكن لم تتم دراستها على نطاق واسع ولم تثبت فاعليتها مثل أميتريبتيلين وفينلافاكسين.
لهذا السبب، فإنها ليست الخيار الأول للصداع النصفي بين المهنيين الطبيين، وتفتقر حالياً إلى دليل على أنه يمكن أن تكون بمثابة علاج وقائي.
ولكن يجب دائماً التحدث عن كل الاحتمالات مع طبيب الأعصاب أو الطبيب النفسي، أثناء اختيار الدواء الذي من شأنه أن يقلل من أعراض الاكتئاب، ويخفف آلام الصداع النصفي.
ما يجب معرفته عن مضادات الاكتئاب والصداع النصفي
بشكل عام، يفضل الأطباء وصف مضادات الاكتئاب للصداع النصفي للمرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بالفعل باضطراب اكتئابي كبير، بحيث يمكن استهداف كلتا الحالتين، خاصة أن الأعراض العاطفية للاكتئاب قد تؤدي إلى زيادة نوبات الصداع النصفي.
ولكن ليس بالضرورة أن تكون مصاباً بالاكتئاب أو القلق حتى يتم وصف مضاد للاكتئاب لعلاج الصداع النصفي.
إنها ببساطة مسألة التحدث عن خيارات العلاج الخاصة بالمريض مع الطبيب والتوصل إلى دواء أو نهج يساعد في علاج الصداع النصفي بشكل مناسب للحالة.
وفي الوقت نفسه، فإن استجابة الصداع من النوع غير المرتبط بالصداع النصفي بنفس الطريقة لمضادات الاكتئاب تعتمد على متغيرات متعددة.
إذ إن الصداع قد يحصل لأسباب عديدة، من بينها قلة النوم، والحساسية، ومشاكل الجيوب الأنفية، والأدوية، والأطعمة، وعجز الرؤية، وأمراض الدماغ.
فيما يمكن استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب ثلاثية الحلقات للوقاية من الصداع الناتج عن التوتر، إلا أنه يكون نوعاً من أنواع الوقاية لا العلاج.