ديفيد إليعازر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، ولد عام 1925، قاد عملية اقتحام البلدة القديمة بالقدس عام 1948، وتولى قيادة القوات الشمالية التي احتلت الجولان في النكسة. تم عزله عن قيادة أركان الجيش وإعفاؤه من الخدمة على إثر اتهامه بالمسؤولية عن هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتقصيره في الاستعداد لها. توفي عام 1976.
النشأة والتعليم
ولد ديفيد سليمان إليعازر في 27 أغسطس/آب 1925 في سراييفو بالبوسنة والهرسك (يوغسلافيا آنذاك). وينحدر من عائلة إسبانية تنتمي إلى يهود السفارديم، هاجرت إلى الدولة العثمانية إبان طرد اليهود من إسبانيا.
توفيت والدته “زهافا” عندما كان في الـ6 من عمره، فرباه أجداده، وكان والده سليمان ضابطا في الجيش اليوغسلافي، وكان أحد محاربي قوات حرب العصابات التابعة لجوزيف تيتو التي قاتلت النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
سافر إليعازر إلى “زغرب” بكرواتيا لإكمال دراسته عندما بلغ 12 عاما، وانضم إلى حركة جمعت الشباب من أقرانه هناك، والتقى خلال تلك الفترة أفرادا أصبحوا فيما بعد بارزين في إسرائيل، مثل حاييم بارليف، وقد كان الخوف من الاجتياح الألماني ليوغسلافيا خلال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى القيود المفروضة على تعليم اليهود في المدارس، دافعا لديفيد وأقرانه للهجرة إلى فلسطين، التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني، وكان إليعازر حينئذ في الـ15 من عمره.
وعند وصولهم إلى فلسطين استقروا في كيبوتس “شاعر هعمكيم”، ثم انتقلوا إلى كيبوتس “عين شيمر” لاستكمال تدريباتهم، وقد تربى إليعازر ضمن حركة “الكيبوتس القطري”، وهي حركة صهيونية تقوم على مبادئ اشتراكية ثورية.
وفي الثامن من أغسطس/آب 1952 تزوّج بتسالما ابنة الشاعر والكاتب تسفي أرد، أحد مؤسسي كيبوتس عين شيمر. ثم التحق بالجامعة العبرية في القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 1953، وتخصص في الاقتصاد ودراسات الشرق الأوسط.
الأيديولوجيا
كان إليعازر مرتبطا بمبادئ حزب “الاتحاد الصهيوني الاشتراكي لعمال أرض إسرائيل” (أحدوت هعفودا)، الذي يصرح بانتمائه الصهيوني، ويؤمن بأن تحقيق الصهيونية يتم عن طريق الاشتراكية.
التجربة العسكرية
بدأ مساره العسكري في وقت مبكر من حياته، إذ انضم إلى القوة العسكرية التابعة للهاغاناه (البالماخ) عام 1946، وكان يبلغ من العمر 21 عاما، ثم التحق بدورة لقادة المستقبل عام 1947، تحت قيادة حاييم بارليف في كيبوتس داليا، وقد أبدى اجتهادا وتميزا، وبعد الدورة تم إرساله للخدمة في منطقة الجليل الأعلى، لقيادة وحدة مسؤولة عن الجولات والمراقبة.
وفي أثناء حرب عام 1948، شارك في معارك مختلفة مع لواء “هرئيل”، وقاد عملية اقتحام البلدة القديمة في القدس عبر باب “النبي داود”، وتم تعيينه قائدا لكتيبة “هابورتزيم” التابعة للواء “هرئيل”، وقد كان في سن الـ24 أصغر قائد كتيبة في “البالماخ”.
وبعد أن حلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن غوريون منظمة البالماخ، ودمج قواتها بالجيش، التحق إليعازر بجيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن الخدمة العسكرية الدائمة، وأخذ يرتقي سلم المناصب العسكرية، وقد بدأ مدربا في دورة قادة الكتائب عام 1950، ثم شغل منصب رئيس شعبة الحرب في هيئة الأركان العامة عام 1954، وفي العام التالي تم تعيينه قائد لواء “غيفعاتي”.
وقد تمت ترقيته عام 1956 إلى رتبة مقدم، وعين قائد مدرسة المشاة، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، تولى قيادة كتيبة المشاة التي هاجمت قطاع غزة، ثم استقر في القطاع عقب تعيينه قائدا للقوات الإسرائيلية فيه.
وفي عام 1957 انتقل للخدمة في سلاح المدرعات، ثم ترفع إلى رتبة عميد عام 1961، وتولى قيادة سلاح المدرعات، وطوره، ووضع خطط مشاركته في المعارك.
وتبعا لما قدمه من إنجازات عسكرية، حاز رتبة لواء عام 1962، ثم تم تعيينه عام 1964 رئيس القيادة الشمالية، حيث أشرف على تحركات جيش الاحتلال على الحدود السورية ومراقبة منابع نهر الأردن لضمان وصول المياه لإسرائيل، وفي حرب الأيام الستة عام 1967، تولى بنفسه قيادة القوات الشمالية التي اقتحمت مرتفعات الجولان واحتلتها.
وقد استطاع إليعازر أن ينال ثقة رئيسة الحكومة في حينها غولدا مائير ونائبها إيغال آلون، فتم تعيينه رئيسا لقسم العمليات الحربية في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من معارضة وزير الحرب موشيه ديان، وفي عام 1969 تولى قيادة فرع القيادة العامة للجيش، ولاحقا عام 1971 حصل على رتبة فريق، ثم شغل منصب رئيس الأركان في العام الذي يليه.
نهاية مسيرته العسكرية
وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 1973، وضعت كل من مصر وسوريا جيوشهما في حالة تأهب، ولكن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، لم تعط احتمالا كبيرا لنشوب حرب، الأمر الذي لم يحمل الجيش على اتخاذ حالة جاهزية عالية، وتم اتخاذ إجراءات محدودة، واستدعاء عدد ضئيل فقط من قوات الاحتياط.
وفي صبيحة السادس من أكتوبر/تشرين الأول، أدرك إليعازر أن الحرب ستندلع، إلا أن رئيس المخابرات العسكرية اللواء إيلي زيرا وموشيه ديان كانا يعتقدان أن ذلك الاحتمال غير مرجح، وفي أعقاب اندلاع الحرب يومها، وانهزام الاحتلال الإسرائيلي في المواجهة، تعرض إليعازر لموجة شديدة من الانتقادات، وعلى إثر ذلك تم تشكيل لجنة “أغرانات” في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، للتحقيق في سبب تدني مستوى استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب، وتقديم توصيات.
وقد نُشرت نتائج التحقيق في أوائل عام 1974، وعلى الرغم من الإشادة بجهود إليعازر، فإن التقرير حمله المسؤولية الشخصية عن سوء تقييم الوضع العام قبل الحرب، وعدم الاستعداد العسكري المناسب لها، وأوصى بإقالته من منصبه وإنهاء خدماته في الجيش الإسرائيلي، فقدم إليعازر استقالته في أبريل/نيسان 1974 مبديا تظلما من جعله كبش فداء دون غيره من القادة العسكريين والسياسيين.
وكان إليعازر في غضون ذلك قد وقع مع نظيره المصري في يناير/كانون الثاني 1974، اتفاقية فصل القوات عند الكيلومتر 101، وكانت تلك أولى الخطوات نحو معاهدة السلام مع مصر.
وبعد خروجه من السلك العسكري، شغل إليعازر منصب رئيس مجلس إدارة شركة “زيم” للملاحة، كما شرع في كتابة مذكراته، التي تتحدث بشكل خاص عن حرب أكتوبر 1973، وتتضمن تفاصيل المناقشات التي أثيرت بين المسؤولين عشية الحرب.
المناصب والمسؤوليات
تولى إليعازر مناصب عسكرية مهمة، أبرزها:
- رئيس فرقة الحرب في هيئة الأركان العامة بين عامي 1954 و1955.
- قائد مدرسة المشاة برتبة مقدم بين عامي 1956 و1957.
- نائب قائد القوات المدرعة بين عامي 1959 و1961.
- قائد سلاح المدرعات برتبة جنرال، بين عامي 1961 و1964.
- رئيس القيادة الشمالية، بين عامي 1964 و1969.
- قائد فرع الأركان العامة برتبة فريق، بين العامين 1969 و1971.
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بين العامين 1972 و1974.
الوفاة
كان إليعازر رياضيا ويتمتع بصحة جيدة، لكنه تعرض لنوبة قلبية حادة أثناء ممارسته السباحة، نقل على إثرها إلى المستشفى حيث توفي ذلك اليوم، في 15 أبريل/نيسان 1976 في مدينة تل أبيب، عن عمر يناهز (51 عاما)، ودفن في جبل العقود (جبل هرتزل) بالقدس.