أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن خطة وُصفت بـ”الجريئة”؛ لإنشاء رصيف أو ميناء عائم على ساحل غزة لاستقبال المساعدات الإنسانية، حيث قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، في خطابه لـ”حالة الاتحاد”، الخميس 7 مارس/آذار 2024، إنه وجّه الجيش الأمريكي لقيادة “مهمة طارئة” من أجل إنشاء الميناء العائم على ساحل غزة المؤقت على ساحل غزة؛ لاستقبال سفن المساعدات الإنسانية الكبيرة.
وأوضح بايدن أن الميناء سيكون مؤقتاً، وسوف يتيح “زيادة هائلة في كمية المساعدات الإنسانية” التي تصل غزة، مضيفاً أنه يواصل العمل كل يوم “دون توقف” من أجل التوصل إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، سيستمر 6 أسابيع.
ووجّه بايدن رسالة للقادة الإسرائيليين، طالبهم فيها بعدم عرقلة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين لأغراض سياسية، قائلاً: “للقيادة الإسرائيلية أقول: المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون أمراً ثانوياً أو ورقة مساومة… حماية وإنقاذ أرواح الأبرياء يجب أن تكون أولوية”.
ما الذي نعرفه عن خطة الميناء العائم على ساحل غزة؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن فكرة الرصيف أو الميناء العائم على ساحل غزة تذكِّرنا بموانئ مولبيري المتنقلة المؤقتة التي أقامتها البحرية البريطانية على شواطئ النورماندي شمال فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.
وقدم المسؤولون الأمريكيون هذه الخطة وقالوا إن واشنطن ستتولى القيادة والتنفيذ و”لن تنتظر الإسرائيليين”، إلا أن الإسرائيليين سيكون لهم نصيب من المشاركة والرأي في مدى فاعلية الخطة ونجاحها في توصيل المساعدات، خاصة في شمال غزة، الذي اشتدت فيه وطأة الجوع على الأهالي حتى أوشكوا على الوقوع في براثن مجاعة عامة بسبب الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع.
وبحسب “الغارديان”، سيتولى مفتشون إسرائيليون في ميناء لارنكا القبرصي فحصَ شحنات المساعدات المتجهة إلى جنوب غزة، وتوفر عمليات التفتيش هذه لإسرائيل أداة للتحكم في تدفق المساعدات باسمِ التدقيق الأمني.
وقد يصعب على إسرائيل أن تتحكم كما تشاء حين يكون التعامل مباشرة مع ضباط الخدمات اللوجستية العسكريين الأمريكيين، وليس مع مسؤولين من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية. ولكن الحكومة الإسرائيلية، ووزراءها الذين يعارضون إدخال المساعدات إلى غزة، لا يزال لديهم كثير من الوسائل الأخرى لعرقلة الأمر.
ما علامات الاستفهام على مشروع الميناء العائم على ساحل غزة؟
مع ذلك، يحيط بالأمر مخاوف جدية، أبرزها أن مساعدات الإغاثة التي سيجلبها لن تكون كافية للوفاء باحتياجات الفلسطينيين الذين يواجهون المجاعة في غزة، وأنها لن تصل إليهم إلا بعد وقت طويل.
قال زياد عيسى، مدير شؤون السياسات الإنسانية في منظمة “أكشن إيد” الخيرية، إن “إنشاء الطريق البحري سيستغرق أسابيع، أمَّا سكان غزة فيتضورون جوعاً الآن. وقد رأينا بالفعل أطفالاً يموتون من شدة الجوع”. وأضاف: “يقول الناس إن الأمر معقد، لكن الحقيقة أنه يسير وواضح؛ إسرائيل هي التي تمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة”.
وشكك ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بالخطة الأمريكية وجدواها وحتى نواياها، في الوقت الذي لا تزال واشنطن تدعم الاحتلال بمختلف أنواع الأسلحة والقنابل في حربه على غزة، وتدعم الاحتلال دبلوماسياً في جميع المحافل، وتجهض قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن.
مشيرين إلى أنه كان يمكن لواشنطن أن تمارس ضغوطها الدبلوماسية على القاهرة لفتح معبر رفح على سبيل المثال وتل أبيب لفتح معبر كرم أبو سالم وغيره. وتساءل آخرون أيضاً عن الأسباب التي قد تدفع الاحتلال للموافقة على تمرير هذه الخطة والسماح بها دون عوائق أو مشاكل.
كم يمكن أن يستغرق بناء الميناء العائم على ساحل غزة؟
تقول صحيفة New York Times الأمريكية إن البناء يمكن أن يستغرق ما بين 30 إلى 60 يوماً، وفقاً لمسؤولين، وسيشمل وجود مئات أو آلاف من القوات الأمريكية على متن السفن قبالة الشاطئ مباشرةً، وذلك تماشياً مع تفويض بايدن بعدم وجود جنود أمريكيين على الأرض في غزة مع استمرار الحرب، كما تقول الصحيفة.
وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية لنيويورك تايمز، إن الميناء سيتم بناؤه بالتعاون مع دول أخرى في المنطقة. وأضافوا إنهم “عملوا بشكل وثيق” مع الإسرائيليين أثناء تطوير مبادرة الميناء البحري، لكنهم لم يحددوا ما إذا كانت إسرائيل ستقدم مساعدة أو دعماً مباشراً لبنائه أو تشغيله.
وبحسب مسؤول أمريكي، فإن إسرائيل عملت لعدة أشهر مع الولايات المتحدة ودول أخرى لتطوير عملية “تفتيش المساعدات في ميناء قبرص، ومن ثم تسليمها، وهو مطلب رئيسي للوجود الميناء الأمريكي الجديد في غزة”.
ولم تؤكد الحكومة الإسرائيلية على الفور أنها وافقت على السماح بدخول المساعدات إلى غزة من البحر، لكن الموافقة الإسرائيلية ستكون ضرورية للأمريكيين بحسب نيويورك تايمز.
وقال مسؤول إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة المفاوضات الدبلوماسية، إنه بموجب الخطة الأخيرة، سيتم إرسال المساعدات التي تبرعت بها الإمارات العربية المتحدة إلى قبرص، حيث سيتم تفتيشها في نهاية المطاف، ثم نقلها بالسفن إلى ساحل غزة.
في السياق، قال دبلوماسيان مطلعان إن الخطط الأحدث لهذا المشروع ستشهد إنشاء الميناء على ساحل غزة شمالاً قليلاً من معبر وادي غزة، حيث أقامت القوات الإسرائيلية نقطة تفتيش رئيسية هناك.
كيف سيتم بناء الرصيف الأمريكي؟
تقول نيويورك تايمز، إن سلاح المهندسين بالجيش يتمتع بخبرة طويلة في البناء السريع للأرصفة العائمة لاستيعاب العمليات العسكرية الأمريكية. وستكون إحدى الوحدات العسكرية الرئيسية المشاركة في البناء هي لواء النقل السابع بالجيش (الحملة الاستكشافية)، خارج قاعدة يوستيس-لانجلي المشتركة، في فيرجينيا، وفقاً لمسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية.
ويتولى مهندسون عسكريون أمريكيون بمقتضى الخطة بناء رصيفٍ عائم قبالة شاطئ غزة، بحيث يمكن أن تُفرَّغ عنده المساعدات الغذائية المنقولة على متن السفن من ميناء لارنكا القبرصي، وإنشاء جسر عائم لنقلها إلى الشاطئ.
وقال المسؤولون إن السفن التي سيتم استقبالها، وهي سفن كبيرة وثقيلة ستحتاج إلى حراسة مسلحة، خاصة عندما تصل إلى نطاق ساحل غزة، لذا تبحث وزارة الدفاع الأمريكي على كيفية ضمان حماية قواتها أثناء بناء الرصيف، ولم يضع البيت الأبيض جدولاً زمنياً محدداً لجهود البناء.
ويمكن للمنشأة الجديدة، إذا تم افتتاحها كما هو مقرر، أن توفر طريقة أخرى لإيصال شاحنات محملة بالمساعدات إلى المنطقة. لكن المسؤولين لم يخوضوا في تفاصيل حول كيفية نقل المساعدات التي يتم تسليمها عن طريق البحر من الساحل إلى داخل غزة، حيث تقول جماعات حقوق الإنسان إن مئات الآلاف من الناس يواجهون المجاعة. وأحد الخيارات هو إبقاء المنصة في البحر ونقل البضائع بواسطة قوارب أصغر؛ وهناك خيار آخر يتمثل في بناء جسر مؤقت يمكّن الشاحنات من نقل البضائع مباشرة.
من سيقوم بمهمة توزيع هذه المساعدات؟
السؤال الذي لا يلبث أن يُستدعى هنا، كيف ستصل هذه المساعدات إلى أهالي غزة، الذين نزح معظمهم عدة مرات، ولا يمكث أغلبهم بالقرب من الشاطئ؟
في هذا السياق، سأل جيريمي كونينديك، المسؤول الكبير السابق في مجال المساعدات الإنسانية بإدارة بايدن والرئيس الحالي لمنظمة معنية بتقديم المساعدات الدولية للاجئين، “من سيوزِّع المساعدات؟”، لا سيما “أنه لا يكاد توجد منظمات إغاثة في شمال غزة، لأن الإسرائيليين يريدون إجبار جميع الناس على النزوح منه، ومن ثم يقيدون الوصول إلى الشمال منذ دخولهم إليه”.
وقال كونينديك إن ممر المساعدات البحرية المقترح “لا يحل مشكلة العرقلة التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات، ولكن ينقل المشكلة من محطة الدخول، لتصبح في مرحلة التوزيع، فتوزيع المساعدات يحتاج إلى سائقين وشاحنات ونظام توزيع للإمدادات، وكل ذلك غير موجود”.
ومع ذلك، مجرد توصيل المساعدات عن طريق البحر لا يحل بشكل مباشر المشكلة المركزية المتمثلة في عدم قدرة الشاحنات على تسليم بضائعها وسط القصف الإسرائيلي المكثف والقتال البري، الذي لا يزال شرساً في الجنوب. كما أنها لن تعالج الفوضى التي رافقت عمليات التسليم التي تسبب الاحتلال في صنعها.
هل يمكن أن تتولى “شركات خاصة” عملية توزيع المساعدات البحرية؟
من جهتها، نقلت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية عن مسؤولين أوروبيين قولهم إن الخطة التي وضعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، تنص على أن تتولى شركة خاصة التعامل مع الأمور اللوجستية، وأضافت أنه “لن تشارك أي سفن عسكرية”.
وبحسب الصحيفة، تتطلع إدارة بايدن إلى شركة أمريكية واحدة على الأقل، وهي “فوجبو”، لتنسيق عمليات التسليم إلى غزة عبر الممر البحري الجديد باستخدام السفن التجارية، وفقاً لمسؤولين خليجيين وأشخاص مطلعين على الخطة.
وقال هؤلاء الأشخاص إن فوجبو، التي يديرها مسؤولون سابقون في الحكومة الأمريكية والجيش والأمم المتحدة، قد تقود الجهود لتأمين السفن والتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية والأمم المتحدة وسكان غزة على الأرض لتوزيع المساعدات.
فيما يقول مراقبون لصحيفة الغارديان البريطانية، إن الأهالي القريبين من الشاطئ قد يتولون توزيع المساعدات الغذائية من الميناء العائم على ساحل غزة فيما بينهم على المدى القصير. وتوصيل المساعدات إلى جميع أنحاء القطاع، لن يتطلب شاحنات وسائقين فحسب، بل يتطلب كذلك تأكيداً من جيش الاحتلال بعد استهدافها، ونوعاً من الأمن لمواجهة أي محاولة لنهب المساعدات والاستيلاء عليها.
وقال كونينديك: “حتى لو جرى الاتفاق على وقف لإطلاق النار، فإن الأمر سيغلب عليه الفوضى الشديدة في البداية؛ لأن الأجهزة الأمنية التي كانت موجودة قد انهارت. وما رأيناه الأسبوع الماضي يبرهن على أن الجيش الإسرائيلي ليس ضامناً أمنياً جديراً بالثقة بالنسبة للأمريكيين”. ويرى كونينديك أن “الأمر سيكون شديد الصعوبة، لكن اختباره قد يعود ببعض الفوائد”، والقائمون على الأمر “سيكتشفون كثيراً من المشكلات والحلول أثناء التنفيذ، وهذا أمر مفيد. أنا أؤيد أي شيء يساعد الناس في هذه المرحلة”.
ومع ذلك، قال كونينديك: “لكن دعونا نكُن واقعيين وواضحين حين نتحدث عن سبب الحاجة إلى هذا المسار، فالسبب هو أن الجيش الإسرائيلي يعرقل وصول المساعدات إلى غزة منذ خمسة أشهر، والقدرات الإنسانية للقطاع تتعرض للتخريب المتعمد منذ خمسة أشهر”، و”حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة تسامحت مع ذلك طيلة هذه الشهور”.